نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. علاوة غلاء المعيشة – ماذا بعدها؟

تاريخ النشر : 13 فبراير  2008

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

صدر قرار من الحكومة بمنح المواطنين 40 مليون دينار لمساعدتهم لمواجهة الغلاء. رأى البعض بانها مبادرة طيبة من الحكومة فيما اعتبرها اخرون انها غير كافية، ويرى فريق ثالث انها لن تكون علاجا جذريا لمشكلة التفاوت بين ارتفاع الاسعار وبين الزيادة في الرواتب. لكن هناك اجماع على انها خطوة في الاتجاه الصحيح في الوقت الحاضر. والسؤال الذي نطرحه من خلال هذا المقال هو ماذا بعد هذه الزيادة؟ وهل بمقدور الحكومة ان تتدخل في المستقبل لمعالجة آثار موجات الغلاء التي تحدث في العالم لاسباب كثيرة؟

في بداية السبعينات، كما تتذكر شريحة كبيرة من المواطنين، كان راتب المدرس البحريني مثلا 50 دينار وخريج الجامعة كان 80 دينار وكانت هذه الرواتب كافية للعيش الكريم والتوفير وكان البعض يتمكن من شراء بيت من التوفير. وبعد موجة ارتفاع سعر النفط في منتصف السبعينات تغير الوضع وارتفع راتب الموظف واستمر هذا الارتفاع الى ان تجاوز راتب المدرس المائتين دينار في الثمانينات، وصاحب ذلك ارتفاع في الاسعار استوعبته الزيادة في الاجور. بعد ذلك حدث انخفاض في سعر النفط وثبتت الرواتب في حين استمرت الاسعار في الارتفاع وتآكل راتب البحريني بالرغم من الزيادات السنوية. 

وبسبب الطفرة النفطية في السبعينات تجمعت اموال طائلة وصرفت على البنية التحتية ومشاريع اسكان. صاحب ذلك توجه من الكحومة بإنشأء بعض المصانع مثل البتروكيماويات وجارمكو وغيرها والتي تشكل اليوم دعامة هامة في الاقتصاد الوطني. غير ان انشاء المصانع توقف دون تحقيق الاستفادة القصوى من عوائد النفط في خلق اقتصاد انتاج سلعي قادرا على مواجهة موجات الغلاء المتعاقبة.

قبل ان نتطرق لمناقشة الحلول لموجات الغلاء دعنا نلقي نظرة موجزة على مصدر الزيادة في الدخل. الزيادة الحقيقية في الدخل تنتج من زيادة في الانتاجية. فالصانع الذي ينتج حذاء واحد في اليوم مثلا ويبيعه ب 5 دينار، فان دخلة سيكون 10 دينار في اليوم اذا تمكن من انتاج حذائين بسبب توظيف مساعد له او شراء ادوات تساعده في رفع انتاجيته او اكتشف اسلوبا اخر في التصنيع يسرع العملية. وهذا بالتالي سيرفع مستوى معيشته. كما سيمكنه من البيع بسعر اقل للتغلب على المنافسة. كذلك المزارع وغيرهم من الصناع يؤدي رفع الانتاجية الى رفع مستوى المعيشة. وهكذا فان مواطني الدول الصناعية يرتفع مستوى معيشتهم برفع انتاجيتهم وتصدير البضائع والمنتوجات الزراعية. 

اما الدول الغير منتجة مثل دول الخليج، التي في الغالب تبيع مواد خام للغير الذي يصنعها ويرسلها لنا باسعار تزيد عشرات المرات عن سعر المواد الخام، فان مستوى المعيشة لدينا رهن بسعر المواد الخام التي نبيعها وبالتالي فان مستوى المعيشة لدينا مرهون بتقلبات السوق الذي فقدنا السيطرة عليه، ومتى ما نضب النفط فان الحكومة لن تتمكن من توفير الاموال التي تمكنها من مجاراة ارتفاع الاسعار. 

خلاصة ذلك هو اننا في البحرين والخليج كدول غير صناعية نكون اكثر عرضة للتضرر من ارتفاع الاسعار العالمية كون اسعار النفط تتحكم فيها السوق العالمية ولا نملك زيادة السعر لمواجهة الغلاء في الغذاء، اما الدول الصناعية فان اسعار الغذاء تؤدي بالضرورة الى رفع كلفة الانتاج وبالتالي فانها ترفع اسعار السلع التي يبيعونها مما يمكنهم من رفع رواتب مواطنيهم، اي ان آليات العلاج موجودة ضمن النظام الاقتصادي. 

يقودنا ذلك الى القول بان العلاج طويل الامد لمشكلة الغلاء يكمن في تحويل اقتصادنا الى اقتصاد منتج للسلع والغذاء والسلاح وان تكون لدينا استراتيجية للامن الغذائي نشترك فيها مع دول الخليج الاخرى خصوصا بعد ادماج اليمن. واليوم بفضل العوائد النفطية يمكننا وضع مثل هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ لتحقق نتائجها بعد عشر او عشرين سنة. ولو كنا بدأنا قبل ثلاثين سنة لما اصبحنا في هذا الوضع اليوم. فهل سنرى تحرك في هذا الاتجاه؟

للانصاف فان دول الخليج بشكل عام والبحرين بشكل خاص تتحرك في هذا الاتجاه بدليل ما يقوم به مجلس التنمية الاقتصادية من جهد حثيث لتشجيع الصناعة وتطوير التعليم، لكن هذه الجهود مازالت جهود فردية وغير منسقة بين دول الخليج ضمن استراتيجية موحدة من ناحية، كما انها في كل بلد مازالت تعتمد على استخدام التقنيات الغربية في التصنيع وتوريد المعرفة. وبما اننا نعتمد على توريد المعرفة فان سعرها سوف يرتفع وستكون اكثر شحا في المستقبل وقد نعجز عن دفع ثمنها او الحصول عليها.

اذا في المحصلة النهائية لن يكون هناك مفر من وضع استراتيجية طويلة المدى لاعادة هيكلة الاقتصاد –كما قال السيد رشيد المعراج (اخبار الخيج)- وتحويله من الاعتماد على النفط بنسبة 70% من الايرادات الى الانتاج، على ان تشمل هذه الاستراتيجية عدد من المحاور منها تحقيق الامن الغذائي والمائي، وخلق المعرفة من خلال انشاء مراكز ابحاث متخصصة في البحث والتطوير في جوانب اقتصادية اساسية، وتصنيع المنتوجات. وتتطلب هذه الاستراتيجية تحرك حكومي نحو مزيد من التقارب بين دول مجلس التعاون لمواجهة مستقبل اقتصادي منتج للمعرفة والسلع والغذاء يستفيد من السوق الخليجية المشتركة، ويتسم بقدر من الاستقلالية عن النفط يمكنها من المنافسة في عالم عصر العولمة ويمكنها من الريادة في بعض المجالات. وبدون تحويل الاقتصاد الى الانتاج والمنافسة فسوف نضطر في المستقبل لضخ الملايين لتحسين الرواتب فهل سيكون ذلك ممكنا؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *