- مؤشرات تقييم الاداء في التنمية المستدامة (2)
تاريخ النشر : 13 سبتمبر 2009
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
في مقال سابق (اخبار الخليج 22 اغسطس 2009) تطرقنا الى معوقات التنمية وتحدثنا عن منهجية تقييم الاداء المتمثلة في اربع مجموعات، اولا مايتعلق بالمواطن ورفع مستوى معيشته؛ وثانيا ما يتعلق بالمجتمع وتحسين قدرته الانتاجية والتنافسية والابداعية؛ وثالثا ما يتعلق بسياسات وبرامج التنمية المستدامة بما في ذلك البنية التحتية البشرية من قدرات وقيم والاطار القانوني والتقني المصاحب لها؛ ورابعا مؤشرات تعنى بتقييم قدرة المجتمع على وضع القوانين والانظمة المساندة للتنمية وادارة علاقته السياسية والاقتصادية مع العالم الخارجي ومدى مساندتها للتنمية ومحافظتها على مكتسباتها. وبينا ان المجموعة الاولى والثانية يتعلقان بالنتائج التي تخص المواطن والمجتمع والمجموعة الثالثة والرابعة يتعلقان بالمسببات او محركات الاداء من سياسات وبنى تحتية. في هذا المقال سوف نحاول ان نناقش مؤشرات التقدم في ما يتعلق بالمواطن والواردة في الرؤية الاقتصادية التنموية.
تتركز مؤشرات الرؤية الوطنية المتعلقة بالمواطن من الناحية الاقتصادية في ثلاث مؤشرات اولا: زيادة دخل الأسرة الحقيقي إلى أكثر من الضعف بحلول العام 2030 هذا يعني ان النمو في الدخل يزداد بمقدار 3.6% سنويا، واذا اضفنا اليه نسبة التضخم فان الزيادة ستتراوح بين 6 الى 7% سنويا. ثانيا تذهب الرؤية الى اعتماد مؤشر الناتج المحلي وتضع له هدف 6% الى 8% نماء حقيقي، وثالثا خلق فرص عمل للمواطنين البحرينيين في القطاع الخاص بنسبة تتراوح ما بين 5% إلى 6% سنويًا. والسؤال كيف تترجم هذه الاهداف بالنسبة للمواطن؟
بالنسبة للمؤشر الاول الساعي الى مضاعفة دخل الاسرة الحقيقي، فان مضاعفة الدخل في البحرين سيكون انجازا باهرا اذا فاق ذلك زيادة الدخل على مستوى العالم، وسيكون انجازا معقولا اذا كان مسايرا لما يحدث في العالم، ولن يعتبر نجاجا اذا كان اقل من الزيادة في الدخل العالمي او الاقليمي. لذلك نرى ان يصاحب هذا المؤشر تحديد سلة من الدول التي سنقارن بها دخل الاسرة البحرينينة اليوم وعلى فترات محددة الى عام 2030 لكي نطمئن الى ان الزيادة ستؤثر فعليا على دخل المواطن مقارنة بمداخيل مواطني دول المنطقة مثلا والدول التي تربطنا بها علاقة تجارية. كذلك فان هذه الزيادة هي متوسط دخل الاسرة، والمتوسط يمكن ان يرتفع نتيجة ارتفاع كبير في دخل فئة صغيرة من المواطنين في حين ان فئة اخرى قد يتراجع دخلها. لذلك لا بد من وجود مؤشر آخر يُظهر ذلك. عالجت الرؤية ذلك بوضع معايير تتعلق بنسبة الأسر التي يزيد مدخولها عن الحد الأدنى للدخل الوطني ونسبة الاسر التي يقل دخلها عن الحد الادنى. وهناك مؤشرات اخرى وردت في الرؤية تحتاج الى مناقشة مستفيضة لا يتسع المجال لها.
ثانيا تعتمد الرؤية مؤشر الناتج المحلي الاجمالي. هذا المؤشر يحتوي على معلومات تُُظهر التحسن في زيادة السلع والخدمات التي ينتجها المجتمع، كما انه مفيد للمستثمرين فيما تبين من مستوى الانفاق والاستثمارات في مختلف القطاعات والاتجاه العام للاقتصاد، غير انه لا يعني الكثير بالنسبة للمواطن العادي ولا يؤدي بالضرورة الى تحسن في نوعية حياته ورخائه ولا يظهر كلفة النمو البيئية والاجتماعية، وبدون ادماج هذه المؤشرات في نظام تقييم التقدم والازدهار فسوف لن نحقق الاستدامة في التنمية. لذلك فان التدقيق في الجوانب التي ادت الى زيادة الدخل العام تعطي صورة اشمل للرخاء. فمثلا ولاية البرتو الكندية استخدمت في عام 2001 مجموعة من المؤشرات اطلقت عليهم مؤشر التقدم الحقيقي (Genuine Progress Indicator) والذي يقدم تفصيلات اكبر عن التوجهات والقضايا الرئيسية التي تؤثر في نوعية حياة المواطن ورخائه. فمثلا ادخلت مؤشرات تتعلق بمستوى الانفاق والادخار الشخصي، ومستوى الديون الفردية، ومستوى الانفاق على الخدمات مثل المواصلات والكهرباء، ومؤشر المتبقي من الدخل بعد خصم الضرائب والرسوم والمدفوعات الاخرى (Disposable Income). هذه المؤشرات لها دلالة أوضح بالنسبة للمواطن وتدل على مستوى الرخاء الفردي بشكل أفض من الاعتماد فقط على الناتج الاجمالي ونأمل ان يتم تبنيها في الاستراتيجية الوطنية.
في المؤشر الثالثا ركزت الرؤية على نمو فرص العمل للمواطنين في القطاع الخاص بنسب تتراوح بين 5% إلى 6% سنويًا، مقارنة بنسبة 1.9% في العام 2007. وتركز على عدد الفرص الوظيفية الجديدة ذات الأجور المتوسطة إلى العالية التي يشغلها المواطنون البحرينيون. وتقسم الرؤية المؤشر الى: مساهمة القطاعات ذات الإمكانية العالية في خلق فرص عمل واعدة، وكذلك مساهمة القطاعات الناشئة في خلق فرص عمل. اي ان الرؤية اولت هذا المؤشر اهتماما كبيرا نظرا لاهميته المباشرة بالنسبة للمواطن، وبشكل يُظهر تأثيره على مستوى معيشته كما يساهم بدرجة كبير في استقرار الوضع الاجتماعي والرخاء الاقتصادي. وتحاول الرؤية من خلال هذه المؤشرات التوجه نحو خلق فرص العمل التي تناسب مهارات وطموحات المواطن. وكما يبدوا فان الرؤية تعول كثيرا على قدرة هيئة سوق العمل (تمكين) في تطوير المهارات واعداد الكفاءات في مختلف المجالات، وهي تقوم بجهد كبير في هذا المجال. لكن يبقى السؤال حول قدرة تمكين من اعداد الكوادر بما يكفي لتحقيق النقلة المطلوبة في الاقتصاد؟ كما يبقى الامل دائما معقودا في قدرة الاقتصاد على خلق مثل هذه الفرص.