بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٢٩ يونيو ٢٠٢٢
مقال الاسبوع- الدورة الانتخابية قادمة نتمنى من الجمعيات السياسية العمل على تقييم التجربة البرلمانية وتحديد مواطن القصور لتطويرها. هذه مسئولية مجتمعية وانتم ممثليه. خلق رأي عام مجتمعي في قضايا محددة يدعم مجلس النواب ويحرره من النمطية السائدة كما حدث في تجارب سابقة.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1300505
بدأت التحركات للانتخابات المقبلة للفصل التشريعي السادس بعد عشرين سنة من التجربة البرلمانية. واخذ المرشحون يعلنون عن نواياهم ورؤاهم تعبيرا عن تطلعا المجتمع. كذلك تنشط الجمعيات السياسية في عقد الندوات واللقاءات. تجربتنا البرلمانية كاي تجربة سياسية لها انجازاتها واناتها. ومن الضروري ان يخرج المجتمع من التجربة بصورة ايجابية نتيجة ما يتحقق من تطوير الحياة العامة، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. للاسف هناك قدر من الاحباط في المجتمع من اداء المجلس، وان دور المجتمع الان تحديد اسباب التدني ووضع الرؤى لتطوير التجربة.
هذا يستوجب القيام بتحليل وتقييم التجربة من قبل الدولة ومختلف الجهات المجتمعية ومناقشة المسيرة بموضوعية ومسئولية ونظرا لاهمية المجلس لتطوير الحياة الديمقراطية، وكونه المؤسسة الاهم في تمثيل الشعب واهم ثمار المشروع الاصلاحي لجلالة الملك، يجب ان نرفض رفضا تاما التخلي عنه كما يطرح البعض.
في نفس الوقت لا ينبغي ان تنفرد بالتقييم اي جهة بل على مختلف الفعاليات المشاركة في حوار مجتمعي ورسمي مثمر يطرح التحديات التي تواجه التجربة ويحدد العوامل التي اثرت في الانجازات والتراجعات. وان يهدف التقييم الى تعزيز عوامل النجاح وتحديد اسباب ضعف اداء المجلس والاحباط المجتمعي وتقديم الرؤى ووضع المشاريع حول امكانية تطوير التجربة بما يعزز دور المجلس في تحسين مستوى معيشة الناس والمحافظة على حقوقهم ومكتسباتهم. التطوير في هذه الحالة عملية مستمرة تستجيب لمتطلبات المجتمع وتطورات الحياة.
تُطرح في المجتمع والمنتديات اسئلة حول التجربة، منها هل المجتمع وضع تصورات كبيرة وسقفا مرتفعا جعل ردود افعال المجتمع قاسية؟ ام ان المجلس لم يحقق طموحات الناس نتيجة عدم القدرة على تنسيق المواقف وتشتت الرؤى والتوجهات؟ كذلك يَطرح المجتمع تساؤلات حول علاقة النائب بالناخب وكيف تمارس هذه العلاقة؟ ومن القضايا التي ترد كمؤشرات على قصور اداء المجلس هو اولا معرفة النائب بادواته الرقابية والتشريعية ومدى استغلاله لها، وبصفة خاصة تخلي المجلس عن بعض صلاحياته في الرقابة والمناقشة وعدم طرح مقترحات بقوانين لتعزيزها. فمثلا يقول احد المنتدين ان هناك حاجة الى تعديل بعض المواد المتعلقة بمناقشة القوانين المالية والاقتصادية التي يحدد الدستور خمس عشرة يوما لاتخاذ قرار فيها فقط وهذه مدة غير كافية تجعل المجلس يستعجل القرار دون دراسة كافية.
ثانيا لا بد ان ندرك بان اداء الحكومة واداء المجلس ومنظمات المجتمع المدني كلها مرتبطة بعضها ببعض، في علاقة دعم متبادلة، وقوة الاداء الناتج عن هذه التفاعل هو في الصالح العام ويخدم الجميع. فمثلا الرقابة البرلمانية ونشاط المجتمع في الحوار والنقاش وتقديم المقترحات والبدائل تساهم في رفع كفاءة اداء السلطة التنفيذية والتشريعية. وضعف اي عمود من هذه الاعمده هو اضعاف للمنظومة. من ذلك يرى الكثيرون بان من اسباب تدني الاداء هو غلبة المستقلين في المجلس، وضعف الجمعيات السياسية وعدم امكانيتها في تقديم مرشحين اكفاء والقيام بدعمهم ماديا وسياسيا والمطلوب توازن بين الاثنين. وبالتالي فان المسئولية المشتركة تقتضي معالجة ضعف الجمعيات والعمل على تخصيص دعم مالي من الدولة يمكنها من القيام بدورها الفاعل الايجابي في المجتمع، والاستفادة من تراكم الخبرات الناتج من التجارب التي تمر بها في العمل البرلماني والقدرة على متابعة المقترحات والتوصيات ونتائج التحقيقات والتي قد لا تتوفر للنائب المستقل.
ثالثا هناك من يرى بان الادوات الدستورية واللائحة الداخلية تحتاج الى تعزيز وتقوية، وفريق اخر يرى ان تطوير التجربة البرلمانية يحتاج الى تفاعل اكبر مع المجتمع وتوعية الرأي العام في كيفية دعمه للمجلس وفي حسن الاختيار وفريق ثالث يطالب بوضع معايير تشترط مؤهلات معينة. وجهة اخرى تدعو الصحافة لافساح مساحة اكبر للحوار والتداول. والجميع يدعو الى تنشيط الحوار المجتعي لمناقشة الاسباب وطرح المقترحات والضغط على النواب المستقلين والجمعيات في تطوير التصاقهم بالمجتمع.
في الوقت الحاضر توجد محاولات من قبل الجمعيات في التنسيق فيما بينها لكنه يبقى على نطاق ضيق لا تصل نتائجه الى المجتمع ولا يقرب الجمعيات من المجتمع والانخراط في همومه، ولا يُكَوِّن رأيا عاما لدعم قضاياه المؤثرة في مستوى معيشته وفي اسلوب حياته. ولا تضع تصورات لتطوير العملية الديمقراطية وتعزيز الحقوق والحريات بما يتوافق مع روح الدستور. لكي يتحسن اداء المجلس يحتاج الى دعم من الرأي العام كما حدث في قانون التقاعد في 2018 حين امر جلالة الملك المعظم بسحبه وتشكيل لجنة لدراسته.
رابعا المناقشة الجادة والمسئولة تحتاج الى ساحة اعلامية ممثلة في الصحافة والتواصل الاجتماعي. في الوقت الحاضر تقوم بعض الجرائد بدور توعوي باقامة الندوات لكنها غير كافية وغير منفتحة بما يكفي لتحليل التحديات والمعوقات ان وجدت. فلا تكشف مستوى الاحباط واضراره الاجتماعية والامنية، ولا تكشف مواطن القصور في المنظومة البرلمانية، ولا تضع معايير مجتمعية لتقييم نتائج المجلس وقدرته على تطوير الديمقراطية والعمل البرلماني. ولا تناقش اسباب وتاثير ضعف الجمعيات السياسية وتضع المعالجات الدستورية والقانونية والادارية. ان تتنافس الجمعيات مع المستقلين في خدمة المجتمع من خلال التمثيل البرلماني امر مهم لكن كذلك على الجمعيات في نفس الوقت ان تعمل معا على مشروع لتطوير العملية الديمقراطية تعزيزا للمشروع الاصلاحي.
اخيرا هناك حاجة ماسة الى وضع منظومة لقياس اداء المجلس تقوم على معايير واضحة تقيم نتائج عمل المجلس وليس عدد الجلسات او المقترحات برغبة او حتى عدد القوانين التي مررها المجلس، او عدد الاسئلة التي طرحت على الوزراء. كذلك لابد من وضع تعريف لمعنى التعاون بين السلطة التنفيذية والتشريعية بما يخدم العمل البرلماني والتنفيذي معا ويؤسس للرقابة الفاعلة والتشريع المتوازن ويرفع من كفاءة الاجهزة الحكومية وتقليل البيروقراطية ومركزية القرار.