- صندوق التقاعد وضعف عائدات الاستثمار
تاريخ النشر :١٥ يونيو ٢٠١٦
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال الاسبوع- قبل اربع سنوات كتبنا هذا المقال وتساءلنا من المسئول عن عدم كفاءة الاستثمار وإلى متى يستمر الصندوق في الاستثمارات قليلة المردود وسريعة الربحية؟ واسئلة اخرى مازالت تنتظر الاجوبة؟
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13963/article/26221.html
نظام التقاعد يمثل اهمية كبيرة للجميع وليس للمتقاعدين فقط. كل موظف في نهاية المطاف سوف يكون من المتقاعدين، وبالتالي فقضية حسن إدارة أموال الهيئة وقدرة الانظمة والقوانين التي تدار بها لهما تأثير ليس فقط على كفاءة الاستثمار ومصير أموال المواطنين ومدى الارباح التي تحققها الهيئة ولكن كذلك على الاستقرار والامن المستقبلي. فجميع هذه القضايا تكتسب حساسية لأنها تتعلق بمعيشة المواطن وحقوقه التي أسهم فيها على امتداد عمره العملي.
كثرت الندوات والتصريحات حول نظام التقاعد ومن بينها ندوة في مجلس الأستاذ أحمد جناحي قدمها الدكتور حسن الماضي والسيد فلاح هاشم. برزت من خلال هذه الندوة وغيرها بعض القضايا التي تستحق الوقوف عندها.
وفق توصية الخبير الاكتواري فإن هناك حزمة من التعديلات رفعتها الهيئة العامة للتأمينات لم يتم الافصاح عنها ولم تتضح تفاصيلها، وأكّد سمو رئيس الوزراء على اثرها بأن المكتسبات لن تمس. وبالرغم من ذلك فإن الحديث مازال يدور حول امكانية إجراء بعض «التعديلات» لمعالجة العجز الاكتواري وتقليل تكاليف الحكومة.
بالرغم مما يشاع حول العجز الاكتواري فإن المحاضر بيّن ان اشتراكات الموظفين والعمال تغطي 130% من التزاماتها في المعاشات التقاعدية. اي ان هناك فائضا سنويا بمقدار 30% فكيف يتم التعامل مع هذه الزيادة؟ وهل هناك استنزاف خارجي لهذه الاموال؟ ولماذا الحديث عن العجز الاكتواري الذي هو في ارتفاع منذ عام 2009، ورفع سن التقاعد وتقليل المعاش التقاعدي؟
في عام 2008 صدر قانون التأمينات وتم بموجبه دمج الهيئتين لتوحيد المزايا ولتقليل كلفة الادارة والتشغيل. تم بموجب هذا القانون انشاء شركة استثمارية تهدف إلى تغيير نمط الاستثمار التقليدي وترفع من كفاءته.
بالنسبة للاستثمار الذي تقوم به الهيئة، فقد اتضح من رد الهيئة على سؤال المجلس النيابي حول كفاءة الاستثمار ان نسبة الارباح متدنية. فمثلا ارباح استثمار ملياري دينار لم تتجاوز خمسين مليون اي بنسبة 2.5%. هذا راجع إلى التركيز على الاستثمار في سندات حكومية محدودة المردود وعدم الشروع في استثمار استراتيجي يعود بفوائد استثمارية افضل ويخدم التنمية ويقيم صناعات ويخلق فرص عمل تعود باشتركات على الهيئة. النتيجة ان العوائد التي تحققها الهيئة لا تتجاوز 4.5% في حين ان بعض الصناديق في المنطقة تصل عائداتها إلى 18%. وبعض الجامعات في دول اخرى تحصل على عائدات تصل إلى 10% من استثماراتها. فلماذا التركيز على هذا النوع من الاستثمار؟
فيما يتعلق بالجانب الاداري فإن الكلفة الادارية قد تضخمت منذ 2009 بنسبة 133% بدلا من انخفاضها نتيجة دمج الهيئتين وإعادة الهيكلة وتعيين فريق جديد للاستثمار. لماذا تضخمت المصاريف الادارية بالرغم من الهيكلة ودمج الهيئتين والتخلص من حوالي 160 وظيفة؟
يقول المحاضر، ان عملية الهيكلة خفضت التكاليف الادارية إلى ثلاثة ملايين، لكن سرعان ما ارتفعت هذه التكاليف إلى ثمانية ملايين في 2013. وفي عام 2014 ارتفعت إلى 9 ملايين.
يمكن تلخيص اسباب العجز في: أولا ان الاستثمارات في معظمها قصيرة الاجل ومنخفضة العوائد. فمثلا 80% من الاستثمارات في الاوراق المالية و10% في الشركات، و10% في العقار حقق أرباحا منخفضة (1.2% فقط) في حين ان إيراد العقار في البحرين يتراوح بين 6 إلى 10% بالإضافة إلى ان نسبة كبيرة من الاراضي غير مستثمرة.
ثانيا: عدم التوجه نحو الاستثمار الاستراتيجي في الصناعة والانتاج الذي يخلق فرص عمل مجزية تساهم في دفع اشتراكات للهيئة ويعود بفوائد استثمارية افضل ويساهم في تنويع مصادر الدخل للبلاد. سبب ذلك راجع إلى طبيعة المكافآت التي تمنح للادارة. المكافآت مرتبطة بأرباح سنوية فإن اي استثمار طويل الاجل لا يمنح أصحاب القرار مكافآت (بونس) وبالتالي يتم اختيار الاستثمارات السريعة الأرباح.
ثالثا: ان هناك التزامات على الدولة وردت في تقارير الرقابة المالية تشير إلى عدم تسديد اشتراكات التأمين ضد اصابات العمل عن موظفيها منذ 1986 إلى 2015 لما يقارب 26 ألف شخص تقدر بمائة مليون دينار، كذلك عدم التزام الدولة بتسديد اشتراكات مجلسي النواب والشورى والمجالس البلدية تراكمت هذه المبالغ حتى بلغت 50 مليون دينار، وما يتبعها من ارباح متراكمة.
رابعا: سياسة التقاعد المبكر للتخلص من العمالة الزائدة. فمثلا إعادة هيكلة شركات طيران الخليج وبابكو وألبا والدرفلة وبتلكو وكذلك بعض مفصولي 2011، جميع هذه الفئات تتحول تكاليفهم إلى التأمينات الاجتماعية.
خامسا: ان النقابات العمالية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية لتخليها عن مقاعدها في مجلس الادارة، بالرغم من محاولات إرجاعها، مما اضعف الشفافية والمساءلة والمشاركة في القرار.
سادسا: ان هناك فئة من المواطنين تجاوزت اعمارهم الثلاثين وهم عاطلون ولم يدخلوا في نظام التقاعد، ماذا سيكون مصيرهم وكيف سيتعامل معهم المجتمع في شيخوختهم؟
سابعا: وهو الاهم، اننا نتعدى على الاجيال القادمة ليس فقط في استهلاك الموارد الناضبة (النفط) ولكن كذلك في استهلاك أموال نظام التقاعد الذي لن يخدمهم كما خدم الاجيال الحالية، وفي نفس الوقت نترك لهم ديونا ثقيلة.
في غياب الشفافية والحوكمة نتساءل: من المسؤول عن عدم كفاءة الاستثمار وإلى متى يستمر الصندوق في الاستثمارات قليلة المردود وسريعة الربحية؟ وماذا حقق الفريق الجديد الذي تم تعيينه قبل خمس سنوات مع العلم بأنه مستقل ولا يخضع لأي إملاءات سلطوية!؟ ولماذا يستمر المواطن في دفع ثمن إخفاقات إدارة الأصول واستثماراها؟