نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

السبت ٢٢ يوليو ٢٠٢٣ 

مقال الاسبوع –اصبحت البطالة قضية مجتمعية ورأي عام تعاني منها معظم العائلات والشباب، السبب الرئيسي هو عقيدة ايديولوجية “حرية السوق” التي تلتزم بها الحكومة بدون ضوابط لتعطي الشباب فرصة تنافسية متكافئة، اضافة الى القصور في التدريب والتاهيل والتعليم والثقافة المجتمعية، والتوجه نحو الخصخصة في الشركات الكبرى واجهزة الدولة حرم المواطن من فرص العمل فيها.

https://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1337111

المرسل الى الجريدة

مؤتمر “البطالة وتحديات البحرنة”

في (8 يوليو 2023) نظمت تنسيقية الجمعيات السياسية مؤتمر “البطالة وتحديات البحرنة”. ما قامت به الجمعيات هو جهد جماعي مشكور يعبر عن أهمية دور المجتمع المدني في التنمية وفي الاصلاح بشكل عام، ونامل ان يستمر هذا التعاون والمساهمة الايجابية في قضايا المجتمع. كذلك قام تجمع الوحدة الوطنية بتدشين منصة “اختارني” كمساهمة منه في مساعدة الباحث عن عمل ورب العمل والمختصين من التعاون في معالجة البطالة.

طُرح المشاركون في المؤتمر الكثير من التحليلات حول اسباب البطالة وقدموا حلولا متنوعة. يرى المشاركون ان البطالة نتيجة لعدة اسباب اهمها “سياسة الانفتاح في سوق العمل”. فتح سوق العمل بشكل اصبح البحريني غير قادر على المنافسة. بالرغم من الفوائد للانفتاح الا ان لها تداعيات سلبية على سوق العمل واضرت بمبدأ “جعل البحريني الخيار الافضل”. السبب الثاني ضعف التخطيط لتوسيع القاعدة الانتاجية كما حدث في السبعينات والثمانينات عندما تم انشاء شركات استوعبت اعدادا من الخرجين وقامت بتدريب مكثف لسد احتياجها من العمالة المدربة. السبب الثالث مواءمة مخرجات التعليم لمتطلبات سوق العمل، وعدم تحمل الشركات الوطنية مسئولية تدريب الباحثين عن عمل وتوظيفهم.

السبب الرابع ان كثير من الوزارات والشركات الكبرى انتهجت سياسة الخصخصة، تعاقدت مع شركات خاصة توفر لها عمالة وافدة رخيصة، مكنهم من رفع نسبة البحرنة دون توظيف بحرينيين، في عملية التفاف على البحرنة. قللت هذه السياسة الطلب على العمالة البحرينية، واعفت الشركات والوزارات من برامج التدريب، فاصبح البحريني خارج المعادلة. كذلك تحدث المؤتمر عن موضوع “الثقافة المجتمعية” وتاثيرها على فرص البحريني في التوظيف. عدد من ارباب العمل يرون ان بعض العمالة البحرينية لا تلتزم بقواعد العمل واخلاقيات المهنة، مما يستوجب التركيز على التدريب وغرس مبادئ الالتزام بقواعد واخلاق العمل في المدارس وفي المنزل. مهم جدا ان يفهم الباحث عن عمل واجباته تجاه صاحب العمل، كما يفهم حقوقه. الخلاصة التي توصل اليها المؤتمر ان هناك حاجة الى قرار سياسي بتخصيص مهن معينة للبحرينيين، على ان يتم التدريب لهذه المهن بالتعاون مع الشركات الكبرى والهيئات المعنية.

كذلك، في (11 يوليو 2023) الاسبوع الماضي، اعلن وزير العمل صدور “الخطة الوطنية لسوق العمل للاربع سنوات القادمة من 2023-2026”. جاء في البيان ان الخطة تفتح مزيدا من الافاق لتعزيز المسارات التنموية لتطوير سوق العمل وتوفير بيئة عمل جاذبة للاستثمار، وتعزيز اسهامات القطاع الخاص في سوق العمل مع تطوير الاجراءات الرقابية والتنظيمية. نامل ان تنشر الوزارة هذه الخطة مع تقييم لما تحقق من الخطة السابقة.

عرَّف المؤتمر البطالة على انها قضية متعددة الابعاد، ومعالجتها يكون شموليا على مستوى انساني وامن وطني وامن مجتمعي. استعرض المشاركون تاريخ البطالة منذ السبعينات والحلول والمبادرات الحكومية التي اتُخذت. فقد تم وضع مشاريع وطنية للتوظيف منذ 2001 الى 2022، بمستويات متفاوته من النتائج. والان مع دخول سوق العمل مالا يقل عن سبعة آلاف خريج جامعي بالاضافة الى المتخرجين من التعليم العام فان التحدي كبير يتطلب قرار سياسي لوضع خطة وطنية ضمن مدة محددة يخصص بعدها وظائف للبحرينيين مع برامج تدريب وتأهيل مناسبة وسياسة تحفيز لارباب العمل للتعاون.

البطالة في غالبيتها بطالة ناتجه عن سياسة الانفتاح وتشوه السوق بالعمالة الوافدة الرخيصة غير المنضبطة. يحتاج الطالب بعد تخرجه الى فترة تدريب عملي في مكان عمل يكتسب خلالها مهارات العمل، وهذا ما يحدث في معظم دول العالم. من مسئولية الدولة وأصحاب الاعمال توفير التدريب المناسب للشباب اما على رأس العمل او في معاهد خاصة. غير ان الشركات والمؤسسات تفضل جلب عمالة من الخارج مدربة وبتكاليف اقل مما جعلها تتخلى عن مهمة التدريب. اما الدولة فلديها برامج تدريب مثل تمكين والمعاهد لكن الواضح انها لا تفي بالحاجة من حيث العدد والتأهيل. ولنا في شركة نفط البحرين (بابكو) قدوة في الستينات فوفرت تدريب مهني مهم وفعال خرَّج كفاءات بحرينية تحملت مسئولية إدارة الشركة نفسها، وإدارة وزارات حكومية في مناصب عالية. ما ذا يمنع الشركات الكبرى وتمكين اليوم من توفير مثل هذه البرامج؟

لذلك فان معالجة البطالة عملية تكاملية تتطلب خطة استراتيجية واسعة تشمل معظم الوزارات والهيئات ومجلس التنمية الاقتصادية وفعاليات المجتمع المدني، تقوم بوضع خطة متكاملة تشمل جانبي العرض والطلب. كما ينبغي ان تشمل الخطة تحولات فكرية تقبل فرض قيود على حرية السوق في جلب العمالة الوافدة. على المدى القصير يكون الحل في وضع خطة لاحلال البحريني في مهن محددة تخصص للبحرينيين فقط، مع رفع كلفة العمالة الوافدة في هذه المهن بفرض رسوم اضافية عليها. وان يتزامن ذلك مع حملة تدريب موجه نحو هذه المهن، وتتوسع تدريجيا لتشمل مهن وتخصصات اخرى يقبل عليها البحريني. اقتصار مهن معينة على البحرينيين وزيادة اجورها سوف يغير من نظرة المجتمع لهذه المهن وقبولها من الشباب والمجتمع.

معالجات اضافية من جانب العرض تقوم على بناء رأس مال بشري ياخذ في الاعتبار سياسة التعليم والتدريب المهني في المعاهد والشركات الكبرى، والسياسة السكانية لتتحكم في كم المعروض ونوعيته ومواءمته لسوق العمل بالاضافة الى ثقافة مجتمعية تغير من وصم المهن اليدوية برفع اجورها وتقديرها والالتزام بقواعد واخلاقيات العمل. في الوقت الحاضر العرض من العمالة يفوق بكثير الطلب على التوظيف. هذه الزيادة تخفض معدلات الاجور بحيث لا يتمكن المواطن البحريني من العيش بالراتب السائد، فيتهم برفض العمل.

من حيث الطلب فان الهيكل الاقتصادي يحتاج الى استراتيجية تنويع وتوسيع القطاع الصناعي وتنشيطه، على ان تقود الحكومة هذه العملية لخلق وظائف انتاجية كما حدث في الثمانينات. يتزامن ذلك مع سياسة حازمة لاحلال البحرينيين في الوظائف الحكومية والشركات الكبرى المملوكة للدولة ووقف استغلال الخصخصة لتوظيف اجانب. بالاضافة الى ذلك لا بد من تعميق التكامل والتشابك مع اقتصاد دول مجلس التعاون. نجاح المعالجات من جانب العرض والطلب سوف يعتمد على ربط مصلحة صاحب العمل مع برنامج التدريب والبحرنة والاحلال بتقديم حوافز تجعل توظيف البحريني في مصلحة ارباب العمل.

drmekuwaiti@gmail.com  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *