نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. بناء الشخصية وحاجة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٢ نوفمبر ٢٠١٧ – 01:20

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1098152

لم يذهب الولد إلى المدرسة بسبب حالته الصحية، أراد والده أن يرسله إلى بيت جدته بدلا من البقاء في البيت لوحده مع الشغالة لكنه رفض وأراد ان يبقى في البيت مع ألعابه، حاولت جدته إقناعه لكنه رفض. في نهاية الأمر كان للولد البالغ من العمر ثماني سنوات ما أراد. يا ترى إلى متى سوف يستمر هذا الولد يتمتع بحرية القرار والقدرة على الصمود في وجه سلطة الأهل وسلطة المدرسة وسلطة المحيط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؟ كان بإمكان الوالد أو الجدة إجباره على ما أرادوا ليكونوا أكثر اطمئنانا عليه. لكن ذلك سيكون على حساب تنمية شخصيته الفردية القادرة على اتخاذ القرار وتحديد مصلحته والعمل بموجبها. 

سوف يمر هذا الولد بمراحل في حياته المدرسية ويواجه عددا من المدرسين والسلطات المختلفة التي سوف تفرض سلطتها عليه وتقرر هي مصلحته وتحد من قدرته على اتخاذ القرار والتمتع بالحرية في الإفصاح عن ما يريد، وتفرض ضريبتها على شخصيته وقدرته على اتخاذ القرار والثقة في النفس. كم سيبقى من شخصية الطفل بعد أن يمر بهذه المراحل في التعليم الذي يطالبه بحفظ مقطوعات وإعادة تكرارها، وفي الحياة العائلية والحياة الاجتماعية والعملية التي تفرض عليه رؤيتها في كل خطوة من خطوات حياته وتسرق منه خصوصيته واستقلاليته وحقه في اتخاذ قراراته؟

للأسف هكذا تربت أجيال عربية منذ الانحطاط في الحضارة الإسلامية. السلطة التقليدية تفرض على الأجيال المتعاقبة مفهومها للمصلحة ومفهومها للصح والخطأ ومفهومها لما هو مفيد وما هو مضر. الآن أنظمة التعليم في الوطن العربي تواصل هذا الهجوم على فردية الإنسان العربي وعلى شخصيته وعلى قدرته في اتخاذ القرار وفي حرية التعبير عن رغباته وقناعاته وتفرض عليه الآراء المعلبة التي تركها لنا السلف الصالح، وتعطيه المعلومة التي تريد وتمنع عنه ما لا تريد. هكذا قتلنا في شبابنا القدرة على الابتكار والقدرة على الإبداع. المثل الشائع لدينا هو ان «الأولين لم يتركوا للتاليين شيء».

في مثل هذه الأجواء نطالب من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الإبداع والابتكار، ونطالب من تلاميذ المدارس عدم الاتكال على الحكومة وعلى الشركات الكبيرة في التوظيف وندعوهم لشق طريقهم بجهدهم في الوقت الذي يرون فيه ان الوصول يحتاج إلى معارف وليس جهدا وعملا. 

بالرغم من ذلك تحاول المنظمات العربية وبعض السلطات دراسة سبل تشجيع الابتكار والإبداع في الشباب. من ضمن هذه المؤسسات يصدر صندوق النقد العربي تقريرا (10 أكتوبر 2017) حول «بيئة أعمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية الوضع الراهن والتحديات».

يقول صندوق النقد العربي انه نتيجة الأزمة المالية عام 2008 وتقلبات سوق السلع الأساسية بات على الدول العربية ضرورة تبني إصلاحات اقتصادية وهيكلية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي ودعم النمو المستدام. في مقدمة هذه الإصلاحات تطوير وتهيئة البيئة المواتية لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة أملا ان يستطيع هذا القطاع دفع عجلة النمو وتوفير فرص عمل، والمساهمة في تنويع الاقتصادات ورفع معدلات نموها.

شمل التقرير طبيعة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومساهمتها في الناتج وتوفير فرص عمل، كما تحدث عن الأطر التشريعية والمؤسسية، وقضايا التمويل، ومجال بناء القدرات، واهم التحديات التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة. 

تعمل الدول العربية على تقديم برامج تدريبية ودعم فني للشركات الصغيرة والمتوسطة لرفع قدرتها التنافسية وتمكينها من مواجهة التحديات في الأسواق الداخلية والخارجية. وتضع عدد من الدول العربية استراتيجيات وخطط قومية وبرامج لبناء قدرات المشروعات وتشجيع ريادة الأعمال. لكنها لا تتطرق إلى عمليات الإعداد في مراحل ما قبل المدرسة وفي المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية لهذه القدرات. 

فمثلا ترى الدول العربية أن توافر البنية التحتية للتدريب ومكاتب تقديم الخدمات الاستشارية لخريجي الجامعات والرواد من الشباب مع تقديم الدعم الفني والتقني ودعم مادي في تحمل تكاليف الاستشارة والتدريب له أهمية كبيرة في خلق البيئة. إلى جانب توفير المساعدة للمشاريع المتعثرة. لكنها لا تسهب في التحليل كيف تم تطوير شخصية وفردية المواطن وقدراته الذاتية في الإبداع والابتكار.

يقول تقرير آخر لصندوق النقد العربي (2013) أن احد أهم المعوقات هو عدم انتشار ثقافة المبادرة والابتكار وتوفير الظروف الملائمة له، وثانيا تحسين إمكانية الوصول إلى المعلومة والمعرفة. ويعزو ذلك إلى عدم الاستقرار السياسي، انتشار الفساد، ارتفاع معدلات الضريبة، المنافسة غير العادلة من القطاع غير الرسمي. هذه عوامل مهمة وأساسية. لكن كيف نخلق ثقافة الابتكار دون بناء شخصية الفرد؟ ما ورد في التقارير يتجاوز مراحل التربية والتعليم التي تقيد الإنسان، كما لا يتحدث عن كيف يمكن توفير المعلومة والمعرفة في بيئة ترفض المشاركة السياسية من حيث المبدأ وتعتبر كل معلومة ملك دولة لا يجوز نشرها الا بموافقات خاصة. وينتهي التقرير بأن من الأسباب الرئيسية هي قلة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مقارنة بالدول المتقدمة، وعدم وجود جهة مسؤولة عن الشركات الصغيرة والمتوسطة تتابع نتائج الخطط والبرامج وتأثيرها على أداء الشركات الصغيرة والمتوسطة. 

في نهاية المطاف نرى ان هذا التوصيف للبيئة الابتكارية يحتاج إلى ان يصل إلى عمق المشكلة، ويعالج التأهيل التربوي والاجتماعي والسياسي المطلوب لبناء الشخصية التي تقبل التغيير والمخاطرة والريادة، الشخصية الناقدة المتسائلة والواثقة من نفسها ومن النظام الذي يحكم سلوكها وتصرفاتها. وان يضع مواصفات للمؤسسات الواجب تواجدها لتهيئ له القدرة على تنمية شخصيته المبدعة.

 mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *