نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

2.    (15-1-2020) قانون التعليم ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة (2)

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٥ يناير ٢٠٢٠ – 02:00

مقال الاسبوع – فرصة تعديل قانون التعليم لا ينبغي ان تضيع دون ادخال تعديلات جوهرية على منظومة التعليم وجعلها اكثر قدرة ومرونة في مواكبة متطلبات الثورة الصناعية الرابعة وسياسة الدولة الاقتصادية استعدادا للقرن الواحد والعشرين. هذا يعني رفع مستوى المعلم ومكانته الاجتماعية وكذلك معالجة تاثيرات التعليم الخاص على التركيبة الاجتماعية والعزل الطبقي في المجتمع ولا بد من معالجته من خلال القانون.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1196879

على اثر مراجعة مجلس الشورى لقانون التعليم تحدثنا في مقال سابق عن قانون التعليم رقم 27 الصادر في 2005 (أخبار الخليج 2 يناير 2020) وطرحنا بعض الملاحظات التي نرى ان يتصدى لها مجلس النواب في مراجعة هذا القانون في ضوء المعطيات الجديدة والتوجه الاقتصادي الجديد الذي يرتكز على اقتصاد المعرفة. طرحنا في ذلك المقال فكرة فصل التعليم العالي عن التعليم الاساسي لتمكين التعليم العالي من التركيز على البحث العلمي وتحقيق تقييم موضوعي مستقل لمخرجات التعليم الاساسي ودفع تطور التعليم في اتجاه الجودة الملائمة. 

قضية اخرى ينبغي تناولها هي المادة الرابعة من القانون التي تعطي مهمة «تحديد معايير جودة التعليم» إلى وزارة التربية والتعليم. من حيث المبدأ تحديد جودة المنتج يكون من قبل المستخدم والمستفيد النهائي هو المجتمع وسوق العمل. ويوجد لدينا هيئة جودة التعليم والتدريب تقوم عمليا بهذه المهمة بالتعاون مع القطاع الخاص. ومع ان المادة تطلب من الوزارة التعاون مع الهيئات والمؤسسات العامة الا انه لا يوجد الزام فيه وبالتالي يمكن الا تطبق، لذلك تحتاج هذه المادة إلى تعديل أو الغاء.

القضية الثالثة هي الواردة في فقرة 2 من المادة الخامسة التي تطلب من الوزارة وضع الخطط للنهوض بالنظام التعليمي ضمن اطار السياسة العامة للدولة وفلسفتها التربوية والارتقاء بها. كما تطالب المادة بالارتقاء بالتعليم لتحقيق اهداف المجتمع ومواءمته للاحتياجات الراهنة والمستقبلية. كون هذه المادة مرتكز العملية التعليمية وأهم مواد القانون فإنها تحتاج إلى كثير من التحديد والتوضيح. هذا يعني ان على الوزارة ان تصدر وثيقة، كما تطالبها المادة، تعبر فيها عن فلسفة الدولة في التعليم والاسس التي ترتكز عليها. وإصدار وثيقة تحدد سياسة الوزارة التعليمية واستراتيجيتها وأهدافها. 

إن كانت هذه الوثيقة موجودة فتحتاج إلى إعادة نظر وتجديد لتترجم معاني الارتقاء بالتعليم وكفاءته وفاعليته في تحقيق الملاءمة المنتظرة بين مخرجات التعليم واحتياجات المجتمع الراهنة والمستقبلية. كذلك ترجمة متطلبات المواءمة بوضوح في ادبيات الوزارة والاجابة عن الاسئلة المنبثقة من هذه المادة. نوعية التعليم وكفاءته وفاعليته لا بد ان يتم توضيحها وتحديدها. مؤخرا توجه وزير التعليم إلى الحكومة بمذكرة تتضمن إجراءات مقترحة لضمان سير العملية التعليمية وفق الجودة التي تنشدها الحكومة، هذا مقترح مهم وحبذا لو انه اتى قبل عقد من الزمن أو اكثر! 

الفقرة 3 من المادة الخامسة تُلزم الوزارة بتوفير الإمكانات البشرية والفنية والأجهزة التنظيمية لتنفيذ الخطط التربوية وإدارة النظام التعليمي والإشراف عليه وتقويمه وتطويره. يبدو ان الوزارة لم تتمكن من توفير الامكانات البشرية والفنية لتنفيذ الخطط بدليل انها مازالت توظف من الخارج وتقول انها مستعدة لتوظيف البحريني «اذا توافرت التخصصات المطلوبة». نقول للوزارة ان المادة واضحة في انها تطالب الوزارة «بتأهيل البحريني للوظيفة» وليس انتظار وجود البحريني كلما تيسر، لذلك نرى ان يكون في القانون المعدل الزام للوزارة بوضع خطة إحلال واضحة ومزمنة للاعتماد كليا على كوادر بحرينية مدربة ومهيأة. 

الفقرة السابعة من المادة الخامسة تتحدث عن المعلم وتدريبه لرفع مستواه لمواكبة العصر وتمكينه من النمو العلمي والمهني. نرى ان ذلك لا يكفي بل لا بد ان تبدأ الجودة من اختيار المعلم، فما هي معايير الاختيار اليوم ومن الذي يحددها؟ في الدول المتقدمة يكون اختيار المعلم من الاوائل في المدارس وفي تخصصاتهم الجامعية. هذا يتطلب تعديلا كبيرا في رواتب المعلمين ونظام ترقيتهم. كذلك تتحدث المادة عن توفير البيئة المناسبة التي تمكنهم من تنمية قدراتهم ومهاراتهم، فما هي هذه البيئة المناسبة لارتقاء المعلم ورفع مستواه العلمي والمهني ومكانته الاجتماعية؟ وهل يترك تعريف هذه البيئة للوزارة أم ان الافضل توضيح خصائصها في القانون مع الزام الوزارة بتهيئتها للمعلم والطالب؟

تنص الفقرة 8 من المادة الثالثة على «ان تقوم الوزارة بتنمية قدرة الفرد على التفكير الناقد والتعبير الحر السليم وتمكينه من الابداع والابتكار والاسهام في التقدم الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والتقني». هذه المادة مهمة جدا لكنها غير كافية. فالوزارة لم تبين انها فعلا قدمت ما ينمي هذه القدرات. ومن معاينة الواقع وما يكتب وما يقال في الاوساط التجارية والاكاديمية عن جودة التعليم لا يشير إلى تحقق كل الأهداف المرجوة. 

هذا يعني ان القانون بشكله الحالي غير كاف لغرس هذه المهارات في مخرجاتها. فمثلا ادخلت المملكة العربية السعودية مادة الفلسفة في التعليم لتحقيق هذه الغاية. بالإضافة إلى الفلسفة نحتاج إلى ادخال مادة الاخلاق في المناهج. وبدون ادخال الفلسفة والاخلاق لا نرى كيف سيتم غرس هذه المهارات. بالإضافة إلى ذلك لا بد ان تتغير سياسة الامتحانات لكي تركز على اختبار هذه المهارات وليس اختبار مهارة الحفظ والاستظهار. 

الندوات والمؤتمرات التي تعقدها مختلف الجهات في الدولة تنتهي إلى ان المرحلة المقبلة تتطلب مهارات مختلفة تعتمد على التفكير النقدي والابتكار والابداع، تحقيق ذلك يحتاج إلى خطوات عملية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *