لأزمات العربية بين الموروث التاريخي وتحديات الواقع
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٢٧ سبتمبر ٢٠١٧ – 01:25
في اليوم الذي يحتفل فيه العالم بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان ويحتفل العالم الإسلامي بمناسبة السنة الهجرية الجديدة والعديد من المناسبات التي تمر على العرب والمسلمين كان بودنا ان نكون أكثر تفاؤلا بالمستقبل العربي والإسلامي. لكن كثيرا من أبواب التفاؤل موصدة والباقي منها يتطلب عملا مضنيا وجبارا لكي يفتح على الأمة مستقبلها الذي تستحقه.
في هذه المناسبة أصدرت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بيانا تطالب فيه المجتمع الدولي بإرساء ثقافة السلام والأمن الدوليين. وتؤكد في بيانها إرساء ثقافة السلام وتجنيب العالم مآسي وخطر الحروب، وان يكون السلام الحقيقي هو السلام القائم على العدل والإنصاف والمساواة والحق واحترام حقوق الانسان وكرامته وآدميته.
غير اننا نجد في هذا اليوم ان الانسان العربي والمسلم تُنتهك حقوقه أحيانا ويتم التعدي على كرامته سواء كان في وطنه أم في الغربة، بل انه قد يجد في الغربة ما لا يجده في وطنه من كرامة وعزة واحتراما لحقوقه. هذا التعدي على حقوق الانسان مرتبط بالصراعات التي تدور في عالمنا العربي والإسلامي والتي لم نتمكن من معالجتها على مدار القرن الماضي بالرغم من أن أصل هذا الصراع يعود إلى قرون عديدة. في تلك المرحلة لم تكن الأمة الإسلامية فقط تعيش حالة من الصراع بل شمل امما اخرى تمكنت من معالجة الأمر من خلال اشاعة العدل والحكم الرشيد وطبقت الأسس والقيم والمبادئ التي ينادي بها الإسلام ففلحت وتقدمت شعوبها، وبقيت دولنا في المعاناة والألم عزاؤها شعارات تطلقها بعض القيادات السياسية والدينية بأن الإسلام «سبق الغرب في حقوق الإنسان».
يعاني العالم العربي بشكل خاص والعالم الإسلامي بشكل عام من أمراض نتيجة هذا الصراع الذي يعيشه الانسان مع الدولة ومع السلطات وحتى مع المؤسسات الحقوقية نفسها في محاولة لإثبات حقه الذي كرمه الله به. لذلك نعيش كأمة عربية حالة مرضية اجتماعية واقتصادية وسياسية لم يتمكن من التغلب عليها على مدار العقود الستة الماضية. المجتمع والمثقفون يطرحون الأسئلة حول طبيعة هذه الأمراض ويشيرون إلى نتائجها الكارثية من التخلف الاقتصادي والاجتماعي والاقتتال الذي يدور في معظم دولنا العربية؟ وهل هذه الأمراض مرتبطة بمفهومنا لحقوق الإنسان؟ أم بمفهومنا لنظام الحكم في الإسلام انها نتيجة مفهومنا للإسلام وعدم قدرتنا على معالجة اختلافات الرؤى والتفاسير. أم هي متعلقة بالعروبة ولصيقة في هذه الأمة، أم انها نتيجة مسار تاريخي انفردت به الأمة العربية والإسلامية انتج مؤسسات وعلاقات ومعتقدات اثرت على تطور الأحداث وعطلت عمليات التطور في المجتمعات؟ هذه الأسئلة وغيرها مطروحة على الأمة ومازالت تنتظر البحث والاستقصاء.
لو حاولنا فقط تعداد المشاكل التي تعاني منها الامة نجد انها اولا هناك ازمة دينية لم تتم معالجتها نتجت منذ بداية التاريخ الإسلامي ومباشرة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. وتفاقمت بعد انتهاء عصر الخلافة الراشدة. ثانيا هناك ازمة نظام حكم ارتبط بالأزمة الدينية واتخذ شكلا مخالفا لما ساد في عصر الخلافة من شورى وبيعة اختيارية ولم تتمكن الامة من إصلاحه إلى اليوم. ثالثا ازمة علاقة بين الانسان والمجتمع والدولة لم تتم معالجتها أو تقنينها فحولت الانسان من سيد إلى مسود واداة في يد الدولة تسيره كيف تشاء، ليس له كيان مستقل كفرد أو كمجتمع.
عالجت شعوب العالم هذه الازمات على المستويات الثلاث من خلال نظام ديمقراطي تعددي تشاركي. حاولت بعض الدول العربية والإسلامية اتباع هذا النهج الديمقراطي لكن معظمها فشل وحوله إلى صورة منسوخة خالية من مضمونها لم تنجح في التخلص من الاستغلال السياسي للدين وتحويل الدين إلى آيديولوجية تخدم الرغبة في الهيمنة والسيطرة على المجتمع واخضاعه لصورة تسلطية من الحكم تخلى عنها العالم المتحضر واتجه نحو بناء الانسان بدلا من كبته.
الحالة التي نعيشها اليوم من الاحتراب لا يمكن فصلها عن هذه الصورة الناتجة من الأزمات الثلاث التي ارادت ان تخضع المجتمع والإنسان ومقدرات الأمة إلى ارادة جهة واحدة رافضة اي نوع من الشراكة في السلطة والقرار السياسي والاقتصادي إلى ان انفجرت هذه الكيانات من الداخل وتشعبت صراعاتها.
اليوم الأمل معقود على توليد تيار من المؤرخين وعلماء الدين وعلماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد ومختلف التخصصات الحديثة في النقد التاريخي والانثربولوجي تخضع هذه الأزمات الثلاث للتحليل والتنقيب والتصحيح وتنقيح التراث الإسلامي من تأثير الآيديولوجيات السياسية التي حكمته. نحن بحاجة إلى تحليل هذه الأزمات من خلال تحكيم العقل والحوار والنقد المنهجي والموضوعي والبدء من سقيفة بني ساعدة وما تلاها لتحرير الأمة من الأغلال التي نسجها التعصب والتزمت وتحريف للتراث والتاريخ والفقه لخدمة أغراض سياسية ومصالح خاصة.
لذلك ونحن نبارك للبحرين افتتاح مركز الملك حمد العالمي لحوار الأديان نأمل ان يأخذ المركز هذا الدور ويجعل رسالته جمع الأمة العربية والإسلامية على هدف تنقيح التراث الإسلامي وفق العلوم الحديثة. البروتوكولات الرسمية التي اتخذتها بعض المحافل الاخرى مثل الصلاة الجماعية والمؤتمرات في حوار الأديان لا شك انها مهمة، لكنها لا تكفي لمعالجة الأزمة الحقيقية في العالم الإسلامي. هذه الأزمة تحتاج إلى شجاعة ورؤية واضحة هادفة إلى تخليص الأمة من هذا المأزق الذي استمر أربعة عشر قرنا. الحلول اليوم معطلة من قبل نفس المؤسسات الدينية التي ترفض الإقرار بأهمية تنقيح التراث وإزالة ما به من أسباب الخلاف والصراع. فليكن المركز هو المبادر لمعالجة أم الأزمات وما تفرزه من نتائج وخيمة وتجنيد الباحثين للبدء بعملية التنقيح على أسس نقدية علمية حديثة تصل إلى جذور الأزمات وتنطلق منها نهضة عربية إسلامية والله ولي التوفيق.