نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. البحث والتطوير من خلال المؤسسات

تاريخ النشر : 27 مارس  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الشاب البحريني الدكتور احمد عبدالله بوجيري هو احد المبدعين البحرينيين الذي تخرج من جامعة البحرين وقاده طموحه الى اليابان حيث نال شهادتي الماجستير والدكتوراه في الهندسة الميكانيكية وعمل هناك في الجامعة التي تخرج منها وفي مركز الابحاث التابع لها وساهم مع فريق البحث في اختراع او تطوير العديد من المنتجات (اخبار الخليج 24 مارس 2009). 

هناك الكثير من الخامات الواعدة في البحرين وفي ارجاء الوطن العربي من الشباب المبدع الطموح، ماذا تفعل الدولة بعد اكتشاف مواهبهم ووضعهم في مدارس خاصة؟ ماذا يعمل هؤلاء المبدعين بعد اول ابتكار لهم؟ ماذا تعمل لهم الدولة غير الجائزة التقديرية في احسن الاحوال؟ واخيرا ماهو مصيرهم وماهي مساهمتهم في التنمية والتقدم؟

يقول الدكتور احمد ردا على سؤال حول ماذا اخترع هو شخصيا، يقول “في اليابان وفي امريكا وغيرها من الدول المتقدمة لا أحد.. ولا باحث يعمل بمفرده.. الباحثون يعملون فرقا وجماعات، وأنا كنت عضوا في جماعة بحثية داخل جامعة “أباراكي”.. وقد اخترعنا الكثير.. كما حصلنا على براءات اختراع.. اسمي مع اسماء الآخرين مسجل عليها.. وهذه الاختراعات هي الآن في طور التطوير ووضعها موضع التطبيق العلمي والهندسي على أرض الواقع”. 

اي ان الاختراع ليس عملا فرديا وانما هو عمل مؤسسي تقوم به الجامعات ومراكز الابحاث. فلم يعد العمل الابداعي كما كان في بداية القرن السادس عشر في اوروبا حيث نبغ مخترعين من امثال جاليو ودافنشي، او في القرن الثامن عشر عندما بزغ نجم الاختراعات البريطانيا في بداية الثورة الصناعية من امثال جيمس ووت وثوماس كلفن وغيرهم.

هناك مبادرة في البحرين من سمو ولي العهد برعاية المتفوقين، تستمر هذه الرعاية الى ان يتخرج الطالب من الجامعة وبعده يتم توظيفهم في احدى الوزارات او المؤسسات الخاصة وتنتهي بذلك مرحلة الابداع ليدخل في دوامة العمل اليومي والبيروقراطية والقوانين والانظمة. يرى البعض بان الحل يكمن في انشاء مركز يجمع هؤلاء المبدعين الصغار ويعمل على اكتشاف قدراتهم وصقل مواهبهم ليصبحوا علماء المستقبل. والسؤال ماذا بعد ذلك؟ يقول الدكتور احمد ” سوف اعود الى الوطن للعمل مدرس في كلية الهندسة بجامعة البحرين وان تعذر ذلك فمصنع والدي بحاجة الي”. لا يختلف هذا المصير عن مصير الكثير من المبدعين العرب الذين انتهى بهم الامر الى مدرسين في الجامعات او موظفين في الدولة”، في حين ان زملائهم من امثال احمد زويل حصل على جائزة نوبل بعد ان هاجر الى امريكا. 

تقوم المبادرات في معظم انحاء العالم العربي على فرضية ان الاهتمام بالفرد المبدع سوف يخلق منه مواطن يضيف الى تراكمات الابداع في المجتمع ويٌمَكٍنه من الاختراع والابداع والمساهمة في خلق اقتصاد يقوم على العلم والمعرفة!!. بينما تقوم مبادرات الغرب والدول الصناعية على اساس ان الفرد لا يستطيع ان يصنع المؤسسات البحثية والجامعات ولا يستطيع ان يقر الموازنات، ولن يتمكن من وضع التشريعات اللازمة واقرار الميزانيات ووضع الاهداف والاستراتيجيات. فهم يدركون بان ذلك لا يتم الا من خلال مؤسسات وتنظيمات لديها الفرق التي تعمل على تحقيق كل ذلك. وهذه المؤسسات تعيش ضمن منظومة اجتماعية تقدر حرية البحث والتطوير والابداع والتفكير وطرح الاسئلة والقيام بالتشخيص دون قيود مفروضة.  ودون وجود هذه المؤسسات فان الفرد لن يتمكن من مواصلة الابداع والابتكار وسرعان ما تندثر طموحاته. 

لننظر ماذا يفعل عدونا الاوحد وكيف وصل الى ماوصل اليه اليوم من فرض هيمنته على الشرق الاوسط برمته. كتب موشي كفن في “جريدة الاسبوع اليهودي في عددها 27 مارس 2009” ان مايزيد على مائة عالم اسرائيلي عاد من الخارج في بداية العام الدراسي والتحقوا باعمال تتناسب مع تخصصاتهم وقدراتهم . هذه العودة هي ضمن حملة تقودها الحكومة ورصدت لها الميزانية المجزية لاعادة استيعاب العلماء الذين عملوا لفترات تزيد على 10 الى 25 سنة في الخارج في مجالات مثل النانو تكنولوجي، بيوتكنولوجي وغيرها من العلوم الحديثة. ويواصل “بانه لا يكفي ان نحتفي بهذا الحدث بل علينا ان نضمن استمرار عودة العلماء. وان هذه العودة تشبه ما حدث في الثلاينات من القرن الماضي عندما هاجر العديد من العلماء اليهود الى فلسطين في ذلك الوقت لتشكيل نواة لمؤسسات علمية قادت النهضة التي نجني ثمارها اليوم”. وبما ان مايحدث اليوم من عودة العلماء هو نتيجة للضائقة المالية العالمية، لذلك يجب “ان لا ناخذه على انه حدث او ظاهرة ستستمر بل يجب ان نعمل على استمراره”. ويواصل بان “انتصار اسرائيل في صراعها مع العرب يعتمد على قدرتها على تنمية وتطوير تفوقها وتميزها العلمي الذي يعتمد بالدرجة الاولى على العقول وعلى المؤسسات العلمية والبحثية التي تستوعبها”. ويستنتج بانه على اسرائيل ان تعمل وتضع السياسات لجعل المائة عالم الذين عادوا هم طليعة العلماء الذين تهدف الى استقطابهم وادماجهم في المنظومة العلمية.

وعلينا ان نستنتج – في البحرين وفي العالم العربي- ان الاهتمام بالمبدعين لا يقف عند حد الاهتمام بهم كافراد بل يجب ان يتعدى ذلك بوضع المنظومة التي تستطيع ان تستفيد من علمهم وابداعهم وانتاجهم. وهذا يتطلب وضع استراتيجية متكامله للبحث العلمي والتطوير ورصد الميزانية لها  لتكون رافدا للتنمية والتطوير والازدهار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *