نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. حرية الإعلام والعنف في العالم العربي 

تاريخ النشر :٤ مارس ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- اربع قضايا رئيسية لها علاقة كبيرة بالعنف هي فلسفة التعليم وغياب المشروع الوطني وضعف المجتمع المدني وحرية الاعلام. هذه القضايا تقع في صلب التطرف والتخلف والصراع وجميعها لها علاقة بالانظمة السياسية الاستبدادية. 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13494/article/9845.html

طرحت قنات ال«بي بي سي» مناقشة حول أسباب العنف في العالم العربي وتطرق المشاركون إلى عدد من العناوين الرئيسية مثل الظلم الاجتماعي وضعف المجتمع المدني والفساد والفقر والجهل والإحباط وانحسار فرص العمل وانسداد الأفق السياسي وغياب المساءلة ومحدودية فرص العمل وتسلط الغرب والقضية الفلسطينية وسجن الأنظمة للإصلاحيين السلميين. جميع هذه الأسباب لها علاقة مباشرة بالعنف المنتشر في الوطن العربي والمرتبط بالتعصب الديني والتعصب السياسي كما جادلنا في مقالنا السابق. فبعض رجال الدين غير قادرين على استيعاب حق الآخر في الاختلاف (لكم دينكم ولي دين) ورجال السياسة وبدرجة أولى بعض الأنظمة العربية، غير راغبة في افساح المجال للمشاركة في السلطة وتداولها.

 أحد المشاركين تطرق إلى قضايا تختلف عن الاخرين وذكر عددا من الأسباب نذكر منها، أولا: غياب التعليم القادر على صياغة نظرية فلسفية لتعامل الفرد مع المجتمع تقوم على الحرية الفردية للجميع واحترام حقوق الانسان، وتحدد مفهوم السلطة وحدودها ودورها في المجتمع فيما يتعلق بضبط هذه الحرية الفردية، وأن تتم عملية الضبط من خلال قوى المجتمع وليس من قِبَل سلطة مستقلة عن المجتمع ومتسلطة عليه. هذه الفلسفة تخلق المواطن العلمي القادر على الاختيار الحر، ورصد الوقائع والظواهر وطرح تصورات بناء على الملاحظة الدقيقة، وإخضاعها للاختبار والتمحيص واستنتاج المواقف والقناعات منها واستمرار فحص هذه المواقف بناء على متغيرات وحقائق لاحقة. هذه مهمة التعليم، وليس حشو مخ الطالب بمفاهيم تاريخية ومواد تبجيل للسلطة والمطالبة بالخضوع لها. ولا تتعذر بعض الأنظمة بالقول إن القوى الدينية ترفض ذلك!

 السبب الثاني هو غياب المشروع القومي أو الوطني. في الستينيات كان للعرب مشروع قومي وأهداف نهضوية استقطبت الشباب والنخب وشكلت قوى وطنية وإرادة للتغيير. جوبه هذا المشروع بقوى مضادة أحبطت تقدمه. كان يمكن ان ينبثق مثل هذا المشروع مع بدايات الربيع العربي لكن الرفض من قبل الأنظمة والقوى المضادة ذاتها حولت هذا الربيع إلى خريف عربي محزن ضاعف من الإحباط والخذلان الذي يشعر به الشباب. غياب المشروع يخضع العرب لمشاريع إقليمية ودولية تتحكم في مصيره وثروته ويضاعف الإحباط والغضب في الشباب ويجعلهم غنيمة سهلة لقوى الظلام والتعصب.

 السبب الثالث الذي أورده المتداخل هو غياب الهوية الحزبية والنقابية الفعالة التي تجذب الشباب وتنظم نشاطه مجتمعيا وليس مذهبيا أو قبليا أو عرقيا. هذه الكيانات، اذا ما عملت في بيئة ديمقراطية تسمح بالعمل السياسي الحر المنظم، تستطيع ان تحول الصراع في المجتمع إلى صراع مصالح عقلانية بدلا من صراع عقائدي مجنون.

