المنتدى الاقتصادي.. التحديات والتوصيات
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ١١ ٢٠١٩ – 01:00
مقال الاسبوع –انتهى المؤتمر الاقتصادي وتمخض عن عدد من التوصيات في اصلاح التعليم وفي تنويع الاقتصاد. هذه قضايا يتكررالحديث فيها ثلاثين سنة دون نتائج فماهي خطة مجلس النواب والشورى لتغيير الوضع. المشكلة الاصلية هي حرية الرأي في النقد. فرصة اصدار قانون صحافة متطور قد تكون المجال لفتح باب النقد لكي يتمكن المجتمع من معالجة مشاكله.
عقد مجلس النواب مؤتمره الاقتصادي لمناقشة تحقيق التوازنات الكلية في الاقتصاد الوطني (توازن بين الإنفاق والإيراد، توازن في ميزان المدفوعات، توازن في الحساب الجاري) وكذلك من أجل المحافظة على الاستقرار النقدي، وتنويع قطاعات الاقتصاد الوطني وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. والسؤال الآن هو إلى أي حد تمكن المنتدى من وضع حلول توافقية لتجاوز التحديات؟.
حدد المنتدى عددا من التحديات هي: أولا: القدرة على التنويع الاقتصادي، ثانيا: رفع مستوى المعيشة، ثالثا: التعامل مع الوضع المالي القائم، رابعا: خلق بيئة من التعاون بين مختلف الجهات ذات العلاقة، خامسا: تطوير تنافسية الاقتصاد الوطني، سادسا: التغلب على الفكر الريعي، وأخيرا أن تتمكن الجهات الفاعلة من التمسك بالمبادئ الواردة في الميثاق وهي (الحرية الاقتصادية، العدالة والتنافسية، وتنويع النشاط الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل، والحفاظ على الأموال العامة والثروات الطبيعية وصيانتها باعتبارها ملكًا للجميع).
قدم المنتدى الحلول في صيغة توصيات بلغت 21 توصية، لكنها لم تستند إلى تحليل للتحديات، ولا ربط التحديات مع بعض لمعرفة تأثير تفاعلها على المجتمع ومستقبله، باستثناء بعض التحليل الوارد في ورقة مجلس الشورى. يمكن تقسيم التوصيات إلى أربع فئات هي: التنمية الاقتصادية، رفع مستوى المعيشة، تعزيز التعاون مع السلطة التنفيذية، والميزانية العامة ووسائل تقليل العجز في الميزانية. ونرى أن أهم هذه التوصيات هي ما يتعلق بالتنمية وبرفع مستوى المعيشة وسوف نفصل فيهما ونطرح تساؤلات حول تحققها.
أولا: شملت التوصيات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية أربعة محاور هي: تعزيز بيئة استثمارية قادرة على خلق فرص عمل، وتطوير القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بوجه خاص، إصلاح التعليم وتشجيع الابتكار. بالنسبة للبيئة الاستثمارية فقد ارتأى المنتدى تعزيزها من خلال تطوير البنى التحتية؛ وتحرير الاقتصاد من الممارسات الاحتكارية؛ تعزيز الشفافية والعدالة بين الموردين والمقاولين؛ تفعيل الدور الرقابي للسلطة التشريعية؛ رفع كفاءة واستدامة الخدمات العامة؛ وأخيرا العمل على تسهيل إجراءات دخول المؤسسات والشركات إلى سوق العمل.
نفترض في مناقشتنا أن التوصيات تمثل معالجة موجهة إلى حالة أو حالات معينة. لكن نجد أن هناك توصيات اتسمت بالعمومية لا تحدد خطوات تنفيذ ولا مقترحات تشريعية يمكن الاعتماد عليه. فمثلا عندما تقول التوصية «تشجيع المبادرات لدعم الإبداع والتفوق والاستثمار في المواطن للارتقاء بمستواه المعيشي». توصية جميلة وتصل إلى أعماق ما نحصل من مخرجات التعليم ونقص في الاستثمار المُخاطِر. لكن هل سيتم تقديم مشاريع قوانين حولها أم سيتم إصلاح المؤسسات المعنية بالتعليم والتدريب، وكيف سيتم الاستثمار في المواطن وما المهارات التي سيتم تقويتها والاهتمام بها؟.
ثانيا التوصيات المتعلقة بالبيئة الاستثمارية أو الكفاءة الإدارية هي أولا «تفعيل الدور الرقابي للسلطة التشريعية بشكل يضمن الاستثمار والاستخدام الأمثل للموارد وضمان سير الخطط وفق رؤية البحرين الاقتصادية 2030 وبرنامج عمل الحكومة». كيف سيكون تفعيل الدور الرقابي؟ وهل المقصود تقوية صلاحيات المجلس الدستورية في المساءلة، أم إدخال تعديلات على اللائحة الداخلية أو إنشاء مؤسسات رقابية إضافية مثل هيئة مكافحة الفساد مثلا أو سن «قانون أداء» يطالب الجهات التنفيذية بوضع معايير أداء تلتزم بها أسوة ببعض الدول التي لديها قوانين أداء، أم أن المقصود هو اجتهاد فقط ضمن الأدوات المتوافرة، علما بأن تجربة ست عشرة سنة في المجلس أثبتت أن الأدوات تحتاج إلى تعزيز.
ثانيا: هناك توصية تتعلق بـ«رفع كفاءة واستدامة الخدمات العامة»، ويدخل ضمن هذا التوصيف كل الخدمات التي تقدمها الدولة مثل الصحة والتعليم والإسكان والكهرباء والصرف الصحي وغيرها. هذه التوصية تتطلب أولا تقييم كفاءة الأداء الحالي لهذه الأجهزة وفق معايير متفق عليها لكي يمكن إقناعها بضرورة الإصلاح. على الأقل بالنسبة إلى التعليم هناك تقييم سنوي يتم من قبل هيئة ضمان الجودة، فمتى تطرق المجلس التشريعي لهذا التقرير ووضع تشريع أو مقترح لذلك، هذا يجرنا إلى القول بأهمية وضرورة وضع تشريع يطالب جميع الهيئات والأجهزة التنفيذية بنشر نتائج أدائها وليس إنجازاتها من المشاريع والمؤتمرات التي لا تؤثر على الناتج النهائي.
ثالثا: توصيات تتعلق بخلق فرص عمل مثل «إيجاد التشريعات اللازمة لتوسيع قاعدة التنمية الاقتصادية بهدف ضمان استمرارية خلق الوظائف النوعية في سوق العمل لتوفير فرص عمل لائقة للمواطنين، ولم يذكر المنتدين نوع هذه التشريعات التي توسع قاعدة التنمية الاقتصادية وتؤدي إلى تنويع الاقتصاد وخلق وظائف نوعية في سوق العمل، لا يمكن تفعيل هذه التوصية معتمدين على القطاع الخاص في البحرين. وما دامت الدولة مصرة على أن القطاع الخاص هو المحرك للاقتصاد وأن دور الدولة فقط منظم له، فإن تنويع قاعدة الإنتاج وتنويع الاقتصاد سيواجه مصاعب وعقبات ناتجة من عقلية الفكر الريعي.
تحدث مجلس النواب في ورقته حول «التحول عن الفكر الريعي»، لكنه لم يقدم أي مقترحات أو توصيات في مواجهة هذا الفكر الذي يعتمد على الربح السريع من الإنفاق العام. وحتى المقترح الذي يتحدث عن محاربة الاحتكار فإنه غير قادر على مواجهة فكر ريعي متجذر على مدى نصف قرن وأصبحت منافسته محدودة جدا. محاربة هذه العقلية الريعية لا بد أن تبدأ بمبادرات واضحة في تنويع الاقتصاد وتحويله إلى معرفي إنتاجي من خلال تجويد التعليم والتدريب وإنشاء صناعات وتوظيف بحرينيين وتأهيلهم.
خلاصة القول هو أن هناك تشريعات أساسية مطلوبة لتحقيق شيء من هذه التوصيات ومتابعة عمل الأجهزة التنفيذية بشكل يطور من أدائها. أول هذه التشريعات هو «قانون الأداء» الذي بموجبه يطالب كل جهاز تنفيذي بنشر استراتيجيته لتحقيق برنامج الحكومة بشكل يوضع فيه الأهداف بتفصيل ووضع أولويات له يستخلص منها مؤشرات أداء وهدفا يلتزم بتحقيقه خلال أربع سنوات، فمثلا بالنسبة إلى التعليم يكون الهدف تقليص عدد المدارس الحاصلة على تقدير غير ملائم إلى 10% خلال أربع سنوات وزيادة المدارس الحاصلة على ممتاز إلى 30% في نفس المدة. في كل من المدارس الابتدائي والإعدادي والثانوي كل على حدة.
ثانيا: أن ينتهز المجلس فرصة وجود «قانون الصحافة» لجعله فعلا قانونا عصريا يسمح بنقد كل الأجهزة التنفيذية ويجبرها بتوفير المعلومات وفق «قانون حق الحصول على المعلومات». حينها ربما نكون وصلنا إلى قدر من تطلعات ما ورد في الميثاق.