نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. المحاكات بين الشركات العائلية .. والنظم السياسية العربية

كيفية الحفاظ على نجاح الشركات العائلية

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٦ أبريل ٢٠١٧ – 

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1069004

تواجه الشركات العائلية تحديات البقاء على مدى الاجيال المتعاقبة. هذا التحدي جعلها تفكر في كيفية تنظيم نفسها وتحديث نظامها الداخلي. لهذه الغاية تم تشكيل جمعيات للشركات العائلية على مستوى العالم وعلى المستوى الخليجي بما فيه البحرين. تهدف هذه الجمعيات الى معالجة ومناقشة قضية هامة واساسية وهي ضمان استمرار الشركات العائلية بعد الجيل الاول ونشر اهمية قيم الشفافية والحوكمة والعدالة في ادارة المؤسسات. 

يقول رئيس مجلس ادارة جمعية الشركات العائلية الخليجية السيد عبدالعزيز الغرير أن نقل القيادة للجيل التالي مسألة غاية في الأهمية يتطلب حسن الاختيار من خلال امتلاك الشركات لنظام حوكمة مؤسسية مدروس وواضح يقوم على العدالة والشفافية والمساءلة لتفادي انهيار الشركة او تقسيمها. هذا السؤال كان مطروحا على الدول التي ظهرت واختفت على مر التاريخ بسبب نفس التحديات التي تواجه الشركات العائلية. واليوم نفس السؤال مطروح على كثير من دولنا العربية. 

في كل عمل تتداخل فيه الادارة والملكية (او السيادة في حالة الدول) يحتاج الامر الى فصل بين السلطات، هذا الفصل الغرض منه هو المحافظة على استقلال الوظائف وتوازنها لكي يستقيم العمل ويمنع الخلافات بين (القوى المكوِّنة) الابناء وابناء العمومة، هذا الفصل يجعل الشركات (والدول) تدار بشكل يأخذ في الاعتبار الفاعلية والكفاءة والمحافظة على مصالح الجميع ومنع المنازعات والاحقاد المدمرة. لذلك قامت جمعية الشركات العائلية الخليجية بوضع “ميثاق حوكمة الشركات العائلية الخليجية” يتضمن قوانين وهيكيلية تسهم في تطبيق أشكال متعددة للحوكمة منها: 

  • الحوكمة العائلية كيف تتعامل العائلة فيما بينها (او وضع الدستور الذي يحكم التعامل بين افراد المجتمع ويحدد الحقوق والواجبات)
  • حوكمة الملكية كيف تتصرف في الاملاك (او كيفية تحديد حقوق المُلْكية وقواعد استخدامها وحمايتها)
  • حوكمة الشركة كيف تدار الشركات مع تحقيق قواعد الشفافية وشروط تعيين القيادات التنفيذية والادارية ومحاسبتها (السلطة التنفيذية كيف يتم تعيينها ومحاسبتها)
  • حوكمة الثروة. كيف تدار الثروة واستثمارها وتوزيعها عائداتها.( كيفية ادارة الثروة وتنميتها وتوزيعها وتحديد القواعد الواضحة لادارتها واستثمارها لصالح الجميع)

تعتبر المنظومة (systems) او المؤسسة هي الاساس في اي عمل اداريا كان ام اقتصاديا ام سياسيا. تحدد هذه المنظومة الهيكل التنظيمي وعمليات ادارة العمل التي تقرر مدى كفاءة وفاعلية المؤسسة، او الشركة او الدولة. هناك بعض الاستثناءات (لهذه القاعدة) التي اعتمدت على عوامل طارئة غير قابلة للاستدامة او التكرار، كبروز قائد فذ في لحظة تاريخية مواتية. والدول والمؤسسات والشركات التي اعتمدت على ذلك لم تبقَ ولم تستمر بعد وفاة القائد او المؤسس. التاريخ مليء بالممالك والامبراطوريات التي قامت في فترة تاريخية تهيأت لها الظروف، ثم تبدأ مرحلة الانحطاط او الهبوط لحظة مغادرة المؤسس اوالقائد. قد تطول فترة الانحطاط او تقصر ولكنه مسار تسلكه الشركات والمؤسسات وحتى الدول التي لا تاخذ بمبادئ واسس التنظيم المؤسسي القادر على البقاء.

من هذا المنطلق برزة فكرة الحفاظ على الشركات العائلية من خلال اعادة تنظيمها واخضاعها الى منطق اداري مستدام لا يعتمد على المؤسس او على الابناء بل على نظام مؤسسي ومجالس ادارة، وادارة تنفيذية متخصصة، وبذلك يتم فَصل المُلْكية (اوالسيادة) عن الادارة وجعل اتخاذ القرار الاداري والتنفيذي والسياسي خاضع للمسائلة والتقييم والمحاسبة. 

قبل فترة التقيت باحد الاصدقاء الذي لم اره منذ فترة في احد مجالس العزاء، سالته عن حال الشركة التي يملكها فافاد بانه قام بتغير تنظيم الشركة بتحويلها الى اسهم احتفظ هو بنسبة منها ومنح كبار الموظفين لديه نسبة من الاسهم وجعلهم ملاك في الشركة كما منح ابنائه اسهم مماثلة. هذه الخطوة بالرغم من انها تبدو تضحية لا داعي لها، لكنها ادت الى زيادة حجم الشركة، واصبح نصيبه من الارباح اكبر من السابق. هذه حالة تُظهر كيف ان اعادة التنظيم هذه تبدو بسيطة ولكن تاثيرها على سلوك العاملين والمدراء والمسئولين كان كبيرا، وتوضح ان الشراكة في القرار وفي المسئولية تعمل في صالح المؤسسة وفي صالح الدولة وفي صالح اي تنظيم مُطالَب بنتائج ومساءل عليها.

في حديث الاستاذ خالد الزياني في مركز الجزيرة قال بان تجربتهم “جعلتهم يدركون ان الشركة تحتاج اى تسير على نظام عادل ومحكم ينظم العلاقة بين العائلة وإدارة الشركة ومن دون هذا النظام لا يمكن لشركات العائلة أن تستمر”. خلاصة القول هو ان ادارة الشركة اصبحت منفصلة عن العائلة، ومهمة العائلة تنحصر في مجلس ادارة يراقب عمل الادارة التنفيذية ويضع الرؤى والتصورات ويقدم مقترحات ومشاريع يتولى دراستها وتنفيذها الجهاز التنفيذي، وعندها يكون هذا الجهاز التنفيذي مسئولا عن نجاح او فشل المشروع، ويقدم تقارير دورية الى مجلس الادارة عن الاداء والانجاز. ويمكن تلخيص حديث الاستاذ خالد الزياني في العناصر الاساسية التالية:

  1. فصل ملكية الشركة عن ادارتها (اي ان لا يكون احد افراد العائلة هو الرئيس التنفيذي) وفي ذلك تكمن امكانية محاسبة الادارة التنفيذية على ادائها وبدون هذه المساءلة او الخلط بين ملكية الشركة وادارتها يفقدها القدرة على المحاسبة.
  2. ضرورة تطبيق الشفافية والعدالة والوضوح في الاختصاصات. فجميع اعضاء مجلس الادارة على علم بما يجري في الشركة وعلى اطلاع بالتقارير التي ترفعها الادارة التنفيذية. هذه الشفافية تضمن عدم دخول الشك في سوء التصرف في المال “العام”.
  3. القضية الثالثة هي فصل اموال الشركة عن المال الخاص لافراد العائلة ولا يحق لاي من افراد العائلة التصرف في اموال الشركة. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *