نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠٩ أغسطس ٢٠٢٣ 

مقال الاسبوع – تلعب المؤسسات #الصغيرة_والمتوسطة دور هام في التنمية وخصوصا في الابتكار والابداع. لكنها تحتاج الى بيئة مناسبة تساعدها على النمو وتوفر لها التمويل الملائم ودمجها في #عمليات_الانتاج في الشركات الكبيرة واعطائها فرص المشاركة وخلق التنوع والشمولية ضمن #رؤية_واضحة و #بيئة_تشريعية_مناسبة.

https://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1338578

المرسل للجريدة

المؤسسات الصغيرة والمتوسطة- التحديات والفرص (1)

في مقالنا الاسبوع الماضي (اخبار الخليج 2 اغسطس 2023 بعنوان التنمية الصناعية ومسئوليات الحكومات العربية) تطرقنا الى ما اورده تقرير صندوق النقد العربي حول دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في التنمية الاقتصادية. يقول التقرير بان من اهم المعوقات “عدم تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة ورفع قدرتها للمساهمة في خلق التنوع والشمولية في الاقتصاد”. ويرى ان دور هذه الشركات في خلق تنوع وشمولية في الاقتصاد من خلال منحها فرص في الصناعات التحويلية واشراكها في سلاسل امداد الشركات الكبيرة، مثل شركات مشتقات النفط وصناعة الالمنيوم والبتروكيماويات، يمنحها فرص للنمو. تمكين الشركات الصغيرة والمتوسط من اخذ دور في تطوير هذه الصناعات له اهمية كبيرة في تنويع الاقتصاد وتشعبه وتعميقه. استكمالا لهذه المناقشة، نظم مجلس الدكتور محمد الكويتي ندوة حول “التحديات والفرص لنمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة” قدمها كل من الدكتور هاشم حسين (رئيس مكتب الامم المتحدة للتنمية الصناعية – اليونيدو) والاستاذ عبيدلي العبيدلي (رئيس الاتحاد العربي لتقنية المعلومات والاتصالات).

يقول الدكتور هاشم بان اهم عوامل الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة توفر البيئة المناسبة لريادة الاعمال. واجهت هذه البيئة في بداية تكوينها عقبة ثقافية في قبول مسمى “رائد عمل” بدلا من “صاحب عمل” الذي في الثقافة المحلية، له مكانة اكبر. قد يبدوا ذلك شكليا الى انه بداية تكوين بيئة وثقافة الريادة والابتكار لما يحمله المسمى من دلالات على المحتوى الابتكاري والابداعي وما تؤديه الريادة من دور كبير في الدفع بالاقتصاد الى افاق جديدة ريادية. بتخطي هذه العقبة انطلق تشكيل البيئة المناسبة منذ 2004 بتعاون مع مكتب اليونيدو في البحرين، وكان واحدا من 8 مكاتب موزعة بين القارات الخمس ما يعكس اهمية البحرين والمنطقة. السؤال الذي واجه المكتب في تكوين البيئة المناسبة كان “كيف يستقطب الاستثمارات المحلية والاجنبية؟”، مع ما للمستثمر الاجنبي من مفاهيم مختلفة، وللمستثمر المحلي مخاوفه وتردده.

على هذه الخلفية تم تصميم النموذج البحريني بهدف “الوصول الى اهداف التنمية المستدامة 2030 عبر ريادة الاعمال”. التحدي الذي واجه، ويواجه البحرين ودول مماثلة، هي انها دول غير منتجة للتكنولوجيا بل تحتاج نقلها وتوطينها مع جلب الاستثمارات. لذلك كان لا بد ان تضع البحرين تصور استثماري مغاير للمفهوم الغربي الذي لا يواجه مثل هذه المشكلة. اعتمدت البحرين مفهوم ان “تنمية الاستثمارات المحلية هي التي تجلب الاستثمارات الاجنبية”، اي خلق ثقة في الاستثمار محليا. لكن الصعوبة في ترسيخ هذا المفهوم تكمن في تردد المستثمر المحلي في دعم ريادة الاعمال والمشاريع الناشئة؟ فكيف يمكن معالجة هذه الاشكالية؟

بدات المعالجة بتكوين بيئة ملائمة للاستثمار في البحرين، وكانت بمبادرة من غرفة تجارة البحرين؟ انشأت الغرفة لجنة للشركات الصغيرة والمتوسطة، ساعد على ذلك البيئة المنفتحة في الغرفة ان ذاك على النقاش والحوار بشكل واسع، حفز ظهور افكار ومبادرات اضافت على هذه الرؤية. من هذه البداية المنفتحة بدأ العمل في بناء الثقافة الريادية، وادراكا لاهمية تكامل وترابط عناصر البيئة، ضمت هذه البيئة بالاضافة الى الغرفة واحد وعشرين مؤسسة منها ادارة التجارة والصناعة، وبنك البحرين للتنمية، ودخلت اليونيدو في شراكة استراتيجية معهم. كان بنك البحرين للتنمية حينها لديه امكانيات كبيرة بالاضافة الى توفر الاراضي الصناعية، وكانت الوزارة تمنح مبدئيا ما بين 150 الى 120 ارض لمشاريع محتملة ينفذ منها 20 الى 25 مصنع مما شكل تحدي او عقبة في سرعة تنمية الصناعة.

بالاضافة الى الاهتمام بالشركات الصغيرة والمتوسطة كان لا بد من دعم المؤسسات الناشئة. لذلك تم اعادة هيكلة البنك وتعديل آلياته بحيث يصبح الاهتمام اكبر بتمويل المؤسسات الناشئة التي كانت تمثل التحدي الاساسي. فقد كانت الاجراءات تطالب هذه المؤسسات بتقديم دراسة جدوى عالية التكلفة (لا تقل عن 25 الف دينار) اكبر من قدرة المبتدئين. ولم يكن لدى الشركات الكبيرة في البحرين الاهتمام الكافي بالرغم من الحديث “الشفهي” عن أهمية الشركات الصغيرة والناشئة. هذه الاشكاليات المترابطة مثلت جزء من التحديات السابقة والحالية.

من خلال هذه التجارب اتضح لمكتب اليونيدو ان المنطقة العربية تعاني من نفس الاشكاليات والتحديات. لذلك برزت الحاجة لاعادة التفكير ودراسة الامر، فاجريت دراسة قامت بها (الاسكوا- لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا)، شملت البحرين وعدد من الدول العربية. لخصت الدراسة التحديات في ضعف ثقافة ريادة الاعمال، عدم وجود تشريعات لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، عدم وجود مراكز لتدريب وتهيئة رواد الاعمال، عدم وجود حاضنات للمؤسسات الناشئة، عدم ملاءمة التمويل لبيئة المؤسسات الناشئة، وكانت هذه مشكلة اساسية. فكان الحل في كيف يتم عكس هذا الوضع؟

بناء على نتائج هذه الدراسة وضعت اليونيد استراتيجية في 2008. لكن اليوم اصبحت التحديات اكبر واعمق، بدءأ من انظمة التعليم النمطي، وتاخرنا في تلبية متطلبات الثورة الصناعية الرابعة والثورة الرقمية. ستكون الاشكالية اكبر في 2030 ما لم يهيأ الشباب لمتطلبات الثورة الصناعية الرابعة والدخول في معترك التحولات الرقمية. فما هي الاشكاليات التي تواجه الدول العربية اليوم وماهي اشكاليات المستقبل القريب؟ 

يتطرق الاستاذ عبيدلي لهذا السؤال فيقول “لا ينشأ التحول الرقمي من فراغ بل يحتاج الى وجود تحول يدوي بمفهومه البسيط لكي ينجح في توظيف التكنولجيا”، بالاضافة الى تحديد واضح للمدخلات والمخرجات والنتائج المأمولة. اما العامل الاهم في النجاح هو “الرؤية الواضحة لماذا تريد ان تكون”. ان سبب فشل معظم التجارب هو انعدام وضوح الرؤية واتساقها مع الغاية او الرسالة. افضل من يستطيع ان يقوم بعمليات التحول هي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ورواد الاعمال كونها تتمتع بالرشاقة المؤسسية دون حمولات بيروقراطية او ممارسات متخمة كما في المؤسسات الكبيرة العامة والخاصة التي تراكمت فيها تقاليد وعادات تعيق التفكير الجذري والاستعداد للتغيير. وبالتالي فان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي اكثر قدرة على استيعاب ما يستجد من محفزات تودي الى مواجهة التحديات وتجاوز العقبات. وللحديث بقية.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *