نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. العرب والانتخابات الامريكية وما افرزته

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٦ نوفمبر ٢٠١٦ – 03:00

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1045178

انشغل العالم العربي بالانتخابات الامريكية اكثر من اي منطقة اخرى. دخلت الامة في جدل حول ايهما افضل لمعالجة قضايانا العربية واي منهما يمكن ان يحررنا من التحديات التي تواجهنا اقليميا او عالميا، واي منهما يمكن ان يعالج الازمات العربية المختلفة سواء على الجبهة الفسلطينية الاسرائيلية او في المناطق الساخنة في سوريا والعراق واليمن وليبيا، او في المناطق المتوترة والمأزومة اقتصاديا وسياسيا مثل مصر وغيرها. وقد قام بعض قادتنا بضخ اموال في الحملات الانتخابية في حين ان بلدانهم احق بهذه الاموال.

يجري كل ذلك مع علم الجميع بان الانتخابات الامريكية تسير وفق مصالح الشعب الامريكي ومؤسساته ولا يهم الساسة الامريكان ما يجري في مناطق اخرى الا بقدر ما يخدم مصالحهم ويحقق رخاء شعوبهم واستمرار هيمنتهم.

تطلُّع العرب الى امريكا لمساعدتهم يشير الى ازمة عربية كبيرة لا يستطيع العرب الخروج منها وكل فريق يستنجد باطراف خارجية تعينه على خصومه الداخليين والخارجيين وكأننا مازلنا في القرن الرابع عشر عندما اشتدت حرب الطوائف في الاندلس.

السؤال هو كيف اصبحت امريكا وغيرها متقدمة علميا غنية اقتصاديا ومستقرة سياسيا وقوية عسكريا وبقيت دولنا العربية في غياهب الجهل، فقيرة ومضطربة وضعيفة تهزها اقل عاصفة وتستنجد بمن تسميهم اعدائها. فما هي العوامل والمؤثرات التي اوجدت الفارق الكبير في التقدم. مقارنة بداية انشاء امريكا مع بداية انشاء المكسيك في القرن السادس عشر يوضح الكثير.

في نهاية القرن الخامس عشر (1492م) بدأت اسبانيا مغامراتها في استعمار امريكا الجنوبية باستخدام استراتيجية بدأت في المكسيك تتمثل في القبض على زعيم القبيلة والاستيلاء على ثروته، واجبار السكان بتقديم الغذاء والجزية والاتاوة الى الاسبان مقابل الحفاظ على حياة زعيمهم. الخطوة الثانية هي تنصيب انفسهم نبلاء على المنطقة واجبار السكان على العمل ودفع الضرائب ورفع اسعار السلع التي يبيعونها عليهم. ولان السكان الاصلين مرتبطين بالارض والمناجم واستخراج الذهب وكثافة سكانية كبيرة نسبيا استطاع الاسبان من تنفيذ هذه الاستراتيجية بنجاح في معظم مستعمراتهم وجعلوا من السكان الاصليين طبقة ثانية يستغلونها للاثراء من استخراج الذهب والفضضة ونقله الى اسبانيا. 

في ذلك الوقت لم تكن انجلترا في وضع يسمح لها بمنافسة اسبانيا على امريكا اللاتينية، فقد خرجت توها من حرب اهلية، بدأت انجلترا مغامراتها بعد فشل الحملة الاسبانية عليها في 1588، واخذت تفرض سطوتها على البحر مما مكنها من المشاركة في الحملات الاستعمارية، وتوجهت نحو المناطق الباقية التي لم تستعمر بعد وكانت امريكا الشمالية.

حاولت الشركات البريطانية من استخدام نفس استراتيجية الاسبان في السيطرة على نورث كارولينا فلم تفلح هذه الحملات، فشلوا في القبض على رئيس القبيلة، ورفض السكان الاصليين العمل الاجباري، ورفضوا تقديم مؤن للمستعمرين. اعاد الانجليز الكرة في نيوبورت عام 1607 وفشلت. فشلوا في القبض على الحاكم الذي لم يستجب لاغراءاتهم وتعامل معهم بندية، بل فرض عليه حصار عرضهم للمجاعة. اقتنع المستعمرون ان هذه ارض مختلفة وسكان مختلفون وعليهم اتباع استراتيجية مختلفة ولا يوجد وسيلة للثراء السريع. فلم يكن هناك ذهب وفضة لدى السكان ولا يمكن اجبارهم على العمل. ولضمان العمل سن قائد الحملة على المستوطنين الجدد قانون “من لا يعمل لا يأكل”. ويمنعهم من الهرب، والسرقة، او بيع اي شيء للسكان الاصليين، وعقوبة مخالفة اي من ذلك الاعدام. لم تنجح هذه الاجراءات في اجبار المستوطنين على العمل والسخرة. كما فشلت محاولات ملك انجلترا والنبلاء اللاحقة في فرض سيطرتهم واقامة نظام اقطاعي.

في 1618 تم استبدال هذه الاستراتيجية بسبب فشلها بسياسة اخرى يتم بموجبها توزيع مساحات من الاراضي على المستوطنين بالتساوي (خمسين ايكر)، ومساحة اضافية لكل من افراد العائلة، ومساكن مجانية وتم تاسيس هيئة (مقدمة للمجالس النيابية) تضم كل الرجال البالغين من المستوطنين لوضع القوانين للمستعمرة. 

هكذا بدأت نواة الديمقراطية القائمة على مؤسسات عادلة ومتساوية، نمت هذه الديمقراطية لتصنع من امريكا ديمقراطية بها من التوازنات بين مختلف المؤسسات بحيث لا تطغى مؤسسة على الاخرين. كما تم بموجبها منح المستوطنين محفزات بالتساوي يحفزهم على العمل والاستثمار بدلا من الاجبار القسري على العمل، ووضع قوانين تحفظ كرامتهم وحرياتهم واملاكهم، الى ان وضع الدستور الامريكي في 1787.

يبدوا واضحا لماذا تبنت الولايات المتحدة، وليست المكسيك، دستور يقوم على مبدأ ديمقراطي ويضع حدود للسلطة السياسية ويوزعها في المجتمع. فعندما جلس الممثلون للولايات في 1787 لوضع دستور امريكا كان الدستور نتاج لهذا التطور والصراع الذي دار بين المستوطنين والقوة المستعمرة والمصالح المرتبطة بها منذ عام 1619. فالفرق بين هذا المسار في وضع الدستور الامريكي والمسار الذي تمخض لوضع الدستور المكسيكي هو الفرق بين حكم الفرد وحكم المجتمع. استمرت المكسيك خاضعة لطبقة ارستقراطية وعسكرية، ورفضت محاولات النابليونيون بوضع دستور عادل.

النظام الامريكي منح حقوق اقتصادية واسعة للمواطنين مع بعض الاستثناءات. (باستثناء العبيد والسكان الاصليين والنساء) على عكس الوضع المكسيكي الذي اتسم بعدم الاستقرار السياسي وضعف الدولة وعدم احترام حقوق الملكية الفردية، واستغلال السكان الاصليين. استفادت امريكا فيما بعد من الثورة الصناعية وفتحت المجال لحرية الفكر وحماية حقوق الابتكار وتوسعت في منح الحريات والحقوق السياسية فاصبحت اقوى دولة في العالم.

لذلك لا ينبغي ان ننظر الى الرئيس الامريكا لكي يقدم لنا الحماية والمساعدة بل علينا اتباع الاستراتيجية والقيم التي جعلت من أمريكا وغيرها دول قوية وهي خلق المؤسسات الاقتصادية العادلة والمؤسسات السياسية التي تنشر السلطة وتشرك المجتمع في القرار وفي الثروات. لا تختلف هذه عن القيم الاسلامية الحقيقة التي نبذناها واستبدلناها بقيم جاهلية. 

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *