نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. دور القطاع العام في الاقتصاد والبحث العلمي

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تاريخ النشر 13 يوليو 2007 

مما لا شك فيه ان المجتمع البحريني يسير في محاولات حثيثة وجادة نحو رفع مستوى المعيشة في البلد وتحسين ظروفها والسعي الى جودة الحياة والكرامة الانسانية . يتضح ذلك من اهتمام جلالة الملك والقيادا السياسة الاخرى كما يتضح من برامج النواب في حملاتهم الانتخابية ومقترحاتهم في جلسات المجلس. 

ومن المعروف ان البحرين تتبع استراتيجية تعتمد على تفعيل دور القطاع الخاص والتوجه نحو الاقتصاد المعرفي وقد اتخذت قرارات هامة حول انتهاج مبدأ الخصخصة وتشجيع القطاع الخاص على استلام القيادة في التنمية الاقتصادية. كذلك تجري تحركات حثيثة عملية تهدف الى جلب رؤوس الاموال الاجنبية وقد نجحت الى حد كبير بفضل كون البحرين من اكثر الدول العربية انفتاحا اقتصاديا.

السؤال هو هل ستنجح جهود الحكومة والنواب في رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة للمواطن؟ لنبدأ بالنظر الى محاولات مجلس النواب اولا. ففي احسن الحالات قد يتمكن المجلس من رفع مستوى المعيشة 50% وقد يكون ذلك ممكنا بفضل ارتفاع سعر النفط لكن هلي سيكون ذلك ممكنا في حال انخفاظ سعر النفط او اذا بقي على نفس المستوى لعدد من السنوات؟ ان العالم لا يقف والاسعار في ارتفاع مستمر  فهل سيكون هذا الارتفاع في الراتب كافيا بعد خمس سنوات مثلا لمواجهة ارتفاع الاسعار في السلع المستوردة والمواد الغذائية التي تتاثر بمستوى المعيشة في الدول المنتجة؟ وبالتالي فان راتب 300 دينار الذي يطالب به النواب كحد ادنى قد يكون معقولا اليوم، لكن ماذا بعد خمس سنوات مثلا؟  بالاضافة الى ذلك فان رفع الرواتب قد يؤدي الى زيادة التضخم وتآكل الزيادة الممنوحة.

من ذلك يمكن القول بان الحلول التي تعتمد على رفع الرواتب لن تكون مجدية على المدى البعيد. واذا اضفنا الى ذلك صعوبة تطبيق الزيادة في الرواتب على القطاع الخاص والمرتبط بشكل كبير بالقدرة الانتاجية للعامل والربحية للمؤسسة ندرك انه لا بد من الاتجاه الى وسيلة اخرى لرفع مستوى المعيشة والحياة الكريمة للمواطن.

ان تحسين مستوى المعيشة يعتمد على عدد من العوامل اهمها رفع انتاجية الفرد والمجتمع، وهذا في حد ذاته مرتبط بعوامل اخرىمثل خلق فرص عمل تعتمد على الاستثمارات من الداخل والخارج في مشاريع انتاجية مختلفة مثل الصناعة والبحث العلمي والخدمات والبنى التحتية بهذا الترتيب وبشكل متوازي ومتزامن. 

والاستراتيجية التي انتهجتها البحرين تعتمد على اقتصاد معرفي يكون قادرا على خلق فرص عمل ذات قيمة مضافة عالية ومردود مادي مجزي يسمح برواتب يقبل عليها البحرينيين، وتعتمد الاستراتيجية على القطاع الخاص لتحقيق ذلك.

الاسئلة التي تبرز في هذا المقام تنحصر في اربعة محاور: الاول يتعلق بنوعية الاقتصاد الصالح للبحرين. فمثلا ما نوع التقنية والمعرفة المطلوب تطويرها ؟ واي الدول ستكون مصدر هذه المعرفة وهل ستكون هذه الدول مستعدة لتوفير المعرفة والتقنية؟ وهل يعتبر توريد المعرفة من اي دولة والاعتماد عليها ارتهان لمستقبلنا بهذه الدولة او تلك؟

والثاني يتعلق بالاسلوب الذي سيتبع لتطوير الاقتصاد المعرفي وقدرة القطاع الخاص بوضعه الحالي على قيادة مثل هذا النوع من الاقتصاد؟ وهل الاستثمارات المطلوبة متوفرة؟ والثالث يتعلق بنوعية الثقافة المجتمعية وهل تحتاج الى تطوير لتقبل العمل الانتاجي وتقديره؟ وما دور كل فئة في المجتمع للقيام بدورها لانجاح التجربة؟ والرابع يتعلق بالاصلاح السياسي والتشريعات المساندة المطلوبة لتطوير مثل هذا الاقتصاد والمساواة والعدالة المجتمعية التي تفرضها هذا النوع من الثقافة؟ مثل توزيع الثروة، ونظام الضرائب، واسلوب المساءلة والمحاسبة، اي اصلاح المنظومة الاجتماعية بشكل عام.

نتطرق اولا الى مجال المعرفة المطلوب الاستثمار فيه وما هي الخطط التي انتهجتها الدولة ممثلة في مجلس التنمية الاقتصادي ووزارة الصناعة والتجارة لتطويره. قبل ان نناقش ذلك دعنا نوضح للقارئ ما المقصود بالاقتصاد المعرفي. يعتمد الاقتصاد المعرفي على ثلاث عناصر وهي التعليم، والبحث العلمي والتطوير، وتقنية المعلومات والاتصالات. في حين يعتمد الاقتصاد التقليدي على تحويل الموارد الى سلع. والمعرفة تاتي اما من خلال توريد نتائجها المتمثلة في التقنية بموجب اتفاقات مع شركات اجنبية او من خلال ابحاث محلية. وتوريد هذا النوع من المعرفة مشروط بموافقة الشركات والدول المصدره وتتعرض الدولة الموردة للتقنية الى قيود في استخدامها واستغلالها لهذه التقنية كما ان جزء كبير من المردود يؤخذ على شكل رسوم من الدول المصدرة. او تاتي (المعرفة) من خلال البحوث والتجارب الذاتية لكل دولة. فكيف تتعامل استراتيجية البحرين التنموية مع هذا النوع من التطوير؟ وهل الاعتماد على القطاع الخاص سوف يؤدي الى نتائج عملية؟

في ديسمبر من العام الماضي اعلنت وزارة الصناعة والتجارة عن استراتيجية جديدة ونشرت في جريدة اخبار الخليج. تكونت الاستراتيجية من عدة محاور مثل تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز قوتها التنافسية وتوفير التمويل لها للاستفادة من التقنية الحديثة في رفع انتاجيتها، وتطوير البنية التحتية الصناعية مثل بناء المجمعات لتوفير الخدمات والمساعدة في التسويق وتطوير القوة البشرية. 

هذه المحاور تتفق مع توجه الدولة في تطوير الصناعات والمؤسسات غير ان الاهداف تبدو عامة ولا تشمل اي تنويه عن اقتصاد المعرفة. كذلك لا تشمل الاستراتيجية معايير لتحقيقها. فمثلا لا يتضح من الاستراتيجية ما هو النمو الاقتصادي السنوي في قطاع الصناعة؟ او الزيادة المتوقعة في فرص العمل؟ او نوعية فرص العمل المستهدفة؟ والى اي حد ستزيد الصادرات ونوعها وما هي الفترة الزمنية المتوقعة. اما فيما يتعلق بتشجيع التسويق فان الاستراتيجية لم توضح ما هي المساهمة التي ستقدمها الوزارة، وهل سيشمل ذلك حماية غير مباشرة للصناعات الوليدة لتمكنها من تحسين قدرتها التنافسية كما تفعل امريكا والدول الاوروبية في حماية محاصيلها الزراعية؟ 

بالرغم من ذلك فان الوزارة تخطو خطوات كبيرة في مجال تطوير الصناعة والخدمات الصناعية، ولكن مالم تضع مؤشرات تبين الوضع الحالي ومدى التقدم المطلوب في كل من محاور الاستراتيجية، وبالذات مؤشرات في عوامل الاقتصاد المعرفي، فان نتائج عمل الوزارة قد لا تبرز وتضيع جهودها. كذلك من تحليل مانشر من الاستراتيجية تبين انها لم توضح دور البحث العلمي في انتاج المعرفة وتطوير الصناعات الناتجة منه. 

للاجابة على هذه التساؤلات تم الاطلاع على السياسة الصناعية التي اعدتها الوزارة بالتعاون مع مجلس التنمية الاقتصادي في الربع الاول من عام 2005. هذه السياسة تجيب على بعض التساؤلات وبالذات حول أهمية بناء القدرات في مجال البحث العلمي واهمية تعاون القطاع العام مع القطاع الخاص. فقد ركز البند الخامس على بناء القدرة الابداعية من خلال انشاء مركز للبحث التطبيقي الموجه وكذلك تشجيع المركز على التعاون مع المؤسسات الخاصة لتمويل مشاريع ابحاث. ومع ان هذا التوجه يدعو الى التفاؤل غير اننا الى الان لا نعرف متي سيتم اقامة هذا المركز البحثي؟ فقد وضعت هذه السياسة في عام 2005 والى الان لا نرى اي بوادر لاقامة المركز وحتى نهاية 2006 لم ترصد له اي ميزانية.

التوجه نحو انشاء مراكز ابحاث ليس ترف وانما مسألة حياة او موت بالنسبة للدول النامية والدول النفطية بصفة خاصة والمهددة بنضوب النفط. ان اهمية البحث العلمي جعلت العديد من المفكرين والكتاب البحرينيين يتناولون هذه القضية في كثير من المحافل. فمثلا يقول الدكتور علي فخرو في احد مقالاته في اخبار الخليج انه بالرغم من اعتماد دول الخليج على النفط فان جميع الدول تخلو من مركز ابحاث واحد يعني بهذه الصناعة وتعتمد جميعها على الشركات العالمية في استيراد واستخدام المعرفة النفطية. كذلك أوضح السيد جميل العلوي (وكيل وزارة الكهرباء والماء سابقا) في ندوة أقامتها جمعية التخطيط الاستراتيجي بان دول الخليج تستخدم 52% من معدات التحلية في العالم وتعتمد على مياه التحلية بشكل استراتيجي (لتامين بقائها) ومع ذلك فان المنطقة تخلو من أي نشاط بحثي او تصنيع لاي من مكونات هذه المعدات. 

هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان الابحاث هي من أهم الوسائل التي تعطي الدولة استقلالا اقتصاديا نسبيا، فالمعرفة التي تنتجها الدولة ويحتاجها العالم لن تواجه نفس العقبات والمحاربة التي تواجهها المنتجات العادية. كذلك فان الارباح التي تجنيها الدولة من المساهمة المعرفية التقنية هي أكبر بكثير من الارباح التي تجنيها من بيع منتجات لا تملك تقنيتها وتضطر الى دفع رسوم مقابل استخدامها. 

السؤال الان من الذي سوف ينشئ مراكز الابحاث؟ هل القطاع الخاص ام الدولة؟ ونتسائل كذلك هل ستقدم الوزارة او مجلس التنمية الاقتصادي اي نوع من المساعدة في مجال البحث العلمي؟ وبما ان الوزارة تعتمد في استراتيجتها على القطاع الخاص لقيادة التحول الى صناعات ذات قيمة مضافة عالية، فهل الوزارة مقتنعة بان القطاع الخاص بوضعه الحالي قادر على الاستثمار في البحث العلمي لخلق الاقتصاد المعرفي الذي تعول عليه الاستراتيجية؟

نرى ان الاعتماد على القطاع الخاص في هذا الجانب لن يكون مجديا لعدة اسباب. اولا ان الابحاث هي من المشاريع التي تحتاج الى وقت طويل لاعطاء مردود. ومعظم التجار والمستثمرين في البحرين وفي الخليج بشكل عام يفتقدون الى هذا النوع من الصبر. فغالبيتهم يفضلون الاستثمار في العقارات التي تمتاز بالمردود السريع. كما ان معظم المستثمرين في البحرين عملوا في التجارة ونمت لديهم العقلية التجارية التي تعتمد على الوكالات وتوريد البضائع وبيعها. اما الاعتماد على المعاهد الاكاديمية مثل جامعة البحرين ومركز الدراسات والبحوث بوضعهما الحالي وميزانيتهما المتواضعة لا يدعوا الى التفاؤل. كما ان المؤسسات الكبيرة مثل البا وغيرها لم تبادر الى الان في اي نشاط بحثي يجعلنا نعول على دورها في قيادة هذا الجانب الهام من التطوير الاقتصادي. 

يقودنا ذلك الى التساؤل من جديد عن الكيفية التي ستقام بها مراكز الابحاث ومتى سترى النور؟ وهل ستقوم الحكومة بانشاء مثل هذه المؤسسات البحثية ام ستحتاج الى مساعدة من المجتمع التجاري والمالي والصناعي ومؤسسات المجتمع المدني؟ وهل ستاتي هذه المساعدة طواعية ام تحتاج الى قوة القانون؟ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *