نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

48 برنامج عمل الحكومة وتحسين مستوى المعيشة

اهتمام الحكومة والمجتمع بتحسين مستوى المعيشة وخصوصا الفئات الضعيفة ينبع أولا من ناحية تنموية تقع ضمن زيادة الرفاهية في المجتمع وثانيا من ناحية إنسانية وامنية تسعى الى نشر نتائج العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين. وتحسين مستوى المعيشة في هذا السياق يشمل تلبية احتياجات المواطن المادية والمعنوية ومتطلباته الاجتماعية. والاهتمام ينبغي ان يكون على الابعاد الثلاثة في عملية تكاملية تشمل رفاه المواطن والمجتمع. 

للأسف لا يوحد لدينا تعريف محدد ومتفق عليه للفئة “الضعيفة” في المجتمع والمعنية اكثر بتحسين مستواها المعيشي، فهي مسألة نسبية وقيمة تقديرية ويمكن تقسيمها الى أربعة تصنيفات تقديرية. ✓ الطبقة الفقيرة التي تستلم معونات الشئون الاجتماعية ويقل دخلها عن الجد الأدنى (400 دينار شهريا مثلا)✓ الطبقة ذات الدخل المحدود والتي تستلم معونات اجتماعية.✓ الطبقة المتوسطة والتي لا تستلم معونات اجتماعية ويقل دخلها عن ثلاث اضعاف الحد الأدنى للدخل.✓ العاطلين عن العمل سواء يستلمون بدل تعطل او غير مسجلين في قيود وزارة العمل.

كل من هذه الفئات تشمل الموظفين وصغار التجار وأصحاب المهن وبعض المؤسسات الصغيرة، وهي تأثرت سلبا بانخفاض سعر النفط والإجراءات التي تبعته. لتحديدالطبقة الفقيرة هناك عدة ارقام غير رسمية، لكن يمكن ان تؤخذ على انها تمثل خط الفقر. مثلا يمكن اعتبار خط الفقر على انه نصف متوسط الدخل العام. متوسط الدخل الشهري في البحرين حوالي 800 دينار وبالتالي فان مستوى خط الفقر 400 دينار. هذا احد التقديرات،  اما دراسة مكنزي عام 2004 فقد وضعت خط الفقر على انه 371 دينار. لذلك نتمنى لو ان وزارة العمل تحدد: ✓ ما هو حجم الفئة الفقيرة وهل هي في تناقص ام انها تتزايد؟✓ ما هو مستوى التفاوت في الدخل بين اعلى دخل وادنى دخل؟✓ ما هو مستوى البطالة بين الشباب؟

التقدم في هذه المعايير الاجتماعية لا يتم بالتمني او بقرارات من القيادة السياسيةوانما يتطلب عمل كبير ووضع رؤية تنموية وسياسات تفصيلية وخطط استراتيجية وبرامج ومبادرات في مختلف مجالات التنمية الشاملة المستدامة العادلة.

تحسين مستوى المعيشة في بعده المادي يعتمد على الدخل كما اسلفنا، اما تحسين مستوى المعيشة في بعديه المعنوي والانساني فهو يشمل مفاهيم إضافية مثل جودة الحياة والسعادة والرفاه الاجتماعي لكي تكتمل صورة تحسين مستوى المعيشة. ولقياس الصورة الكاملة تم استحداث مؤشرات أخرى مثل التقدم الحقيقي، ومؤشر التنمية البشرية، ومؤشر الصحة الاجتماعية، ومؤشر الرفاهية الكندي. مؤشر التقدم الحقيقي يشترط ان تضيق الفجوة بين اعلى مستوى للدخل وادنا مستوى، وان تزداد نسبة دخل الطبقة الفقيرة من الناتج المحلي وتركز كذلك على مستوى التعليم والصحة والضمان الاجتماعي. اما مؤشر الصحة الاجتماعية فيركز على السكن والفقر بين الاطفال وكبار السن، والبطالة ومستوى الرواتب. مثل هذه المؤشرات تميل في صالح تحسين مستوى معيشة الطبقة الضعيفة، وهذا مهم جدا للاستقرار والسلم الأهلي. فماهي خياراتنا في تحسين مستوى المعيشة؟