 أما السبب الرابع فكان غياب الإعلام الحر. هذا العنصر قد يكون المؤشر الأول والاهم في قدرة المجتمع على الانفتاح والتفهم والتسامح. الاعلام هو المرآة التي تعكس سلوك المجتمع وقناعاته وقدرته على تحمل الاخر وتحمل الرأي المختلف. الاعلام هو الذي يصنع الوعي الفردي والوعي الجمعي في المجتمع. للأسف، السلطات العربية تستخدم الاعلام لكي تعبث بوعي المواطن وقدرته على الرصد وعلى استنباط المعاني والاستنتاجات السليمة من الوقائع والأحداث والوصول إلى حقيقة تطور المجتمع وتقدمه في تحقيق تطلعاته.

 الحرية في التعبير والحرية في الاعتقاد والحرية في التجمع لا تتحقق بدون حرية الاعلام. للأسف، هناك الكثير من المثقفين يبررون للدول التسلطية ضرورة وضع قيود على الاعلام بحجة انه لا يمكن ان يكون الاعلام منفلتا من دون ضوابط. وعند السؤال عن ما هي هذه الضوابط ومن يحددها؟ يأتي الجواب أن الغرب يضع ضوابط وقيود على الاعلام فلماذا لا يكون الحق للعرب بوضع هذه الضوابط؟ 

 لا احد ينكر ضرورة وجود الضوابط لحماية الأفراد والمجتمع من التعدي على حقوقهم وخصوصياتهم ومعتقداتهم أو التعرض لهم بالقذف أو الشتم، كل هذه الضوابط مقبولة لكن يبقى السؤال من يضع القانون الذي يحددها وكيف سينفذ هذا القانون وعلى من؟

 في الدول الديمقراطية الغربية يتم وضع القانون من قبل برلمانات تمثل الشعب تمثيلا صحيحا إلى درجة كبيرة، يتم مناقشة هذه القوانين في الاعلام ويصوّت عليها من قبل أحزاب منتخبة ومساءلة من قبل المجتمع. ومعرضة لخسارة مقاعدها وسلطتها ان هي اغضبت المجتمع. وتنفذها حكومات كذلك منتخبة وتمثل إرادة الشعب. صحيح ان هناك بعض الجهات التي تتمتع بقوة أكبر من حجمها بسبب جماعات الضغط والمصالح وسلطة المال، كل هذه السمات موجودة ولكنها جميعا من إفرازات المجتمع وتتغير بتغير ظروف وموازين قوى في المجتمع كما تتغير بتغير المزاج السياسي في المجتمعات الديناميكية الحرة. 

 إذن، القوانين التي تضبط الاعلام وحرية الكلمة في الغرب الديمقراطي تنطلق من قداسة مفهوم الحرية الفردية، وتوضع وفق توازنات بين الفرد والمجتمع والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات القوية الفاعلة. أما الدولة فهي العنصر المحايد الذي يصعب على الأحزاب استغلاله ضد الشعب من دون أن تدفع الثمن.

 لذلك فإن الفرق الجوهري في ضبط حرية الاعلام بجميع أنواعه هو خضوعه لإرادة المجتمع من خلال مجالس تشريعية تسن قوانين تحمي الفرد والمجتمع والدولة، وتَخضع هذه السلطة التشريعية لمحاسبة ومساءلة مجتمعية من خلال صحافة حرة ومنظمات مجتمع مدني حيوي. 

 هذا الوضع غير متوافر في دولنا العربية فيصبح قانون الاعلام والصحافة أداة في يد سلطة متحكمة في المجتمع تستخدم أجهزة الدولة لإخضاعه، تحت عناوين مثل: (القانون، الاستقرار، الامن) لإسكات أي نوع من النقد أو المطالبة بالمشاركة في السلطة أو الثروة. في هذه الحالة يصبح القانون أداة من أدوات القمع، يضاف إلى أدوات أخرى والنتيجة هي قتل الابداع والمبادرة في الانسان وتخلف المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ورواج العنف كأداة للتغيير. فهل يحق لنا تحميل الغرب مسئولية حروبنا؟

 mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *