- الضرائب في دول الخليج وتأثيرها على المواطن
تاريخ النشر :٢ نوفمبر ٢٠١٦
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال الاسبوع- سؤال بدون جواب: الضرائب على المستهلك مع رفع الدعم وتقليل الانفاق كيف سيكون تاثيره؟
http://www.akhbar-alkhaleej.com/14103/article/46842.html
بتاريخ 27 أكتوبر الجاري نظم اتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي (غرف الصناعة والتجارة) ندوة بعنوان «تأثير رفع الدعم الحكومي وفرض ضريبة القيمة المضافة على نشاط القطاع الخاص بدول مجلس التعاون الخليجي» تحدث فيها اقتصاديون وخبراء من دول المجلس وبمشاركة ممثلي القطاع الخاص من هذه الدول.
تقام الندوة على خلفية ما يحدث في أسواق النفط واستمرار انخفاض الأسعار وشبح العجوزات في الميزانيات لدول المجلس وتنامي الدين العام. تقول كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي إن دول المجلس فقدت 20% من ناتجها القومي «340 بليون دولار خلال عام 2014 وان اسعار النفط لن تتحسن في المنظور القريب مما يفرض على دول المجلس القيام بإجراءات لسد العجوزات منها تقليل الإنفاق الحكومي وتنويع مصادر الدخل وفرض الضرائب، بدءا بضرائب القيمة المضافة ولاحقا ضرائب الدخل على المؤسسات وعلى الافراد وضرائب العقارات والضرائب الخاصة على بعض المنتجات». كما تواصل رئيسة صندوق النقد قائلة: إن على دول المنطقة تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط في السنوات القادمة لكي لا يصل الامر إلى مرحلة حرجة قد لا تفيد مثل هذه العلاجات.
لذلك فكان السؤال الذي طرح في الندوة من اكثر من جهة هو: هل الإجراءات التي اتخذتها الحكومات فيما يتعلق برفع الدعم وفرض الضرائب هو نتيجة لضغط مؤسسات الامم المتحدة مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، أم أنها ردة فعل على تدني اسعار النفط، أم أنه نتيجة تخطيط مسبق. في تقرير سابق كان يشير إلى ان احدى الدول الخليجية كانت قد بدأت بوضع تفاصيل رفع الدعم قبل 2011 وتم تأجيله لأسباب سياسية.
من التقارير العالمية والروح التي سادت الندوة يتضح ان فرض الضرائب وتقليل الإنفاق ورفع الدعم لم يعد يحتمل الانتظار أو تكرار أخطاء الماضي والتأجيل في تنفيذ الإجراءات، لكن يتضح كذلك من أسئلة المشاركين أن هناك مخاوف تأثير هذه الإجراءات على معيشة المواطن وبالتالي على الوضع الاجتماعي والسياسي.
برز سؤال مهم حول مدى استعداد الحكومات لمتطلبات ادارة الضرائب، الفنية منها والتقنية والتشريعية وما يتطلبه من مؤسسات وخبرات ادارية وأنظمة مساندة. وهل الأنظمة على استعداد لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة لتحقيق الشفافية والمشاركة لتفادي التأثيرات السلبية على الاستقرار والأمن؟ يجمع المنتدون على أن الوقت المتاح للتحضير وتهيئة المؤسسات التجارية وأجهزة الدولة قد تحتاج إلى وقت أطول مما هو متاح. كما أنه يتوجب على الدولة اتخاذ إجراءات تساعد المجتمع على على تقبل الضرائب، وهذا لا يتم بالإرشاد والتوجيه ولكن بخطوات عملية تبدأ من الأعلى يقتدي بها العامة.
الرسالة الاولى الصادرة عن الندوة هي ان ضريبة القيمة المضافة هي ضريبة يتحملها المستهلك النهائي (المواطن) وليس التاجر. فالتاجر أو الصانع يدفع ضريبة على مشترياته المحلية (من مواد خام وسلع وخدمات) التي تدخل في إنتاجه أو توريد البضاعة أو الخدمة (بخلاف رسوم الجمارك) مثل تكاليف النقل والتخليص أو شراء بضائع مكملة لبضاعته. وعندما يبيع البضاعة يستلم من المشتري ضريبة القيمة المضافة ويسترجع للدولة الفرق بين ما دفع وما استلم، وقد يستلم من الدولة اذا كان مقدار مادفع اكثر. اي ان فحوى الرسالة هي ان المستهلك يتحمل جميع الضرائب التي تدخل في تجهيز المنتج أو البضاعة أو الخدمة.
الرسالة الثانية هي ان هذه الضريبة بطبيعة الحال سوف ترفع كلفة المعيشة على المواطن. طرح احد المتحدثين ان الوقت قد لا يكون مناسبا لفرض الضرائب ورفع الدعم، وذلك لكون الاقتصاد الخليجي في مرحلة ركود مما يستوجب ضخ سيولة في السوق بدلا من سحبها عن طريق الضرائب ورفع الدعم. وطرح البديل في زيادة الدين العام بصورة مؤقتة مع الاستثمار في التعليم وانتاج المعرفة والمشاريع الانتاجية لتنشيط الاقتصاد.
تساءل الحضور عن ماهية الدراسات التي تمت لمعرفة تأثير فرض الضرائب على المواطن (على مستوى الخليج) وعلى الاقتصاد بشكل عام. لم يتمكن اي من المحاضرين الاشارة إلى اي دراسة قامت بها الدول المعنية بخلاف ما تقوم به بعض مراكز الأبحاث الأجنبية، كما أنه لا توجد دراسات موثوق بها حول تأثير التفاعل بين رفع الدعم وتقليل الإنفاق الحكومي وفرض الضرائب. كلها إجراءات تقشفية تتم بشكل متزامن ويخشون هذا التأثير على الاقتصاد.
كما تساءل المنتدون عن الأهداف التي ستحققها الحكومات من فرض الضرائب. لم تعد عملية فرض الضرائب مجرد أداة للتمويل، بل أصبحت أداة في ضبط السياسة النقدية للحكومة، وليست فقط وسيلة لتقليل العجز. لذلك يحذر المتحدثون من هذه الإجراءات من دون القيام بدراسات توضح هذا التأثير لتفادي أخطاء الماضي، حيث لم تخضع عملية توفير الدعم للسلع لأي دراسة، ولم توضع لها اهداف واضحة يمكن ان تتحقق بعد فترة يتم بعدها رفع الدعم. بل في الغالب كانت هدرا للمال العام الذي استفاد منه المحتاج وغير المحتاج.
اختتمت الندوة بقناعة بأنه لا توجد بدائل لدى دول المجلس، لذا فإنّ الضرائب أصبحت واقعا، وعلى الجميع الاستعداد لها. وعلى الحكومات بالذات العمل على التخفيف من آثارها على الاقتصاد وعلى الوضع الاجتماعي من بطالة وتدني الدخل وارتفاع الاسعار، هذه النتائج لا بد أن تحتاط لها الدول الخليجية لتفادي تأثيراتها السياسية، فما هي خطة دول المجلس الشاملة لمواجهة هذا الواقع؟ لا نرى بديلا عن الانفتاح والشفافية ومشاركة المجتمع حقيقيا لكي يتحمل مسؤوليته.
mkuwaiti@batelco.com.bh