نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. التنمية وسياسة البحث العلمي في الخليج

تاريخ النشر : 2 يونيو  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

عصفت الازمة المالية بالدول الصناعية والدول النامية على حد سواء غير ان الدول النامية كانت في موقع المتلقي اكثر كونها لم تساهم بشكل مباشر في خلق الازمة ومع ذلك فان درجة الضرر الذي تعرضت له لم يكن اقل فداحة. تطمح الدول النامية ومن بينها الدول العربية ودول الخليج لتكون اكثر ايجابية في صنع سياسات التنمية في المرحلة المقبلة كي تكون احد اللاعبين في صياغة المستقبل الاقتصادي للمنطقة وان لا تكون التابع الذي لا حول له ولا قوة في مجريات الامور والقرارات التي تخص حياته ووجوده.

من اهم مقومات القوة والمشاركة الفاعلة في صنع القرار السياسي العالمي وصياغة المستقبل هو التنمية العلمية. وبسبب ما تتمتع به دول الخليج من وفرة مالية فانها تستطيع ان تخلق ثورة ونهضة علمية انتاجية تقود بها العالم العربي والعالم الاسلامي لو توفر الوعي في القيادات الخليجية والارادة السياسية لاتخاذ القرار بعيدا عن وهم السيادة القطرية التي تُعرٍّض كل جهود التكامل بما في ذلك العملة الموحدة التي قد تنهار بسبب خلاف القادة على مكان البنك المركزي، وكذلك بعيدا عن الهوس الامني الذي يضع تحديدات على البحث العلمي والتطوير .

وقبل ان ننوه عن عناصر هذا التكامل البحثي لا بد ان نذكر بشي من التقدير المحاولات التي تقوم بها الدول منفرة في هذا الصدد. فهناك مثلا الرؤية الاقتصادية البحرينية وضعت احد اهدافها تنمية البحث العلمي وجعلته احد ركائز التنمية. كما ان دولة قطر خصصت 2.8% من الناتج المحلي وانشأت مدينة علمية تتمركز فيها خمس جامعات عالمية وعدد من مراكز الابحاث كما يشمل الموقع بناء مركز ابحاث طبية بتكلفة تقدر ب 10 مليارات دولار امريكي. كذلك ننوه بجهود الامارات لتأسيس مراكز ابحاث لبناء القدرات البحثية في المنطقة. كما ان المملكة العربية السعودية بادرت بانشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيات والتي سوف تركز على البحث في برامجها للدراسات العليا. 

بالنظر الى التاريخ الاسلامي نجد ان حقبة التفوق العلمي الاسلامي قامت على العلم والعلماء من امثال الرازي وابن سينا وغيرهما الذين ترعرعوا في جو من الانفتاح على العلم بقياده ورعايه من الحكام بالدعم المعنوي والاستثمار المالي، وهذا ما تقوم به بعض الحكومات الخليجية. غير ان الاستثمار في البنية التحتية العلمية من مراكز ابحاث متخصصة وبناء الجامعات البحثية والمدن العلمية ومنح الشهادات التقديرية ما هي الا الخطوة الاولي في مسيرة التنمية الاقتصادية القائمة على المعرفة. ففي مقال نشر في شبكة العلم والتكنولوجيا للعالم وائل الديلمي والعالم هلال الاشول يقولان “ان اهم التحديات لهذه النهضة، ان اريد لها الاستمرار والمساهمة في التنمية، هي توظيف الكوادر العلمية المحلية والمحافظة عليها. والخشية من ان المبادرات التي قامت بها الدول الخليجية لن تتمكن من الصمود ان هي اعتمدت فقط على الكوادر الاجنبية دون العمل على تدريب كوادر محلية قادرة على حمل اللواء والاستمرار في الابداع العلمي والمعرفي”. ونظيف الى ذلك أهمية توفير الجو المشجع على العلم والبحث بعيدا عن التحديدات التي توضع بحجة الامن القومي او الوحدة الوطنية او اي عذر اخر. ويواصل العالمان بانه “يتعين على الدول الثلاث التي تقود نشاط البحث العلمي في الخليج ان تعمل معا وأن لا تتنافس فيما بينها على جذب العلماء وان تركز على استقطاب العلماء العرب بدلا من الاجانب الذين سرعان ما يتركون بعد تحقيق مكاسب مالية بعيدا عن الضرائب في بلدانهم. بينما العلماء العرب سوف يبقون بقليل من التحفيز والتشجيع وكثير من التقدير والحرية البحثية مثيلة لما يتمتعون بها في الغرب”. اي انه على الدول الخليجية تنمية القدرات المحلية البحثية والفنية المساندة مع الاستعانة بعلماء عرب او أجانب في مرحلة الاعداد هذه. كذلك هناك حاجة لجهود جماعية في البنية التحتية في الاتصالات تُسهل تداول المعلومات والمشاركة في الابحاث والنتائج بين الباحثين العرب في الخليج وخارجه من العالم العربي. ان خلق مثل هذا الجو سوف يجعل المنافسة بين العلما الخليجيون والعرب صحية وتعزز التخصص في مجالات معينة لكل دولة. 

ولتحقيق مثل هذا التوجه العلمي التنموي تحتاج دول الخليج – حسب ماورد في المقال- الى اولا: تشكيل جهاز او لجنة مشتركة تحدد المجالات البحثية التي يمكن لدول الخليج التقدم فيها وتركز الجهود المتفرقة وتنسقها لوضع الخليج على الخارطة البحثية العالمية، على ان يكون اعضاء اللجنة هذه من رجالات الخليج مع بعض الكفاءات والخبرات العربية والاجنبية. ثانيا: تحتاج الى خطة تمويل مشتركة، مشابهة للاطار المتبع في دول الاتحاد الاوروبي، لدعم الابحاث والتصدي للتحديات والفرص المتاحة، مثل أبحاث الطاقة والمياه وصناعة الالمنيوم والبتروكيماويات وغيرها. ثالثا: ان الجهود المبذولة الان قد تكون كفيلة بتحويل دول الخليج الى منافس أساسي في مجالات البحث العلمي والتعليم كما هو الحال في الصين والهند وماليزيا، لكن النجاح لن يتحقق دون التعاون الجاد المسنود بارادة سياسية تتجاوز المناوشات على اين تقع مراكز الابحاث كما يحتاج الى قيادات علمية ذات خبرة بحثية واسعة لبناء القدرات المحلية ولوضع سياسة واستراتيجية بحثية وتطويرية خليجية موحدة. وسوف نتطرق لعناصر هذه الاستراتيجية في مقال اخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *