- رجال الدين ضمير الأمة
تاريخ النشر : الأربعاء ١٩ سبتمبر ٢٠١٢
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال اليوم: رجال الدين ادانوا (وعلى حق) العنف والتخريب في الشارع ولكن نتساءل لماذا لم يدينوا الفساد وان يناصروا للحق والعدالة وحقوق الانسان، وان يتتفضوا ضد كل اشكال التعذيب.
في مقالنا السابق (آخبار الخليج ١٠ سبتمبر) حمَّلنا مسئولية الوضع الراهن عدة جهات ومن بينها رجال الدين. وفي مقال سابق كذلك تعرضنا الى دور رجال الدين في الاصلاح والتنمية وفي تقدم الشعوب. هذا الاهتمام بدور رجال الدين ينبع من قناعة بأنهم ضمير الامة وبوصلتها والراعي لقيمها. متى ما اختل هذا الميزان فانه نذير خطر. ما حدث في الاسبوع الماضي من دعوة رجال الدين الى وقف العنف والسعي الى ايجاد حل تبعث الامل في استمرار رجال الدين في التدخل ليكونوا مصدر اصلاح وصلاح. فقد ورد في البيان رفض وادانة العنف من اي جهة كانت وادانوا في الوقت نفسه «المساس بالكرامة الإنسانية أو الحقوق والحريات من أي طرف كان». كما نبهوا الى ان الاسلام «حرَّم الاعتداء على الأنفس والأموال والأعراض، ونهى نهياً قاطعاً عن الاعتداء على الآخرين جسدياً أو نفسياً أو فكرياً» واكدوا ضرورة المحافظة على «مقاصد الإسلام وضروراته الخمس بوجوب حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال».
ان هذه الدعوة إلى مواصلة العمل لجمع الكلمة ونبذ الفرقة والخلاف وادانة التخريب والعنف هي خطوة اولى في ازالة احد المنغصات التي عمقت الشرخ الطائفي وتفكيك العقبات التي تؤخر الوصول الى حل. لكن لا يجب ان تكون هذه نهاية الطريق بالنسبة لهم او لرجالات المجتمع المعتدلين والمطالبين بالخروج من الازمة.
رجال الدين ليسوا الوحيدين ممن تخلى عن المجتع فهناك فئات اخرى لم تقم بدورها كما ينبغي منهم رجال الاعمال ورجال الفكر والثقافة وان كانت هناك استثناءات، غير ان الغالبية التزموا الصمت والاستكانة بينما البلد تحترق وكان صمت رجال الدين هو الاعمق والاكثر ايلاما وابلغ ضررا واطال امد الازمة.
معرفتنا ببعض رجال الدين وحرصهم على البلد وعلى اقامة الحق والحفاظ على القيم الانسانية والاسلامية واحترام كرامة الانسان يجعلنا نستغرب لهذا الصمت، فهل هو سكوت الرضا، ام سكوت عن الحق، ام هو سكوت من ذهب، ام سكوتُ اضعف الايمان؟ مرت بالبحرين منعطفات واحداث كبيرة اثارت ضمير المجتمع وادانها جلالة الملك في الكثير من المناسبات مثل ممارسات الفساد في التقارير المتكررة التي تصدر عن ديوان الرقابة، وتقارير البرلمان ولا نتذكر ان قدم رجال الدين رأيا فقهيا او موقفا دينيا يعبر عن الرسالة النبوية في اقامة الحق والعدل. توقع المجتمع وقفة منهم ومن رجال الاعمال وغيرهم، ومواقف تعالج مثل هذ القضايا وتوفر على المجتمع المعاناة التي يمر فيها.
ما تمر به البلاد من ازمة تحتاج الى حل وعلاج، وهذا يتطلب فهما وتشخيصا وجهدا جادا وواعيا ومدركا للمخاطر، الحل يحتاج الى تنازلات وتضحيات وتخلٍ عن القضايا الخلافية والتركيز على المشتركات. الموقف الذي ابداه رجال الدين (في الحادي عشر من الشهر الجاري) وخروجه عن صمته ادى الى رفع توقعات المجتمع وتطلعاته في مواصلتهم هذا الدور الايجابي الفاعل في صياغة حلول ومقترحات تقوم على هذا الفهم وعلى هدي الاسلام وما اتى به رسولنا الكريم من قيم اقامة القسط والعدل والحق والتراحم بين الناس، ووضع مبادرة مبنية على هذه القيم وعلى الميثاق الوطني ومبادئ الدولة المدنية لتُخرج البلاد من مغبة الاحتراب الطائفي والتمزق والتخلف.
ان رجال الدين بحكم موقعهم وحضورهم وتأثيرهم في المجتمع قادرون على تحريك الوضع وقادرون على ايجاد حلول عادلة تنصف المواطن وتنصف المجتمع وتنصف الدولة وتنصف الحاكم والمحكوم. والان هم مطالبون بعدم التخلف وبمواصلة المسيرة في «الوقوف صفاً واحداً في وجه كل من تسوّل له نفسه الإخلال بأمن الوطن والتعدي على حرمة الدماء والأعراض والأموال والممتلكات العامة والخاصة» وهذا اقل ما يقدمونه للمجتمع من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا نعتقد انهم يفتقدون ى القيادات القادرة على ذلك، او انهم سيخضعون لضغوط مجتمعية تثنيهم عن احقاق الحق واقامة العدل.
ان مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الاساس الذي يتوجب على رجال الدين التحرك من خلاله وتحقيق مقاصد الشريعة في الارتقاء بالانسان كما ورد في خطاب جلالة الملك «الارتقاء باحوال الناس دون تمييز ولا اقصاء في ظل حكم القانون والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد بجميع اشكاله». مسئولية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية فردية تاصلت في الفكر الاسلامي (ناهيك عن كونها تكليف رباني) منذ «ثورة القراء» مع ابن الاشعث عام ٨٢ – ٨٤ هجرية لكونها افضل الجهاد وهي في علاقة تبادلية بين الواجب والحق في الحقبة التأسيسية تلك (كتاب: الامر بالمعروف والنهي عن المنكرفي الفكر الاسلامي، مايكل كوك٢٠٠٩، ص١٥). عانى المجتمع كثيرا من تخلي رجال الدين عن دورهم هذا والان نتطلع الى تحرك واع ومدرك لجسامة وخطورة المرحلة التي تستوجب عدم الاكتفاء بالتنديد بالعنف الذي نشد على ايديكم للقيام به ونتمنى ان يستمر نشاطكم في لعب الدور القيادي في المجتمع الذي يكن لكم كل احترام وتقدير واكبارلم يفت الوقت الآن ونتمنى عليهم اخذ زمام المبادرة والتحلي بالتسامي عن الولاءات الصغيرة والمصالح الشخصية والترفع عن المهاترات والنظر في مستقبل هذا البلد وما يتطلبه من تحاور والخروج بمقترح يعيد الحقوق الى اصحابها، ويضع الامور في نصابها، ويقيم العدل ويمنح البحريني فرصة العيش الكريم ويحقق التنمية والازدهار اللذين نستحقهما كشعب بحريني واحد.