نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. قوة الدفاع – وانجاز في التصنيع

تاريخ النشر : 13 مارس  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

كثيرا ما تحدثنا عن أهمية الصناعة للاقتصاد الوطني وبينا ان القاعدة الاقتصادية الاساسية التي يعتمد عليها اي اقتصاد هي قدرة الدولة الانتاجية، سواء كانت هذه القدرة في مجال الزراعة او الصناعة او المعرفة. اما الخدمات فهي عناصر مساعدة وقد يكون بالامكان اعتماد دولة ما على اقتصاد الخدمات اذا كان ضمن منظومة اقتصادية يمكن الوثوق بها دون تعرض الدولة للابتزاز السياسي. والعالم الغربي اليوم لا يمكن ان يوصف بالنزاهة في هذا الجانب. لذا توجب على الدول العربية والخليجية الاعتماد على الانتاج الزراعي والصناعي والمعرفي، وان تطور من صناعاتها المدنية والعسكرية لتتفادى هذا المصير. ومن هذه القناعة فاننا نرحب ونبارك كل جهد في هذا الاتجاه الذي يؤدي الى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر للدخل لا سيما اذا كان هذا الجهد يمثل تطور في اتجاه الصناعة العسكرية. 

ان اي خطوة في اتجاه التصنيع هي خطوة رائدة وفي الاتجاه الصحيح. وهناك العديد من المشاريع الصناعية في البحرين وفي الخليج بدأت بالظهور بعد انقشاع الوهم العقاري وهشاشة سوق الاسهم. غير ان من اهم هذه التوجهات ما طالعتنا به الصحافة المحلية (اخبار الخليج 12 مارس 2008) من قيام قوة دفاع البحرين بانتاج مدرعة صممت وجمعت بالكامل في وحدة الصيانة الفنية والتي دشنها جلالة الملك في يوم الاحتفال بيوم الحرس الملكي. وهذا ليس غريبا على وحدة الصيانة الفنية التي كان لنا شرف الخدمة تحت لواءها والتي تشمل مهامها تقديم الاسناد الفني لمختلف وحدات قوة الدفاع وتقديم المشورة الفنية للقيادة، واجراء التعديلاات الفنية. وانتاج هذه المدرعة قد تكون من أهم المشورات تاثيرا على الاقتصاد الوطني. وننتهز هذه الفرصة لنقدم التهاني الى قيادة قوة الدفاع وقيادة وحدة الصيانة الفنية وجميع منتسبيها وفريق التطوير بشكل خاص.

ان ما نشر حول صنع آلية عسكرية تسع 8 اشخاص في ظروف وعره بسرعة تبلغ 110 كيلومترات، بالاضافة الى التصفيح المضاد للاسلحة الخفيفة وتزويدها بقوة نار قادرة على مشاغلة اهداف بدرجة دوران 360 درجة والقدرة على العمل ليلا، يظهر بداية مباركة الى توجه صناعي يكون رافدا للاقتصاد الوطني بالاضافة الى تنمية للقدرات العسكرية. ان مثل هذا الجهد يستحق كل التقدير والتشجيع لما له من مردود كبير على الاقتصاد المحلي والخليجي. فانتاج 200 مدرعة سنويا قابلة للزيادة يظهر توجه نحو التصنيع الاقتصادي لسد الحاجة المحلية والاستغناء عن توريد مثل هذه المدرعات. والعنصر الاهم في هذا الخبر هو التوجه نحو التصدير حيث اوضح القائمون على هذا الانجاز ان “هناك توجه لتسويقها على المستوى الخليجي والدولي”. نتمنى ان يكلل هذا التوجه بالنجاح كما نامل ان لايقف هذا الطموح عند حد انتاج هذه المدرعة بل يتجاوزه للمزيد من الانتاج العسكري.

ان كثيرا من الصناعات العسكرية في العالم بدأت بدايات تجميعية وتطورت في فترة قصيرة لتضاهي افضل الصناعات العالمية. فاذا ما توفرت الارادة الفنية والسياسية لتطوير القدرات فانها ستكون رافدا اقتصاديا بالاضافة الى كونها لبنه في تحقيق مزيد من الامن القومي والاستقلال السياسي. 

في تقرير للجنة امريكية كلفت باعداد رؤية واستراتيجية لتصنيع آلية قتالية في عام 2003، يقول التقرير ان اي مؤسسة لكي تمتلك القدرة الانتاجية الصناعية يجب ان تمتلك ثلاث عناصر او موارد هي المكان المخصص للتصنيع والموارد البشرية والمعرفة. والتحدي الذي يواجه قوة الدفاع في مسيرتها نحو التصنيع هو تطوير القوة البشرية المناسبة لانتاج المعرفة التي تمكنها من تطوير هذه النهج وجعله نواة لبناء قدرات انتاجية تسهم في التنمية الاقتصادية. ان قوة الدفاع بكوادرها وقدراتها وموقعها الخاص لدى القيادة والمواطنين وعلاقاتها الاقليمية والدولية المميزة مؤهلة اكثر من غيرها لقيادة هذا الجانب من انتاج المعرفة والتطوير الصناعي الذي تعتمد عليه الرؤية الوطنية 2030. وبالتالي فان ما نتمنى من القائمين على المشروع هو المضي في رفع القدرة الانتاجية والاصرار على انتاج بعض مكونات هذه المدرعة وبذلك نكون قد تقدمنا خطوات في طريقنا لامتلاك العنصر الثالث والاهم في مسيرة التنمية الصناعية وهو المعرفة. اما بالنسبة للعنصر الثاني المتعلق بالقوة البشرية فان قوة الدفاع من الرواد في تطويرها ولديها الخبرة الواسعة في هذا المجال وكل ما تحتاج هو توظيف هذه الامكانات في تطوير القدرات الانتاجية والبحثية ولن تعوزها الامكانيات المادية والمساندة السياسية. كذلك فان قوة الدفاع بهذا التوجه فانها تكمل اضلاع المربع التنموي بتظافر جهود القطاع العام والقطاع الخاص والمؤسسات الاكاديمية والمؤسسات العسكرية.

واخيرا فاننا على ثقة بان القائمين على المشروع لا ينقصهم الطموح والقدرات الفنية والمساندة المعنوية، كما نكرر تطلعنا واملنا ان لا يقف المشروع عند حد انتاج المدرعة بل المضي في رفع القيمة المضافة من خلال تأسيس خط انتاج لتصنيع المزيد من اجزاء ومكونات هذه المدرعة في البحرين ورفع مستوى القدرات البحثية لتطويرها وتطوير منتجات مشتقة منها قابلة للتسويق والمنافسة في الاسواق العربية. وبكل امل نترقب اول صفقة تعقد بين قوة الدفاع ودولة خليجية او عربية لبيع هذه المدرعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *