معرض الصناعة فرصة للتأمل في تنويع الاقتصاد 15-2-2017
تاريخ النشر :١٥ فبراير ٢٠١٧
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال الاسبوع- الصناعات الواعدة مثل الطاقة الشمسية تحتاج الى بيئة تنمي وتشجع الابتكار وهذه مربوطة باصلاحات سياسية وثقافية تخلق هذه البيئة.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/14208/article/62671.html
تم في يوم الثلاثاء الموافق 7 فبراير افتتاح معرض الخليج للصناعات 2017 الذي تنظمه سنويا شركة الهلال للمعارض والمؤتمرات والذي يستمر 3 أيام في مركز البحرين الدولي للمعارض والمؤتمرات. شارك في المعرض العديد من الشركات الصناعية الكبرى في البحرين وفي المنطقة. يحسب للمعرض استمرارية اقامته سنويا واستقطاب الشركات الصناعية وطرح فرص استثمارية كما يمثل جزءا مهما من الترويج للصناعة في المنطقة.
زيارة المعرض تشعرنا بالأهمية القصوى لقطاع الصناعة في التنمية. يقول الكاتب (روتشير شارما في كتابه صعود وهبوط الدول) إنه لا توجد دولة حققت نهضة اقتصادية كبيرة ودخلت في تعداد الدول المتقدمة الا وكان ذلك اعتمادا على قطاع صناعي متطور ومنافس عالميا. الصناعة هي التوجه الحقيقي والاهم في تنمية القدرات الإنتاجية وتحقيق رخاء الشعوب. اما الدول التي تعتمد على المواد الأولية فإن اقتصاداتها متذبذبة وتعتمد على سعر بيع هذه السلع. فحتى دول كبرى مثل روسيا تتضرر لكونها تعتمد على تصدير مواد أولية وتعاني ضعفا في القطاع الصناعي.
أعلنت شركة «البا» عن توجه بزيادة الإنتاج إلى 1.55 مليون طن بعد إتمام الخط السادس الذي تم عرض موجز عنه في المعرض. هذه الزيادة في الإنتاج قد تشجع الصناعات التحويلية المنبثقة عن إنتاج الألمنيوم. في هذا المجال يحتاج الأمر إلى التوجه نحو الإنتاج ذي القيمة المضافة العالية، وهذا يتطلب استراتيجية صناعية تأخذ ذلك في الحسبان.
من الصناعات التي تلفت النظر والتي تمثل قيمة مضافة عالية مشاركة مصنع لإنتاج الواح الطاقة الشمسية (سولار ون). هذا توجه متقدم تكنولوجيا ويمكن ان يمثل حافزا لصناعات أخرى تحتاجها هذه الصناعة، كذلك يبرز المعرض إصرار ومثابرة استثمارات الزياني في تطوير الصناعة، ومنها ميدال كيبل التي يزداد طلبها على تصنيع الألمنيوم بدلا من تصديره كمواد خام. لكن بالرغم من قدم هذه الصناعة فإننا لا نرى تطويرا لهذا التوجه، فمازالت كميات كبيرة من الألمنيوم تصدر إلى الخارج كمواد خام وليست مواد مصنعة.
التحدي الذي يواجه البحرين بشكل خاص هو حجم السوق الصغير ما يجعل صناعتها تعتمد على الصادرات وبالتالي الحاجة إلى رفع القدرة التنافسية. لذلك فإن السوق الخليجية والتكامل الخليجي والعربي (ان قدر له) سوف يشكل فرصة كبيرة للصناعة المحلية والخليجية، وهذا يعتبر هدفا استراتيجيا لدول الخليج بالذات ينبغي ان تعمل على تحقيقه بأقصى قدر ممكن. فالدول العربية يمكن ان تشكل السوق الواعدة للصناعات المحلية والخليجية والعربية، وبالذات الدول ذات الكثافة السكانية الكبيرة مثل مصر والسودان والمغرب العربي.
من المناسب في هذا الوقت ان يصدر تقرير «تقييم الإمكانات الإنتاجية للدول» (productive capacityy). احتلت البحرين مرتبة متقدمة في هذا المقياس 42 من 181 دولة. هذا المؤشر يقول إن البحرين لديها إمكانيات إنتاجية، ولكن لا يقول إنها تستخدمها أفضل استخدام لتحقيق إنتاج صناعي وخدمي قابل للتبادل التجاري الذي يوسع القاعدة الإنتاجية ويسهم في تنويع الدخل كتعويض عن النفط. ان بلوغ ذلك يتطلب عمل وخلق مؤسسات وإصلاحات في مجالات عدة.
كذلك هناك بعض المؤشرات التي تشير إلى تقدم في قطاع التصنيع وإمكانية ان يقود هذا القطاع في خلق القاعدة الإنتاجية وتنويع مصادر الدخل. فمثلا الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «جلف تالنت» (gulf talent) يقول إن المستقبل يشير إلى تقدم قطاع الصناعة في التوظيف وأنه يخطط لزيادة عماله وموظفيه. وأن موجة خفض الموظفين التي بدأت مع تدني أسعار النفط قد نتجاوزها في 2017. هذا التفاؤل مفيد لسوق التصنيع كما هو مفيد للاقتصاد بشكل عام، لكن يتطلب ذلك عملا من الدولة لاستثماره والضغط في اتجاه مساعدة قطاع الصناعات.
ان أول مساعدة نسديها لقطاع الصناعة هو الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي وتخريج اعداد اكبر ونوعيات أفضل من المهندسين والفنيين. وهذا إلى الآن غير واضح كيف سيتم في ضوء واقع التعليم لدينا؟ فمازال التعليم بحاجة إلى تطوير في جميع مراحله وخصوصا في المرحلة الجامعية والتدريب المهني لكي يستفيد من فرص التوظيف التي تتحدث عنها دراسة «جلف تالنت».
ثانيا ان المنافسة اليوم مع الدول الكبرى والمتقدمة تشكل تحديا كبيرا على دول الخليج فيما لو ذهبت كل منها منفردة تصارع عمالقة الأسواق العالمية. يدعونا ذلك إلى المطالبة بالإسراع في التكامل الاقتصادي الخليجي ومحاولة بناء سوق عربية مشتركة. هذا يتطلب النظر إلى الإصلاح بجدية اكبر وجعله في سلم الأولويات بالإضافة إلى الدفع في إصلاح العلاقات العربية لتشجيع الاستثمار بين الدول العربية لإنعاشها ورفع القدرات الشرائية لديها وأهمها مصر والسودان واليمن.
الحديث عن الحاجة إلى سوق عربية يبعث على التشاؤم في امكانية انتعاش الوضع الاقتصادي، فالجميع يدرك، من التجربة والواقع العربي، ان ما نطالب به هو صعب للغاية ان لم يكن مستحيلا، ومع ذلك نقول إن التنافسية العالمية تحتم علينا الإصرار والمطالبة بتكامل خليجي يتطور في المستقبل إلى سوق إقليمية تكون قاطرة للنمو الاقتصادي العربي.
ثالثا ان تحقيق تقدم في النمو الاقتصادي في ضوء المنافسة الشرسة يتطلب زيادة القدرات الابتكارية في البحرين بشكل خاص وفي الخليج والدول العربية بشكل عام. فمثلا في ندوة «منتدى البحرين للابتكار» الذي نظمته جامعة الخليج تقول المتحدثة الدكتورة فاطمة البلوشي (وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية سابقا) «دول الخليج تتحدث كثيرا عن الابتكار والإبداع، الا انها لا تتخذ خطوات عملية نحو التطبيق الفعلي لبرامج الابتكار». وتواصل ان «الابتكار يحتاج إلى بيئة تنعشه» وتحتضن إنتاجه وهذه غير متوافرة. خلق مثل هذه البيئة كذلك يتطلب إصلاحا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا نتخطى به التحديات المتعددة في سعينا نحو تنويع مصادر الدخل وبناء القاعدة الإنتاجية التي يعول عليها المجتمع والدولة في الخليج بعد النفط.
mkuwaiti@batelco.com.bh