ان احراز تقدما في مستوى المعيشة يتطلب الاهتمام بقدرات ومهارات مجتمعية أهمها الإنتاجية والابتكار وروح الريادة وتقبل المخاطرة والاستثمار في رأس المال البشري والاجتماعي. يتطلب ذلك وضع سياسات واهداف واستراتيجيات، وهذه مهمة ومسئولية السلطتين التنفيذية والتشريعية، اولا لخلق البيئة المناسبة لتطوير هذه القدرات، وثانيا لأخذ زمام المبادرة في تحريك الاقتصاد وانشاء وتمويل القطاعات الواعدة والأكثر قدرة على الإنتاج والتصدير والتعلم وافادة القطاعات الأخرى من فيضها. هذا على المدى البعيد.

اما على المدى القصير فان لمجلس النواب دورا في تسريع العملية وسوف يعتمد ذلك على مدى قدرته على خلق تكتلات مؤثرة داخل المجلس تروج للسياسات التي من شأنها ان تؤثر في سياسات وقرارات الحكومة بما يخدم تنمية هذه القدرات وترفع من مستوى المعيشة للمواطن. أي انه على المدى القصير وبشكل مباشر يمكن التعامل مع هذه السياسات من خلال برنامج الحكومة والميزانية العامة وسياسة سوق العمل وسياسات التنمية والتي سوف تعرض على المجلس قريبا.

أولا: برنامج عمل الحكومة، الذي سيعرض على مجلس النواب. نجاح الحكومة في هذا البرنامج ونجاح مجلس النواب في متابعة التنفيذ والمساءلة يتطلب وضع مؤشرات وأرقام محددة بمدد زمنية تعرف مستوى المعيشة بشكل واضح ودقيق يمكن للمجلس محاسبة الحكومة على مستوى الأداء في تنفيذ البرنامج.

ثانيا: الميزانية العامة وما يرافقها من سياسات لتمويل الميزانية من ضرائب ورسوم ومحفزات اقتصادية ومشاريع استثمارية وبنى تحتية والتي من خلالها يتم تنفيذ برنامج الحكومة وخصوصا مشاريع البنى التحتية وتحسين المناخ الاستثماري. والسياسة النقدية التي يتحكم فيها البنك المركزي من خلال إدارة حجم السيولة والتضخم وسعر الفائدة.

ثالثا: سياسة سوق العمل التي تتحكم في حجم العمالة الوافدة وفرص البحريني في الوظيفة المناسبة والتدريب المهني في الشركات وفي المعاهد. 

رابعا: سياسة التنمية وتشمل السياسة الصناعية والسياسة الزراعية والسياسة الاستثمارية والسياسة الإعلامية وسياسة التعليم وكذلك سياسات الخدمات الاجتماعية والثقافية واستعداد الدولة لتامين حق الحصول على المعلومات. 

أي ان الخيارات واسعة امام الحكومة لوضع سياسات وبرنامج مؤثرة في مستوى المعيشة وفرص العمل، وبإمكان النواب التأثير فيها من خلال أدوات برلمانية تبدأ من إقرار برنامج الحكومة وإقرار الميزانية العامة الى العمل في اللجان المختلفة وطرح الأسئلة وتشريع ضرورة وضع مؤشرات أداء للوزارات مرتبطة ببرنامج عمل الحكومة وبتحقيق مستوى معيشة اعلى. والمساءلة على تحقيق تقدم في هذه المؤشرات.

ويبقى السؤال في المجتمع هل الأدوات البرلمانية كافية لتنفيذ مثل هذه المساءلة والمتابعة والمحاسبة؟ وهل القوانين الموجودة كافية لتفعيل برامج التنمية وتحسين مستوى المعيشة والرفاهية؟ وهل المؤسسات المسئولة عن الاستثمار والتنمية على مستوى من الكفاءة والمسئولية والشفافية تتناسب مع المهمة؟ هذه أسئلة لمجلس النواب للبحث عن إجابات لها؟

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *