نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

46 المرحلة الانتقالية وتحديات التحول نحو الدولة المنتجة (2)

في المقال السابق تحدثنا عن أهمية إدارة التحول نحو الدولة المنتجة والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط. وطرحنا عدد من القضايا التي تتطلب من المجتمع تنظيم نفسه ليكون اكثر تأثيرا في صياغة سياسات وتشريعات المرحلة المقبلة. في الأوضاع التي تمر بها دول مجلس التعاون فان هذه عملية طويلة المدى وتتطلب جهدا كبيرا من الجمعيات السياسية والتنظيمات الأخرى والمثقفين والقادة بمختلف مواقعهم. تقع على مجلس النواب مسئولية كبيرة في هذه العملية من خلال تغليب المصالح العامة وشرحها للناس، ومن خلال نبذ التفرقة او اذكاء الخلافات بين مختلف فئات المجتمع، ومن خلال تبني قضايا وطنية جامعة في مداولات مجلس النواب، ومن خلال طرح أسئلة حول أسباب تعطل التنويع الاقتصادي وخلق القاعدة الإنتاجية المتنوعة ولماذا لا تساهم الشركات والمؤسسات الرابحة في تمويل ميزانية الدولة؟ طرح هذه القضايا على الرأي العام من شأنها ان تحرك المجتمع نحو المشاركة الفاعلة في صياغة المستقبل. كما ان من شأنها زيادة وعي المواطن بأهمية المشاركة السياسية لرعاية مصالحه المختلفة واهمية تنظيم المجتمع ليكون اكثر فعالية.

وننوه هنا بانه يتوجب على المجتمع ان يدرك بان المستفيدين من الوضع الحالي وأصحاب المصالح الحالية سوف يقاوموا التغيير وان لديهم من الحوافز والتنظيم ما يكفي لجعل مقاومتها اكثر تأثيرا وفاعلية. لكن قدرة المجتمع على التقدم سوف تعتمد على موقف السلطة من هذه التعديلات والإصلاحات وطرح القضايا الحيوية المؤثرة على حياة الناس. كذلك يعتمد النجاح على مدى استطاعة مجلس النواب والمجتمع على ترجمة آمال المستقبل الى ضغوط فاعلة للتغيير، ويعتمد النجاح على مدى إمكانية اقناع السلطة ودوائر صنع القرار الاقتصادي والسياسي بجدوى التغيير ومدى جدية المجتمع في التفاعل والمشاركة في المداولات.

التحول نحو الدولة المنتجة يفرضه التغيير في السوق النفطي والتطور التكنولوجي الذي سيخفض الاعتماد العالمي على النفط. هذا الواقع يفرض توجه نحو تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية تسعى الى تحسين الإنتاجية والابتكارية لرفع مستوى المعيشة وتحقيق الحياة الكريمة لجميع المواطنين. يقول ديفيد هيلد في كتابه “تحولات الخليج، 2012” بان النفط كان له دور كبير في جمود سياسات التنويع وان وجود المال النفطي أخَّر مشاريع تنويع مصادر الدخل وتنويع الاقتصاد وخلق القاعدة الإنتاجية. وبذلك اصبح التنويع منحصرا في المشاريع المرتبطة بالنفط. وحتى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعتمد على الانفاق النفطي وعلى إقامة مؤسسات صغيرة خدمية تقتات على أموال النفط. بالرغم من كل هذا الثراء وزيادة نسبته في المجتمع نجد ان الطبقة المتوسطة في انحسار مع تزيد اعداد الطبقات الفقيرة. وفي هذه المسيرة مازالت الدولة تدير اقتصادا مزدوجا. اقتصاد السوق الذي يعتمد على التجارة والمقاولات وبعض أنشطة التصنيع البسيطة لتلبية احتياجات السوق المحلي. واقتصاد اخر يقوم على الانفاق الحكومية دون أي ربط حقيقي مؤثر بين الاقتصاد الإنتاجي وبين ميزانية الدولة. وبالتالي فان النمو الاقتصادي الذي يحدث في السوق لا يساهم في تمويل ميزانية الدولة من خلال ضرائب أرباح او ضرائب دخل او ضرائب ثروة على الأغنياء. 

هذا التحول لا بد ان تتبناه الدولة والمجتمع بمنظماته المختلفة وبشكل تكاملي وجماعي ووفق رؤية شاملة يشترك في وضعها الحكومة والمجلس والمجتمع المدني. فهذا التحول يستدعي علاقات مختلفة بين المواطن والمجتمع والدولة تقوم على الثقة والتعاون، وهنا لا بد ان نؤكد أهمية شيوع ثقافة الثقة في المجتمع لتجاوز مرحلة النفط المُدْبرة. وبالتالي فإننا في هذه المرحلة من بداية التحول بحاجة الى اهداف جامعة تحفز الجميع نحو التعاون والعمل المشترك وبناء الثقة بين فئات المجتمع، وبينالمجتمع ومؤسسات الدولة والايمان بالرؤية المشتركة. وثانيا ان تكون هناك نجاحات في زيادة دخل الفرد وإيجاد فرص عمل ومعالجة السكن تمنح الناس ثقة بالرؤية وتشعرهم بأهمية دور المجلس من ناحية وإمكانية الإصلاح من ناحية ثانية، وتهيئ المناخ للمضي في تحقيق الرؤية في التحول وتحقيق الاهداف على المدى الطويل.

لذلك فاننا بحاجة الى وضع أهداف للمرحلة المقبلة. وان تتم بتعاون بين نواب المجلس وأعضاء مجلس الشورى والحكومة وغرفة تجارة وصناعة البحرين والمؤسسات التعليمية والخدمية ومنظمات المجتمع المدني ووفق الإمكانات المتاحة. وبحاجة الى ان يعمل كل من النواب على تحقيق نجاح في أهداف قصيرة المدى مثل أولا زيادة دخل الفرد من خلال توزيع افضل للدخل واكثر عدالة والمطالبة بالشفافية فيما يتعلق بحجم الطبقة الفقيرة ووضع السياسات المناسبة لمساعدتها وتقليل نسبتها في المجتمعوخصوصا الفئات التي تعتمد على المعونات الاجتماعية.

ثانيا إيجاد فرص عمل العمل للشباب في الأربع سنوات القادمة من خلال سياسات تنظيم سوق العمل و”ترغيب” الشركات في توظيف البحريني وسن تشريع يخصص مهن معينة للبحرينيين مع تدريب مهني فاعل. هذا بطبيعة الحال يحتاج الى الإفصاح عن حجم البطالة الحقيقي بين الفئات العمرية المختلفة وطول فترات البطالة. ثالثا زيادة الوحدات السكنية وتقليص قوائم الانتظار واعتماد معايير ثابتة لتخصيصها بهدف توخي عدالة التوزيع، مع دفع علاوة سكن طوال فترة الانتظار. 

وضع وتحقيق الأهداف أعلاه، على المدى القصير، يمكن ان يتم الى حد ما، ضمن النظام الريعي القائم من خلال توفير معلومات اكثر دقة عن حجم البطالة واصلاح سوق العمل وسياسات اسكانية. اما على المدى البعيد فان هذه المعالجات غير مستدامة وتعتمد على النفط والنظام الريعي بل في حالة اعتمدنا عليها فانها تهدد مستوى المعيشة بالانحدار وزيادة مستويات البطالة والفقر وتأخر الوحدات السكنية. لذلك يتطلب الامر وضع رؤية تنموية شاملة من الإصلاحات لمعالجة قضايا رئيسية اربع وهي تحسين مستوى المعيشة، خفض معدلات البطالة وخصوصا للشباب، وخلق قاعدة إنتاجية لتنويع الاقتصاد، وإصلاح التعليم والتدريب والبحث العلمي. هذه القضايا ليست منفصلة عن بعضها وانما تمثل وحدة واحدة متفاعلة ويمثلون في مجملهم جزء مهم من منظومة إصلاحية اشمل، والله الموفق.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *