نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

تعديل نظام التقاعد ان تم تمريره فهو ويكافئ الهيئة على سوء الأداء في الاستثمار ويمنح الهيئة حق التخلي عن التزاماتها ويعرض امن واستقرار البحرين للخطر.

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1125862

تستمر قضية التقاعد تشغل الرأي العام لما لها من أهمية لحياة شريحة كبيرة من المواطنين. القضية تشمل حوالي 55 ألف مواطن متوسط رواتبهم 775 دينارا. يخفي هذا المتوسط وراءه نسبة كبيرة (31%- أو 17 ألف مواطن تقريبا) لا تتجاوز رواتبهم التقاعدية 400 دينار، معظمهم في القطاع الخاص، كما يخفي وراءه نسبة لا يستهان بها ممن لا تتجاوز رواتهم التقاعدية 250 دينارا، ومع كل ما تعانيه هذه الفئة من مشاكل صحية والتزامات عائلية وأقساط فإن وضعهم يزداد أهمية، وخصوصا أن ذلك سيكون مصير معظم مواطني البحرين.

في ضوء ذلك، لا غرابة من انشغال الرأي العام بهذا التعديل ومطالبته لمجلس النواب برفضه واعتباره حلقة من حلقات التضييق على المواطن. وطرح أسئلة منها لماذا تم اختيار طرح القانون في هذه الفترة النهائية من عمر المجلس؟ ولماذا بصفة الاستعجال؟ وما هي مبررات رفض الجمع بين راتبي تقاعد في الوقت الذي يتسلم بعض المواطنين راتبين أثناء العمل؟

في جلسته بتاريخ 5 يونيو الجاري رفض مجلس النواب، وبالإجماع، التعديلات المقترحة على قانون التقاعد. أوضحنا في مقال سابق ان التعديلات تمنح مجلس إدارة هيئة التأمينات الاجتماعية غير المنتخب صلاحيات واسعة تمكنه من تخفيض المعاش التقاعدي وتوقف الزيادات السنوية وترفع نسب الاشتراك، أي أن التعديل يتيح خيار تقليل الإنفاق من الصندوق وزيادة نسبة الاشتراكات، بدلا من الابتكار والابداع في الاستثمار وخلق فرص عمل وتنمية مواردها.

تم عرض مقترح التعديلات على اللجنة القانونية بمجلس الشورى، فجاء ردها انه «من الأفضل اغضاب بعض الناس اليوم ولا عجز الصندوق عن دفع معاشات المتقاعدين غدا». هذا التعبير (الذي نأمل ألا يمثل رأي مجلس الشورى) يضع المجلس أمام خيارات محدودة وهي إما الموافقة على التعديلات اليوم وإما التسبب في العجز المستقبلي. لكن هذه الخيارات غير شاملة وتعبر عن تبني موقف هيئة التقاعد ولا تنظر إلى المشكلة بكامل تداعياتها ولا يطرح التساؤل حول أساس المشكلة، ولا يؤخذ في الاعتبار ما قيل وكتب حول ضعف أداء الهيئة الاستثماري مقارنة بصناديق مشابهة.

والسؤال المطروح الآن هو لو كان التعديل دستوريا، هل يملك مجلس النواب خيار الموافقة عليه؟ المشكلة ليست في دستوريته من عدمها، وإن كنا نميل إلى ان التعديل مخالف لروح الدستور ومبادئه التي تقوم على فصل السلطات. المشكلة هي انه يمس جزءا مهمًّا من العقد الاجتماعي والاقتصاد السياسي للدولة الريعية والتي تعتمد على إعادة توزيع الثروة بطرق مختلفة ومنها نظام التقاعد! وأي مساس بهذا المبدأ سيقع ضمن نطاق القرارات التي من المفترض ان تنظر إلى تداعيات القرار وتأثيره السياسي والاجتماعي، وعواقبه على الامن والاستقرار، وبالتالي فإن هذا القرار لا يجب أن يصدر عن هيئة غير منتخبة لا تتحمل تبعات القرارات السياسية.

يقول كريستيان اولريتشسن (Kristian C. Ulrichsen، 2011. p78) في كتابه حول امن الخليج، «ان دول مجلس التعاون تمر بمرحلة ما بعد النفط، وهي مرحلة تَحَوُّل من دولة ريعية إلى دولة جابية للضرائب (وإن كان التحول بطيئا لا يشعر به المواطن). وجود النفط فرض معادلة الاقتصاد السياسي في المنطقة، وقد لعب (النفط) دورا أساسيا في الحفاظ على هذه المعادلة وعلى آلية إعادة توزيع الثروة. وحددت هذه المعادلة علاقة الشعب بالدولة». ونظام التقاعد وما يقدمه للمواطن من حقوق هو جزء أساسي من المعادلة في توزيع الثروة وحجر زاوية في الاقتصاد السياسي النفطي. اتخاذ قرارات غير مدروسة وغير متوافق عليها شعبيا تخل بهذه المعادلة، وتضعف الوضع الأمني وتمثل تحديا لدولة في طور التحول، وقد تقوض قدرتها على تحقيق الاستقرار.

لذلك نرى أن موافقة الشورى (إن تمت) على التعديل تستند على دستورية التعديل، وبذلك فهو يغفل الجانب المهم من تداعيات هذا القانون مثل الانتقاص من صلاحيات التشريع للمجلس النيابي والشوري. كما يتغافل المجلس عن عبارة «إطالة عمر الصندوق» التي أوردتها الهيئة في تبريرها لتمرير التعديل. الهيئة لا تلتزم باستمرار عمل الصندوق حتى مع تمرير التعديلات، بل انها ترى ان ذلك فقط سوف يطيل عمر الصندوق! كم سنة هذه الاطالة يا مجلس الشورى؟ وهل ترون ان الهيئة مطالبة بتوضيح ذلك؟

المأخذ الآخر هو ان مجلس الشورى يتوخى من تمرير التعديل ان تستمر الهيئة في «تنفيذ كل التزاماتها». لكن التعديل يحول هذه الالتزامات إلى قرارات تصدرها الهيئة وتستطيع ان تصدر غيرها إذا وجدت انها لا تستطيع الالتزام بها، أي ان مبدأ الالتزام قد زال. والتعديل يمنح الهيئة ان تتخلى عن أي التزام، فهي قادرة على تغيير ما لا تستطيع الالتزام به.

يرى مجلس الشورى ان مجلس النواب فوت على نفسه فرصة إجراء تعديل على القانون تمكنه من التأثير في إجراء تعديلات على قرارات الهيئة. ومع ان ذلك موضع جدل، إلا ان أعضاء الشورى الآن امامهم فرصة القيام بذلك وتقديم اقتراحات لإصلاح عمل الهيئة، ووضع قواعد لتعيين إدارة الهيئة مبنية على منافسة مفتوحة في السوق لاستقطاب افضل الكفاءات الاستثمارية لتنمية هذه الموارد، ووضع اطار تنموي تتم من خلاله قرارات الاستثمار بما يخدم التنمية وخلق فرص عمل بشكل عام، ومطالبة الهيئة بمعيار أداء متمثل في نسبة من العائد على الاستثمار تضمن استمرار المعاشات التقاعدية وليس إطالة عمر الصندوق فقط.

إن افلاس الصندوق لا يتم بسبب زيادة الالتزامات وضعف الاشتراكات فقط، بل قد يكون السبب سوء إدارة الاستثمار وعدم تحمل المسؤولية عن الأداء وكفاءة استخدام الموارد. النقاش حول هذا القانون في مجلس الشورى يجب أن يُستغل لإجراء عملية إصلاح حقيقي في هيكل الهيئة ونطاق عملها ومسؤوليتها في الاستثمار، مع منحها استقلالية تمكنها من حسن استثمار الموارد المالية تحت تصرفها. أما إثقالها بمسؤولية قرارات سياسية/ اقتصادية تضر بأمن واستقرار البلد فلا نرى فيه حكمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *