- كيف يصبح البحريني الخيار الأول والمفضل؟
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٠٦ فبراير ٢٠١٩ – 01:15
http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1153784
نتقدم بالشكر الجزيل إلى سمو رئيس الوزراء الموقر لقيامه بزيارة إلى غرفة التجارة معلنا عدم قبوله بتعرض البحريني لمنافسة غير متكافئة وغير عادلة أو مجحفة. وقال سموه إن القوانين ليست قرآنا وإنها قابلة للمراجعة والتعديل لتكون في صالح المواطن سواء كان عاملا أو رجل أعمال. جاءت هذه الزيارة نتيجة لما يحدث في المجتمع من استنكار على جميع المستويات ومن مختلف فئات المجتمع لتعرض المواطن لمنافسة شرسة وغير عادلة في سوق العمل وفي التجارة والصناعة وجميع القطاعات الاقتصادية. وبالتحديد كانت الزيارة استجابة لما طرحه رئيس غرفة التجارة من رفض لما يتعرض له سوق العمل والسوق التجاري جراء سياسات الانفتاح المفرط التي تفرضها وتتبناها وزارة التجارة.
القول بأن الانفتاح الاقتصادي توجه عالمي تفرضه العولمة السائدة اليوم هو قول غير دقيق ولا ينطبق على جميع الدول ومنها الدول الغربية. فهذه الدول الغربية تتصرف كمن اعتلى بناية مستخدما سلما، ثم أزال السلم لكي لا يصل إليه أحد. السلم كانت الحماية التي فرضتها على استيراد بضائع من الخارج لإعطاء شركاتها أفضلية في السوق المحلي واليوم مازالت مستمرة في هذه الممارسات. ردة فعل سمو رئيس الوزراء في أن البحرين يجب أن تُخضع هذه القوانين للمراجعة ووضع الضوابط التي تحقق التوازن بين مصلحة المواطن وبين تحقيق البيئة الاستثمارية الجاذبة لرأس المال المحلي قبل الأجنبي مقدرة ومثمنة، لكن علينا تحديد المرجعية التي ستستخدم للمراجعة؟
إذا اعتبرنا أن المرجعية هي الرؤية الاقتصادية الصادرة عام 2008، ومازالت هي الحاكمة والموجهة إلى أهداف واستراتيجيات التنمية. نجد أن المعايير التي وضعتها الرؤية لتقييم النجاح ومدى قدرة الدولة على تحقيق أهدافها تطالب السلطات بالتأكد من استفادة جميع المواطنين بشكل عادل من منافع النمو الاقتصادي من خلال:
– التأكد من تأمين المساواة وتحقيق تكافؤ الفرص للبحرينيين في سوق العمل من خلال مراجعة قوانين العمل ونظام الهجرة.
– التأكد من أن الاقتصاد يخلق فرص عمل ذات أجور متوسطة ومرتفعة لجميع شرائح المجتمع.
كما تؤكد الرؤية أن مقياس النجاح الأهم هو عدد الفرص الوظيفية الجديدة ذات الأجور المتوسطة والعالية التي يشغلها المواطنون البحرينيون. (في حين ما يحدث الآن هو توظيف 54 ألف أجنبي مقابل 5 آلاف بحريني). ووضعت الرؤية بكل وضوح هدفا يقضي بمضاعفة دخل الأسرة الحقيقي إلى أكثر من الضعف بحلول 2030. وفوق كل ذلك فقد صرحت الرؤية بأن «الهدف الرئيسي هو أن يكون البحريني هو الاختيار الأمثل والخيار الأول للقطاع الخاص». والأهم من كل ذلك هو أن الرؤية وضعت لها قاعدة وأساسا للمنافسة تقول «لن يقوم القطاع الخاص البحريني بالاعتماد على العمالة الأجنبية ذات الكلفة المنخفضة كأساس لقدرته التنافسية»، وبطبيعة الحال ما ينطبق على القطاع الخاص ينطبق بشكل أكبر على القطاع العام.
وبالرغم من ذلك فإن خطط التسويق تضع من بين المزايا التي تذكرها في الترويج للاستثمار في البحرين «انخفاض كلفة العمالة»، مع العلم أن ساحة المنافسة بين الأجنبي والبحريني غير مستوية ولا تنصف البحريني.
ماذا حدث لهذه الأهداف، ولماذا لم يعد البحريني هو الخيار الأفضل، هل أخفقنا في تدريب البحريني ليكون الخيار الأفضل؟ وماذا حدث لمؤشر نسبة البحرينيين في القطاع الخاص إلى نسبة الأجانب؟ وماذا حدث إلى هدف «حصول البحرينيين على أعلى مستوى من التعليم». تقول الاستراتيجية الوطنية الصادرة عام 2010 بضرورة «التأكد من تهيئة المهارات اللازمة بما يتناسب مع التغيير في عناصر إيجاد القيمة». لماذا لم نتمكن من تهيئة المهارات اللازمة؟ فما زالت جهود التدريب المهني في البحرين لا تلبي الاحتياجات.
هنا لا بد أن نشير إلى أن تهيئة العمالة البحرينية لا بد أن تأخذ أولوية وتكون جهدا مشتركا بين مختلف الجهات. والسؤال من الجهة التي تتحمل المسؤولية في تهيئة الكوادر الأكاديمية والكوادر الفنية والمهنية لتمويل السوق بما يحتاج من مهارات وتمنحه القدرة على المنافسة، بعد إصلاح الخلل في المنافسة وجعلها متكافئة وعادلة؟ ومن المسؤول عن وضع التشريعات التي تضمن للبحريني مناخا تنافسيا مستويا أو تمنحه أولوية العمل وتخصيص مهن يتم تدريب بحرينيين لهذه المهن. بطبيعة الحال فإن أولى هذه الجهات هي وزارة التربية والتعليم، فالوزارة مسؤولة عن بعض جوانب التدريب المهني لكنها ما زالت لا تظهر ما ينبغي من إصرار على معالجة هذه القضية.
في مقال للسيد فاضل حبيب تحت عنوان «ما مدى جهوزية الخريجين الجامعيين لسوق العمل» يطرح فيه هذا السؤال «لماذا يتخرج بعض الطلبة من المدارس والجامعات وهم لا يجيدون أدنى مستويات المهارات؟» الجواب الذي يطرحه هو أن تعريف المتفوق لدينا هو من يظهر قدرة على الحفظ، ويدعو إلى التحرر من المناهج التقليدية التي تكرس الحفظ والتذكر. كما أن نظم التقويم والامتحانات صممت لكي لا يطلق العنان للطالب للتحليل وإبداء الرأي والتفكير الناقد!
طالب سمو رئيس الوزراء بأن تقوم الغرفة بدورها التاريخي، وأن تتكاتف مع الجميع من أجل الحفاظ على مكتسبات المواطن، لكن هذا يحتاج إلى توجه مختلف من وزارة التجارة.
لقد أبدت الغرفة استعدادا للقيام بدراسة حول الآثار المترتبة على السماح للشركات الأجنبية بمزاولة بعض الأنشطة التجارية وإجراء دراسة أخرى حول تأثير العمالة السائبة والتصريح (الفيزا) المرن على الاقتصاد وفرص العمل المحلية. كما تطالب الصحافة بمناشدة غرفة التجارة بالتعاون مع المؤسسات والمنظمات الأخرى في المجتمع العمل على وضع رؤية لكيفية النهوض بمستوى البحريني وإيقاف النزيف الحاصل اليوم جراء تدفق العمالة الوافدة غير المنضبط إلى السوق البحريني، وإعادة النظر في بعض القوانين الانفتاحية المنفلتة التي تتبناها هيئة سوق العمل ووزارة التجارة والصناعة والسياحة وترشيد تدفق العمالة وإعادة النظر في الإقامة المرنة التي أضرت كثيرا بالتاجر البحريني.