- ومرت الميزانية بدون زيادة في الرواتب !!
تاريخ النشر : 17 مايو 2011
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
وافق مجلس النواب في 3 مايو الجاري على مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعامين الماليين 2011 و2012، وتمت إحالته إلى مجلس الشورى. وبذلك يكون قد بُدد حلم المواطنين في زيادة الرواتب وتحسين مستوى المعيشة. موضوع الميزانية كان موضوع ندوة في مجلس احمد جناحي حاضر فيها السيد عثمان شريف رئيس اللجنة المالية والدكتور على احمد عضو مجلس النواب عن كتلة المنبر.
بدأ السيد عثمان شريف بسرد الظروف التي ادت الى الموافقة وخلاصتها ان اللجنة تفهمت موقف الحكومة والخشية من ان زيادة الرواتب سوف تضيف الى الدين العام الذي قد يصل الى قرابة 50% من اجمالي الناتج المحلي مما يؤثر على مستقبل الاجيال القادمة. كما ان زيادة رواتب المتقاعدين سيفاقم خطر العجز الاكتواري. اما زيادة العلاوة الاجتماعية في هذا العام فانه غير ممكنا ولكن في العام المقبل 2012 سوف تشمل الموازنة زيادتها بمقدار 25 مليون توزع على ثلاث فئات. تحصل الفئة الاولى (التي تقل رواتبهم عن 300 دينار)، على 100 دينار شهريا، والفئة الثانية (من تقل رواتبهم عن 700 دينار) تحصل على 75 دينار، والفئة الثالثة (تقل رواتبهم عن 1000 دينار) تحصل على 50 دينار شهريا. ولم ينسَ ذكر ان العجز في الميزانية تعدى مليار ونصف موزع على سنتين بالمناصفة تقريبا. وبالتالي فان موقف اللجنة هي أن الارقام التي اوردها وزير المالية اقنعت اللجنة بعدم امكانية زيادة الرواتب.
ان الفرضية التي استند اليها المجلس في تمرير الميزانية هي ان الايرادات التي وردت في الميزانية هي واقع وحقيقة لا يمكن تغييرها وان الحكومة ليست مسئولة عن وصول اقتصادنا الى هذه الدرجة من عدم القدرة على تحسين مستوى المعيشة وان الانفاق يجب ان يكون في مستوى الدخل وان سياسات تنويع مصادر الدخل لم تؤتِ ثمارها بعد.
بينما انطلق الدكتور علي احمد من موقف يقول ان الميزانية هي جزء من الصورة الاكبر لمسئولية الحكومة وان المواطن يرى ان هناك اموالا واملاكا للدولة لم يتم حسن استغلالها ولو انها وُظِّفت لتسديد الدين العام واستثمارها في مشاريع تنموية لكان ممكنا رفع الرواتب وتقليص الدين العام. بالاضافة الى ذلك فان مستوى الفساد والهدر الذي ابرزته تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية والخسائر من شركة طيران الخليج وممتلكات وغيرها كان يمكن ان تغير الكثير في ظروف المعيشة وبالتالي فان الحكومة مسئولة عن هذا الوضع.
من الملاحظ ان الحكومة تبنت في هذه الميزانية التمويل الاستراتيجي والذي يعني ان المخصصات تتفق مع الخطط التنموية والاستراتيجية للدولة. بمعنى ان المبادرات والمشاريع الواردة في الاستراتيجية الوطنية (2009-2014) يخصص لها التمويل اللازم لتنفيذها، كما يتم تنفيذ برنامج العمل الحكومي الصادر في 21 ديسمبر 2010 والذي يعتبر ترجمة للاستراتيجية الوطنية. وان التمويل الاستراتيجي يُلزم الحكومة بوضع اهداف للميزانية ومؤشرات واضحة يمكن للمجتمع ان يراقبها بناءا على معلومات تكون في متناول المجتمع لكي يتحقق من انجاز الاهداف والتاكد من كفاءة استخدام الموارد وسلامة الرقابة على المصروفات وترشيد صنع القرار في تنويع مصادر الدخل. فهل تنجح الحكومة هذه المرة؟
بالنظر الى حديث سعادة وزير المالية في البرلمان نجد انه يرى بان هناك نمو في الاقتصاد “شمل الجميع ولم ينحصر في فئة معينة” اي ان الجميع حصل على نصيبه من النمو!! كذلك يرى سعادة الوزير بان الدولة تسعى إلى تنويع مصادر الدخل، وان العمل جارٍ على إنجاح العديد من المشروعات الاقتصادية والمالية وغيرها للنهوض بالاقتصاد المحلي، مشدداً على أن السياسة الحكيمة التي انتهجتها الدولة وما تمتلكه من أرضية صلبة على الصعيدين المالي والاقتصادي ساهمت في استمرار المحافظة على قدرة الاقتصاد على النمو. اي ان الوزير يرى بان الحكومة فعلت ما عليها، لكنه لم يوضح من هي الفئة التي حصلت على نصيبها من الزيادة في النمو؟ ولا ندري كيف يفسر المتقاعدون هذه المقولة، او كيف نقنع المواطنين بان النمو قد وصل اليهم؟ وهل سيتمكن سعادة الوزير من اقناع المجتمع الذي يرى بان “الإيرادات النفطية مازالت تشكل 87 في المئة من موارد البلاد”؟
ندرك جيدا بان تصريحات المسئولين جميعها تصب في جانب رفع مستوى معيشة المواطن وتحقيق الحياة الحرة الكريمة. لكن مايزال لدينا ما يزيد على 30% ممن تقل رواتبهم عن 300 دينار وان نصف المتقاعدين تقل معاشاتهم التقاعدية عن 200 دينار، ومازلنا بعيدين جدا عن تحقيق هذه الغاية من الناحية الاقتصادية (حسب ارقام د. علي احمد). وبما ان الميزانية الحالية لا تبعث على بادرة لتغير الوضع، فلنا ان نتساءل متى يتوقع المواطن ذلك؟
على الحكومة ان تدرك بان المجتمع يمر بمرحلة حاسمة وخطيرة ولن تكفي الوعود بتنويع مصادر الدخل الذي طال انتظاره، بل المطلوب هو برنامج واضح يُطرح على المجتمع لكي يطمئن على مستقبله ومستقبل ابنائه ويساهم في اشاعة الامن والاستقرار. المواطن ينظر بترقب لخروج هذا المشروع الى النور وان تتحقق آمال تنويع مصادر الدخل ورفع الانتاجية وتوزيع عادل للثروة لكي نتوقع من الحكومة رفع الرواتب وتحسين مستوى المعيشة. فهل نحن نسير في هذا الطريق ام ان المسيرة تحتاج الى رؤية جديدة ومكاشفة ونقاش وطني مفتوح لمعالجة المشكلة التي يبدو انها مستعصية؟