نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. جودة التعليم – ماذا قالت المنبر بالفعل؟

تاريخ النشر : 22 فبراير  2008

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

يتفق الكثير من المسئولين والباحثين والاكادميين والطلبة والمدرسين والجامعة ورجال الاعمال وحتى المسئولين في وزارة التربية على ان التعليم بحاجة ماسة الى عملية اصلاح شاملة. وهذه القناعة ليست حديثة بل مضى عليها اكثر من عقد من الزمن. وما اثارته جمعية المنبر (اخبار الخليج 5-6-2007) ليس بالجديد فقد سبقها اليه مشروع مكنزي والندوة التي عقدها سمو ولي العهد كما اشار الى القصور سعادة وزير التربية نفسه في العديد من المناسبات. ولا نريد ان ندخل في التكهن بالدوافع التي جعلت المنبر طرح القضية في هذا التوقيت او ذاك، كما اننا لسنا من المؤيدين للمنبر الاسلامي او المعارضين لها ولكن نحاول ان نكون رأيا موضوعيا في القضايا التي تثار بغض النظر عن الجهة التي اثارتها. ومن هذا المنطلق فان اثارة موضوع التعليم واصلاحه ومناقشته بهدف الاصلاح هو واجب وطني يحتاج الى جهود الجميع. وفي هذا الاسبوع وبالذات (15 يونيو 2007) دشن معالي الشيخ محمد بن مبارك مبادرات لتطوير التعليم والتدريب نتيجة دراسات قامت بها بيوت خبرة واختصاصيين من دول سباقة في مجال التعليم. وبالتالي فان الحديث في مجال القصور في التعليم هو تكرار ممل لما سبق ان ذكر على صفحات الجرائد وعلى لسان المسئولين. لكن اجد انه للمصلحة العامة وبغرض بيان جانب هام من جوانب الحوار اعتقد بانه من المفيد في هذه المرحلة بالذات التطرق الى اسلوب الحوار والعقلية الادارية السائدة في الوزارات (التربية) والتي مازالت ترفض وجود مشكلة. والهدف من هذا الطرح هو بيان اهمية تقييم النتائج من جهة وبيان الجهود التي تقوم بها وزارة التربية والتي الى الان لم تؤتي بنتائج ملموسة وذلك بسبب كون التعليم جزء من عملية اصلاح شامل ولايمكن اصلاح التعليم في معزل عن اصلاح المجتمع وتصحيح بعض القيم والمفاهيم.

فلو حللنا مقال جمعية المنبر نجد انه تطرق الى عموميات تفيد في مجملها بان مخرجات التعليم ضعيفة ويحتاج الامر الى اصلاح، وليس بالضرورة الاصلاح الذي تراه هذه الجهة ام تلك وانما الاصلاح الذي يقود الى مستقبل انتاجي وتطوير اقتصادي وعلمي وتقني وبحثي يساهم في رفع المستوى المعيشي للمواطن البحريني ويحقق له نوعية حياة افضل وكرامة مصانة وحقوق محمية. 

فماذا كان جواب الوزارة على لسان سعادة وكيل الوزارة الدكتور عبدالله المطوع؟  يركز الجواب على المعطيات التي بنت عليها الوزارة خطتها ويركز على المشاريع التي تنفذها والتي بلا شك هي جهود جبارة تشكر عليها الوزارة، وللامانة يجب الاشادة بهذه الجهود المخلصة من قبل الوزير والقائمين على التعليم. ويركز كذلك على الاشادات الدولية التي تحصل عليها الوزارة من حين الى اخر ويلقي الضوء على الاستراتيجية المقرة من قبل مجلس الوزراء للفترة من 2003 الى 2009 والبرامج التي تشملها الاستراتيجية وانه تم تنفيذ المرحلتين الاولى والثانية خلال 2004-2007 وتتاهب الوزارة لانجاز المرحلة الثالثة. ويُستدل من ذلك كله بان الوزارة تملك استراتيجية وتنفذ خطة محكمة لتطوير التعليم من خلال أكثر من 17 برنامجا تطويريا معلوما من الجميع والتي تهدف الى تحقيق جودة التعليم وجودة مخرجاته وتقريبه من احتياجات سوق العمل. وقام بسرد عدد من الانجازات مثل اقرار قانون التعليم وقانون التعليم العالي وهيكلة الوزارة وإصدار كادر المعلمين الجديد والإنتهاء من المرحلتين الأولى والثانية من مشروع جلالة الملك حمد لمدارس المستقبل وتنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من مشروع توحيد المسارات الأكاديمية وغيرها. 

والملاحظة الاولى على رد وكيل الووزارة ان هذا السرد للمشاريع لا يتحدث عن ما اذا حققت هذه المشاريع اهدافها في تحسين نوعية التعليم والمخرجات وملاءمتها لسوق العمل ام لا. فاذا كان هذا هو الهدف من المشاريع فالاجدر ان يتم تقييم نجاح او فشل المشاريع بما حققته من معايير جودة التعليم وجودة المخرجات. لكن الدكتور عبدالله لا يتحدث في رده عن النتائج وانما يسترسل في سرد الانجازات. وهذا في نظري المشكلة الحقيقية في وزارة التربية والعديد من الوزارات الاخرى فهي تهتم بالمشاريع وانجازها وهذا امر يحسب لها، ولكن لا تهتم بتقييم مدى تاثير هذه المشاريع على المنتج النهائي الذي قال عنه التلاميذ والمدرسين ورجال الاعمال بانه اقل من المستوى ولا يخدم التنمية. وهذا يذكرني بمدير مصنع عندما قال له صاحب المصنع بان الزبائن لا تشتري المنتج بسبب تدني جودته وعدم ملائمته للاستخدام الفعلي، اجابه باننا دربنا عمالنا وادخلنا نظام الجودة وتوسعنا في خط الانتاج بشراء مكائن جديدة. فيرد عليه صاحب المصنع ما فائدة كل ذلك اذا كان المنتج لا يجد من يشتريه بسبب تدني جودته. على مايبدوا ان هناك اختلاف في مفهوم الجودة بين الزبون وبين مدير المصنع، كل منهم يستخدم معايير مختلفة. 

هذا يطرح سؤال حول معايير تقييم جودة التعليم وهل نحن متفقون عليها مع الوزارة، وهل المسئولين في الوزارة متفقون على مفهوم موحد لجودة التعليم؟ في عام 2002 قمت بدراسة الموضوع وطرحت السؤال على 13 مسئول في وزارة التربية وحصلت على 10 اجابات مختلفة عن مفهوم جودة التعليم. وفي اخبار الخليج بتاريخ 28/2/2005 نشر تقرير عن حلقة نقاشية حول مفهوم جودة التعليم تهدف إلى: 

  1. ايجاد صيغة موحدة لمفهوم جودة التعليم الملاءمة لواقع التعليم في مملكة البحرين، 
  2. ايجاد معايير ومؤشرات لقياس جودة التعليم في مملكة البحرين، 
  3. ورسم رؤية تربوية مبنية على هذا المفهوم. 
  4. قيام فريق عمل تقويم السياسات والتخطيط الاستراتيجي المنبثق من المشروع  بإعداد وعرض ورقة عمل

ومن الواضح ان ورشة النقاش لم تسفر عن نتائج حول توحيد مفهوم جودة التعليم ومعايير قياسه بدليل ان وكيل الوزارة يشير الى “رغبة الوزارة في الحصول على تقويم موضوعي لجودة التعليم في رده المشار اليه اعلاه، فقامت الوزارة بالتعاقد مع المعهد الدولي للتخطيط التربوي لإعداد مشروع التقويم لجودة النظام التعليمي في مملكة البحرين بصورة شاملة تمهيداً لإعادة تخطيط التعليم ليصبح أكثر كفاءة وأكثر قدرة على تلبية احتياجات التنمية الشاملة في مملكة البحرين” اي ان جودة التعليم مازالت والى الان تفتقر الى التقييم المضوعي بالرغم من الانجازات الكبيرة في المشاريع. ولا نعرف ماهي المعايير المستخدمة لتقييم المشاريع التي تقول الوزارة على لسان وزير التربية (في اخبار الخليج 10 اغسطس 2006 في مقابلة مع على صالح) بان الوزارة حققت اهداف المرحلة الاولى من الخطة التي وضعت في 2003، واحد هذه الاهداف هو ، نعم، “جودة التعليم”. اي ان الوزير يقول بانه حقق هدف جودة التعليم ووكيل الوزارة  يقول بانه الى الان لا توجد معايير متفق عليها او تقييم موضوعي لجودة التعليم. 

في المقابلة المشار اليها اعلاه بين الوزير بان الوزارة وضعت خطة للفترة من عام 2003 الى 2009 يقول معالي الوزير بان “الرؤية تهدف الى تخريج شباب مزودين بقدرات عالية في العلوم مناسبة للاقتصاد وسوق العمل وتمكنهم من التفكير العلمي المنطقي التحليل وتدريبهم على توظيفه في تحليل المشاكل وتحصنهم بمفاهيم المواطنة والانتماء” (انتهى الاقتباس) اليس هذا هو التعليم الجيد الذي قال الوزير بانه حققه في نهاية 2006. اذا لماذا الدراسة التي دشنها معالي نائب رئيس الوزراء في 15 يونيو 2007 والتي ايضا تهدف الى تجويد التعليم وجعله ملاءما لسوق العمل.

من ذلك نستنتج ان ما يقصده الوزير هو ليس تحقيق الاهداف ولكن انهاء المشاريع، بدليل انه شمل من ضمن الاهداف اصدار قانون التعليم والتعليم العالي، اقرار كادرالمعلمين ، تطوير المناهج، اعادة هيكلة الوزارة. اي ان وكيل الوزارة ليس الوحيد الذي يذهب الى سرد الانجازات وتحويل المشاريع الى اهداف في حد ذاتها. هذه في اعتقادي ليست اهداف وانما مشاريع وانجازات تهدف الى نتائج معينة. والنتائج المرجوه هي الاهداف. ويبدو ان سرد الانجازات هي ثقافة وعادة ادارية في الوزارات، وللانصاف فان هذه العادة موجودة في كثير من الوزارات التي تلجأ الى سرد انجازاتها عندما تسأل عن النتائج ومؤشرات الاداء التي تثبت او تنفي نجاح المشاريع والانجازات او على اقل تقدير تحدد مستوى النجاح اوالاخفاق. وسوف نتحدث عن ذلك في حلقة ثانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *