- حديات المشروع الاستراتيجي للإنتاج الوطني للغذاء
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الخميس ١٥ أبريل ٢٠٢١
مقال الاسبوع- الامن الغذائي موضوع مهم لا يمكن تحقيقه من خلال اكتفاء ذاتي بل من خلال سياسات خارجية وتشجيع الانتاج المجدي اقتصاديا وتوفير التوازن بين المصالح المتضاربة في استخدام الاراضي والبحر، هناك نخب تهيمن على البر والبحر في مقابل مزارعين وصيادين ليس لهم تمثيل سياسي حقيقي تحمي مصالحهم والمصلحة العامة في الامن الغذائي وخلق فرص عمل في النشاط الزراعي والسمكي.
أحال مجلس الشورى في جلسته الأخيرة اقتراحا بقانون حول «المخزون الاستراتيجي للسلع». وفي النقاش دار الحديث عن عدة مفاهيم تدور حول الموضوع منها توجيهات جلالة الملك «بضرورة وضع وتنفيذ مشروع استراتيجي للإنتاج الوطني للغذاء»، ومفهوم آخر يتعلق بالاكتفاء الذاتي.
ومؤخرا تزايد الحديث عن الأمن الغذائي والإنتاج الحيواني، فقد أعلن وزير الأشغال في (16-10-2019) أن الوزارة تعمل على «تسريع تنمية القطاع الزراعي» وقال في اجتماعه مع جمعية البحرين التعاونية الزراعية إن الوزارة وضعت «حزمة من المشروعات للنهوض بالقطاع الزراعي» وأن هناك مبادرات (ضمن مشروع استراتيجي للإنتاج الوطني للغذاء) باتباع أساليب جديدة في الإنتاج، مع تنظيم دورات تدريبية لإعداد كوادر بحرينية.
وقد أعلن وكيل الوزارة الدكتور نبيل أبو الفتح أن الوزارة تبحث مع «انوفست» لإطلاق مشروع استثماري في الاستزراع السمكي (25-3-2020). وقد نظمت ندوة في (19 يوليو 2020) سلطت الضوء على قضية توزيع الأراضي على غير المختصين وعلى أهمية تكنولوجيا الزراعة المائية.
بالنسبة إلى البحرين ليس ممكنا الحديث عن اكتفاء ذاتي على مستوى الإنتاج الزراعي (والحيواني والسمكي)، ولا توجد دولة تتحدث عن اكتفاء ذاتي، لكن الأهم التركيز على قضيتي الأمن الغذائي كمخزون استراتيجي، والإنتاج الوطني للغذاء، من حيث إنهما يلبيان متطلبات تنموية منها فتح فرص عمل وتنويع الاقتصاد. وهذه جوانب إنتاجية واعدة يمكن تطويرها للتصدير والمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي خصوصا مع التقدم التكنولوجي في هذه المجالات. غير أن هناك تحديات عدة علينا التعامل معها سواء في مجال الزراعة أو الإنتاج الحيواني أو الاستزراع السمكي.
من ضمن التحديات ما تطرق إليه الدكتور وليد زباري (جامعة الخليج العربي) في سياق حديثه عن الأمن الغذائي وربطه بالأمن المائي، وقد تحدث عن أربعة أبعاد محددة لأمن الغذاء تشمل توفير الغذاء واستقراره، وسعره مقارنة بمتوسط الدخل، والقوة الشرائية للمواطن، والقيمة الغذائية التي يوفرها للمواطن.
ما يهمنا في هذا المقال هو البعد المتعلق بسعر المنتج الوطني والقوة الشرائية للمواطن. لا يرتبط ذلك فقط بوفرة المنتج ولكنه كذلك مرتبط بمستوى معيشة المواطن والأجور السائدة القادرة على الشراء، والدخل الذي يوفره ذلك للمزارع لتغطية نفقاته وتحقيق مستوى من الربح يمكنه من الاستمرار في الاستثمار وتطوير زراعته. سيواجه المزارع كذلك منافسة خارجية قد لا تسمح بتحقيق أرباح كافية.
التحدي هنا في أن يعتمد المزارع البحريني الابتكار والإبداع في استخدام الموارد المائية والموارد الأخرى. فهل ستقوم الوزارات والهيئات المسؤولة عن الأمن الغذائي والإنتاجي في دعم المزارع والمنتج البحريني بما يمكنه من المنافسة وتحقيق مستوى من الدخل ييسر له الاستدامة؟
كذلك هناك تحديات تشريعية في حماية البيئة والحياة الفطرية وتوفير الأراضي الزراعية، وتيسير الاستثمار في الأراضي للاستزراع السمكي.
يرى مجلس الشورى أن قوانين حماية البيئة غير كافية وهذا يؤثر في الوفرة السمكية وانقراض بعض الكائنات الحية والعبث بالتوازن البيئي بشكل عام. صحيح أن بعض التأثير راجع إلى التغير المناخي العالمي، لكن هناك عبث محلي دمر الحياة البحرية وأضعف الثروة السمكية ومازال. المطلوب حسب رأي عضو مجلس الشورى فؤاد الحاجي وجود تشريع صارم يحد من هذا العبث حيث إن «الصيد الجائر هو إعلان حرب على البحر». الصعوبة في وضع مثل هذه القوانين هو التضارب بين المصلحة العامة في حماية الحياة الفطرية والثروة البحرية من جهة، والمصلحة الخاصة في التوسع في الدفان من أجل الإنشاءات والمدن البحرية، ومن جهة ثالثة مصالح من يهمه استمرار الصيد الجائر وإغراق البحر بالعمالة الوافدة؟ فهل سنتمكن من الموازنة بين هذه المصالح؟ وما تأثير تأخر التشريعات في مستقبل الثروة السمكية؟
يبقى التحدي الأكبر هو الزحف العمراني على الأراضي الزراعية، وبحكم حجم البحرين فإن وقف ذلك سيكون صعبا خصوصا وأن الأراضي تتحكم فيها رؤوس أموال تريد أن تستخدمها في ما يدر أرباحا أكثر. لذلك هذا يحتاج إلى تشريع يمنع توزيع الأراضي الزراعية على غير المزارعين. وبالتالي فالتشريع والدعم الحكومي ضروريان لتنفيذ «استراتيجية المشروع الوطني للإنتاج الغذائي» وتحقيق الأمن الغذائي وتنويع الاقتصاد.
يتطلب الأمر خلق توازن في الوضع التفاوضي بين المزارعين والصيادين من جهة ومتخذي القرار الاقتصادي فيما يتعلق بالزراعة والثروة السمكية وتوزيع الأراضي من جهة أخرى. فقد طالبت دراسة لجمعية سترة للصيادين (أعدها الدكتور إبراهيم عبدالرحيم ونشرتها «أخبار الخليج») تنادي بضرورة مشاركة الصيادين في صناعة قرار الصيد للمساهمة في بلوغ مستويات أفضل في إدارة الموارد السمكية. مشاركة الصيادين (ومربي الحيوانات والعاملين في الاستزراع السمكي) سيكون له تأثير إيجابي على جودة القرار وشموليته لمختلف المصالح ومراعاتها. إذ إن هذه المشاركة تفعل آلية جديدة في اتخاذ القرار تنبع من الأسفل إلى الأعلى (هذا ما حدث في الثورة الفكرية والزراعية الغربية في القرن العاشر فكانت من مقدمات للثورة الصناعية). هذا التوجه (إشراك المواطنين في مختلف القرارات) سيكون له تأثير إيجابي على جميع القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالأمن الغذائي على مستوى البحرين والخليج العربي.
في الخلاصة ليس عمليا أن يكون الحديث عن أمن غذائي بالاكتفاء الذاتي وإنما يكون من خلال فتح قنوات كثيرة لتوفير الغذاء الزراعي والحيواني والسمكي مع الاهتمام بالإنتاج المحلي المجدي اقتصاديا، كنشاط اقتصادي وليس من باب الاكتفاء الذاتي. بالرغم من أهمية العمل في هذا المجال على مستوى البحرين إلا أن النجاح لا بد أن يكون ضمن رؤية خليجية تتكامل فيها المشاريع وتتنوع لتقليل الاعتماد على الخارج كدول خليجية وليس كل دولة على حدة. فما هي مشاريعنا الخليجية المشتركة مع الجوار اليمني والعراقي. إن الأمن الغذائي لا ينفصل عن الأمن الكلي ولا ينفصل عن التكامل الخليجي والسياسة الخارجية تجاه الجوار. وقد أشار إلى ذلك الدكتور خالد حسن (وكيل الثروة الحيوانية في وزارة الأشغال) الذي يرى زيادة الإنتاج للوصول إلى نسبة أعلى من الأمن الغذائي وليس كما يقول الآخرون اكتفاء ذاتيا. ويضع دكتور خالد بعض المؤشرات لسد الفجوة الغذائية وتوفير 23% محليا من استهلاك الدجاج مثلا. ما لم تكن هناك سياسة خليجية واضحة فإن جذب المستثمر الأجنبي لن يكون يسيرا، سواء كان ذلك في الزراعة أو في الثروة الحيوانية أو الاستزراع السمكي.
mkuwaiti@batelco.com.bh