نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

نتذكر في ذكرى 23 يوليو ان الوطن العربي مازال يحبو نحو نهضة “اقتصادية” بعيدة المنال ومشروع لم يتحقق بالرغم من تمسك الشعوب به.

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1082643\

في عام 1995 شارك احد الاقتصاديين الخليجيين في مؤتمر (الاقتصاد العربي: قراءة نقدية) وتحدث فيه عن الاقتصاد العربي بتحليل نقدي أرى، بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو1952، وبعد 22 سنة، أعتقد أنه مازال الوضع كما كان إن لم يكن أسوأ.

بعد كل ما حدث ويحدث في العالم العربي مازال البعض يتطلع إلى نوع من الوحدة الاقتصادية، وخصوصا أنه لم يرد ما يجعل الشعوب ترفضها وجدانيا على اقل تقدير. لكن ما يجعل حلم الوحدة مستحيلا في نظر غالبية المجتمعات هي أولا التمسك بالهوية القطرية المرتبطة بالأنا وليس بالتاريخ أو اللغة أو الدين. ثانيا: إن هذا الشعور الوجداني في ضمير المواطن العربي «الذي أشعله الرئيس الراحل جمال عبدالناصر» لا تشعر به الأنظمة القطرية، فلها ضميرها الخاص المتمركز في تدعيم قبضتها وسيطرتها على كل الأمور في قطرها. ترى الأنظمة أن أي حديث جاد عن الوحدة أو التعاون هو إضعاف لمركزها وإنقاص لمصالحها. لكنها مازالت (في 1995 والى اليوم) تحافظ على شعور المواطن من خلال الحديث عن الوحدة العربية وتفعل هي ما تريد.

تطرق المحاضر إلى حال الاقتصاد العربي حينها وحاول البحث عن إمكانية قيام وحدة أو اتحاد أو تعاون جاد فيما بينها. من الظواهر التي ذكرها ظاهرة اقتصاديات قطرية ذات نزعة استقلالية. قبل النفط، يمكننا تقسيم اقتصاديات العالم العربي إلى مجموعتين: الأولى دول غنية ذات بنية تحتية جيدة فيها اقتصاد يقوم على الإنتاج الزراعي وشيء من الإنتاج الصناعي الحرفي والخدمي. كان للاستعمار دور في بناء مؤسساتها الاقتصادية والسياسية. تشمل هذه الدول مصر والسودان وشمال إفريقيا وسوريا والعراق ولبنان بدرجات متفاوتة. المجموعة الثانية دول تعيش على ما تجود به الواحات المنتشرة في الصحراء وتجارة اللؤلؤ ومواسم الحج. وكان ذلك ينطبق على دول الخليج واليمن.

اكتشاف النفط في جزيرة العرب أحدث تغييرا هيكليا في بنية اقتصاديات شبه الجزيرة العربية وتسارعت خطواته وبرزت معالمه، وبعد 1973 بدأت المعادلة تتغير فأصبحت الدول التي كانت تعاني نقص الموارد هي الأغنى والأكثر تطورا ماديا. وأخذت دول المجموعة الأولى بالتراجع بفضل حكومات عسكرية أو مدنية ذات نزعة مركزية قضت على القطاع الخاص.

سار كل اقتصاد مغلقا الباب على نفسه وسارت الجهود الحكومية تحت مظلة الجامعة العربية تعمل من دون إرادة سياسية صادقة فجاءت اتفاقية الوحدة الاقتصادية والسوق العربية المشتركة وغيرها جسدا بلا روح. التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1994 يضع الصادرات العربية البينية أقل من 10%، وحركة رؤوس الأموال البينية لم تتجاوز 5% والاستثمارات العربية داخل الدول العربية تكاد لا تذكر.

بعد الحرب العالمية الثانية وبداية حقبة الاستقلال انتهجت المجموعة الأولى من الدول العربية النظام الاشتراكي، والأخرى أخذت فيه الحكومات الدور القيادي من خلال مشاريع البنى التحتية والمشاريع الكبيرة العامة والهيمنة على القطاع الخاص بتدخل كبير في إدارة السوق بطريقة غير مباشرة. لم تؤمن الحكومات في المجموعتين إيمانا حقيقيا بدور المجتمع والقطاع الخاص، بل أخضعتهما إلى سيطرة رسمية تامة. ومن هذه القبضة المحكمة على مفاصل حركة الاقتصاد ووسائل العيش والتعبير عن الرأي بدأت تظهر مظاهر للفساد عبر استغلال السلطة السياسية والإدارية فتمت إقامة مشاريع لا علاقة لها بالجدوى الاقتصادية أو المنفعة العامة، بل تدر عمولات على مراكز الإدارة النافذة ومن معهم. واحتكرت السلطة امتيازات ووكالات تجارية لمصلحة البعض وحُجبت المنافسة العادلة.

تم ذلك وسط خلل هيكلي وفني في التركيبة السكانية تفاقمت بجلب عمالة وافدة أخلت بقيم المجتمع وسلوكه في ظل مجتمعات معظم سكانها من الشباب دون العشرين (60%) مما زاد من معدلات البطالة بنسب غير مقبولة بفضل نظام تعليمي منفصل عن متطلبات الاقتصاد والتنمية.

السؤال بعد كل ذلك هو هل هناك فائدة مادية يجنيها الفرد العربي من اي تعاون أو تكامل أو اتحاد اقتصادي عربي؟ الجواب نعم، لكنه اصغر جواب عن أكبر سؤال. قبول هذا الجواب يعني طرح السؤال الأهم وهو ما هو المانع لهذا التعاون والتكامل مادامت الحاجة إليه ماسة وقائمة؟

الإجابة عن هذا السؤال هو غياب الإرادة السياسية، فأسلوب الحكومات العربية يوحي بأنها تتخذ موقفا سلبيا من هذه القضية يعود إلى أنها ترى أن التعاون أو الوحدة تقلص سيطرتها الاقتصادية والسياسية وتزعزع قبضتها على المال والاقتصاد.

في هذا الواقع هل من حلول؟ يقول المحاضر إن العقبة الرئيسية هي الإرادة السياسية والحل يكمن في تحفيزها سلميا ويقدم ثلاث مقترحات:

1.  محاولة النفاذ إلى داخل آلة صنع الإرادة السياسية القطرية من خلال طرح جريء للقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعرقل مسيرة التنمية الاقتصادية والتطور، بدءا بالمجال القُطري انطلاقا إلى المجال الإقليمي والعربي.

2.  نشر الوعي بين المواطنين عن أهمية الامتداد والعمق العربي سياسيا واقتصاديا وحشد الدعم لتعريب الإرادة السياسية وترشيد قراراتها.

3.  بناء جسور ومشاريع اقتصادية بين مؤسسات القطاع الخاص في العالم العربي. ويبدو للبعض أن هذا الخطاب وجداني ولا يترجم لغة المال والأعمال، لكن الأصح أن المال لا قيمة له من دون حرية وحقوق تحفظ للإنسان كرامته وللوطن عزته.

أما الباحث الاقتصادي في المركز العربي للبحوث والدراسات (د. إبراهيم نوار) فيقول إن بعض صناع القرار يريدون إلقاء اللوم على الاقتصاد والادعاء بأن زيادة الإنتاج أو تحقيق معدلات أعلى من التنمية هو الحل. والحقيقة أن تقديم أولوية الاقتصاد على السياسة في الوقت الحاضر يفتقر إلى الوعي بأن أزمة الاقتصاد هي أزمة مشتقة من أزمة السياسة، إذ يبتعد السائحون الأجانب حين يشعرون بانعدام الأمن. ولا يقبل المستثمرون الأجانب مع ضعف تطبيق القانون. ويتوقف المستثمرون المحليون عن العمل حين تتراجع لديهم الثقة في المستقبل. وبسبب وجود المحسوبية تنتشر حالة من عدم الرضا في أوساط الشباب ويتراجع الدافع إلى العمل أو الإجادة فيه وقد تتدهور أخلاقياتهم. إن هذه هي الحالة تسبب عراقيل معنوية ومادية، لا يستطيع الاقتصاد العربي أن يتغلب عليها من دون إصلاحات سياسية ومؤسسية وتشريعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *