نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. تطلعات لما بعد العفو الملكي

تاريخ النشر : 17 ابريل  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

يقول الكاتب عبيدلي في نهاية مقاله “الطائفية ترسم صورة مجتمع المستقبل البشعة” (الوسط 2 ابريل 2009) “لم يعد من المسموح اطلاقا ان يقف اهل الحل والعقد يراقبون الامور ومجرياتها الخطرة دون ان يحركوا ساكنا”. كان الكلام موجه الى النواب الافاضل. غير ان جلالة الملك كان له القول الفصل واثلج صدر المجتمع باسره وجعله يتنفس الصعداء بانهائه حالة التوتر التي سادت المجتمع. 

هذا التوتر ونتائج العفو الملكي كان محور الحوار الذي دار في عدد من مجالس المحرق. قبل العفو الملكي طُرحت العديد من الاسئلة حول دور المجلس النيابي والنخبة في معالجة الوضع ومن خلال النقاش توصل الحضور الى ان المجلس النيابي ليس المكان المناسب لمعالجة التوتر بل قد يزيد الوضع تاجيجا وتصعيدا بسبب تركيبته. وبعدالعفو الملكي طرح السؤال هل هذا العفو هو الاخير وهل سينهي المواجهة بين النظام وبين المعارضة؟ وهل يمكن ان يكون للمجلس دور في الحوار؟

وبطبيعة الحال بدأ الحوار بالسؤال عن ماذا تريد المعارضة وماهي المطالب المحددة؟ وهل يمكن تقييم المطالب بموضوعية وتجرد دون اي اعتبار للطائفة او العرق او اي تقسيم مجتمعي اخر؟ يمكن تصنيف الاجابات التي ترددت في ثلاث فئات. هناك من رأى بان القضية الاولى التي يشترك فيها الجميع هي المطالب المعيشية والتي تتمثل في مشاكل الاسكان والتعليم والصحة والمساواة في فرص العمل وتوفرها والتجنيس وتاثيره على هذه الخدمات والوظائف. وهناك من رأي بان القضية الاساسية تكمن في الاحساس بعدم القدرة على احداث التغيير من خلال القنوات الشرعية مثل البرلمان والمساءلة وحرية الرأي. وهناك من رأى بان المعضلة تكمن في مطالب سياسية وصراع على السلطة والثروة مما يجعل الحوار في غاية الصعوبة. والارجح هو ان الثلاث قضايا متداخلة وتغذي كل منها الاخر مما يضع مسئولية كبيرة على مجلس النواب والعقلاء من القوم بالتصدي لها والتباحث مع القيادة السياسية لجعل هذا العفو هو الاخير الذي يضطر له جلالة الملك. ولن تجدي الحلول التصالحية وتطييب الخاطر الذي يعتبر من المسكنات قصيرة الامد، بل يجب ان تكون الخطوات عملية وتصل الى عمق المشكلة بعد ان اتضح ان الحل الامني وحده لا يكفي. 

وقد رأى احد الحضور  بان معالجة القضايا المعيشية مثل الاسكان والتعليم والصحة يجب ان تاتي في قمة الاولويات. كما انها مفتاح لبناء الثقة وتعزيز الشفافية. وخلص الحوار  في هذا الجانب الى قناعة بانه لو ركز المجلس النيابي في ما تبقى له من وقت على هذه القضايا وبالذات تعديل سياسة ادارة الاراضي لصالح الاسكان، فانه قد يساهم في تهدئة النفوس وفي جلاء الكثير من الاحتقان واستعادة مصداقيته، هذا بالاضافة الى امكانية استخدام الاموال من عائدات الاراضي في الاستثمار وفي خلق فرص عمل انتاجية تصديرية وفي تطوير التعليم والصحة. 

اما على المستوى السياسي فقد استشهد احر الحضور بما دار في حوار منتدى الوسط (30 مارس 2009) الى وجهة النظر الاخرى التي تدين العنف وترجعه الى التراجعات التي يراها البعض في رفض قانون الاحزاب، وعدم التوافق على قانون الجمعيات، وقانون التجمعاات والمسيرات. ويطالب المنتدون بحوار جاد بين الحكومة والقوى السياسية على اساس انه مهما كان الاختلاف مع الاخر فهو يبقى مواطن ينبغي الاستماع اليه.  

وخلاصة ما اجمع عليه الحضور هو ما تفضل به احدهم من ضرورة قيام القيادات الاجتماعية بالاجتماع مع القيادة السياسية وتدارس الامر والخروج بحلول جذرية تضع علاج للقضايا الاجتماعية والمعيشية بالدرجة الاولى وتطرح باقي القضايا في حوار يسوده جو من المصارحة والمكاشفة لاعادة التوافق السياسي كما كان في 2001 بعد طرح المشروع الاصلاحي وميثاق العمل الوطني. 

ولوضع قواعد لهذا الحوار نرى ان ما تطرق له رئيس الامن العام اللواء الركن عبداللطيف الزياني في منتدى الخليج الامني (26 فبراير 2009) يمكن اعتباره اساسا لهذا الحوار. يقول رئيس الامن ان “الامن القومي كل لا يتجزء وانه يقاس باضعف الحلقات فيه”. اي ان الامن الداخلي هو جزء من الامن القومي ومتانته تؤثر ايجابا على الامن القومي. ووضع في سياق حديثه عدد من القواعد و المبادئ التي تصلح لتكون اساسا للحوار الوطني، نورد بعضها مع تعديل (بين قوسين) يناسب الامن الداخلي. اولا: توفير صيغة من الثقة المتبادلة بين “جميع الاطراف” على اساس ان المصالح الامنية مشتركة، ووجود الثقة هذه يؤلف بينهم.  ثانيا: الشمولية في الرؤية والدراسة والتحليل المعمق وذلك باخذ مصالح “جميع فئات المجتمع”. ثالثا: على القوى التي تملك القوة وتستطيع فرضها في الزمان والمكان لتامين مصالحها ان تراعي مصالح “مكونات المجتمع الاخرى” في الدولة. رابعا المرونة والواقعية من قبل جميع “الاطراف” في الحفاظ على مصالحها “الذاتية” من دون تطرف او تزمت في مواقفها السياسية والعسكرية والاخذ بالحسبان مصالح “الاطراف الاخرى”. هذا بعض مما ورد في خطاب رئيس الامن والذي نرى صلاحيته للحوار الوطني. ولو حاولنا التوصل الى روح هذه المبادئ فيمكن القول بانها تعبر عن دعوة للشراكة في تحقيق الامن والسلم الاهلي على اسس من القيم الواردة في الميثاق الوطني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *