- ماذا بعد غزة؟ … دور المجتمع المدني (4)
تاريخ النشر : 30 يناير 2009
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
تحدثنا في المقال السابق عن اسباب العدوان على غزة وتفاعل المجتمع المدني معه وطرحنا ثلاث تساؤلات مبدئية وهي لماذا حدث العدوان؟ ولما ذا عجزت الدول العربية عن ايقافه؟ وثالثا مادور المجتمع المدني في تفادي تكراره؟ بالنسبة لاسباب العدوان فقد ارجعناه للانقسام العربي وتاثير العلاقات الاقليمية والدولي على المشهد الفلسطيني مما جعل فتح ترفض نتائج الانتخابات بتشجيع من الدول الغربية وبعض الانظمة العربية وعزل حماس مما اتاح لاسرائيل الانفراد بها.
فيما يتعلق بعجز الانظمة العربية في منع هذه المجازر والتصدي للعدو الصهيوني ومناصريه من الدول الغربية استعرضنا عدد من الخيارات المحتملة التي ذكرها السيد زهرة (اخبار الخليج 5-1-2009) مثل الغاء المبادرة العربية للسلام وقطع العلاقات مع العدو الصهيوني الى التلويح باستخدام النفط واضفنا لها التلويح بفتح باب الجهاد. وتساءلنا ان كانت هذه الخيارات متاحة للحكام العرب؟
وجوابا على تساؤلنا نقول ان الواقع العربي – بالرغم من المصالحة- لا يبشر بتغيير في القريب العاجل وبالتالي على الفلسطينيين الاعتماد على قدرتهم في الصمود، بمواردهم المتواضعة، في وجه الاعداء وكذلك الصمود في وجه بعض الانظمة العربية الهشة. وان صدر من هذه الانظمة اي مواقف مساندة للفلسطينيين فهي مواقف غير مؤثرة صادرة من ضعف، حيث ان مصلحة النظام وارتباطه بامريكا هو الذي يقرر المواقف السياسية. واذا تأملنا أسباب الضعف المتعددة نجدها تتلخص في الصراع على السلطة بين الانظمة وشعوبها. فقد رفضت الانظمة العربية انتصار حماس في انتخابات حرة ونزيهة لما يمثله ذلك من انتصار ارادة الشعب الفلسطيني. فالانظمة العربية لا تقر بحق الشعوب او ان تكون لها ارادة. وهذا يجعل الغرب يهدد هذه الانظمة بشعوبها وبتطبيق حقوق الانسان والديموقراطية. ونتيجه لهذا الضعف الداخلي استطاعت القوى الغربية التلويح بالتهديدات الاقليمية لابتزازها. وبالتالي فان مسار السلام او اللجوء الى مجلس الامن يتطلب تحرير الارادة العربية التي لن تتم الا بمصالحة الانظمة مع شعوبها.
ان الدول التي استطاعت ان تعبر عن موقفها بحرية لنصرة الحق الفلسطيني، مثل فنزويلا وتركيا وغيرها هي دول تعتمد في قوتها على شعوبها وتستمد قوتها من تمثيلها لهذه الشعوب. لذلك فهي قادرة للتصدي للتصلف الامريكي وتستند الى الرأي العام الذي تحترمه. في حين ان الخلافات بين الانظمة العربية هي خلافات ناتجه عن الانفصام بين الانظمة والشعوب، وبالتالي فهي خلافات شخصية بين الحكام وليست خلافات على مصالح وطنية. لذلك استطاعت الدول الغربية من اللعب على هذه الخلافات وتقسيم العالم العربي الى معسكرات متناحرة.
لذلك فإن السؤال الذي يفترض أن يناقش على نطاق واسع في العالم العربي هو ما مدى إمكانية العرب في تفادي حدوث مثل هذه المجازر مجددا؟ والنقاش لا بد ان يتناول اولا ما يتعلق بقوة المجتمع المدني العربي وحيويته. وثانيا مايتعلق بتاثير ذلك على صلابة الوضع الداخلي للدول العربية وتماسك الشعوب مع الانظمة.
ان دور المجتمع المدني في العالم العربي يتمثل في الاستمرار في مساندة القضية الفلسطينية وان لا ينسى القضية بمجرد وقف القتال بل عليه ان يستمر في دعمه للقضية العربية الاولى بالضغط على حكوماته في تبني مواقف تساعد على وحدة الشعب الفلسطيني والابتعاد عن كل ما يعزز الفرقة بينهم. كما ينبغي ان يعمل على تعزيز الديموقراطية وحقوق الانسان داخليا. يقول المفكر فهمي هويدي ان هناك فجوة كبيرة بين الصوت والفعل لا علاج لها سوى الديموقراطية. هذا يضع مسئولية كبيرة على الجمعيات السياسية في مراعات المصلحة العامة التي ينادون الحكام بمراعاتها وان ينظموا العمل السياسي في اتجاه الدفع نحو مزيد من الديموقراطية من خلال العمل السلمي الذي يعطي العائلات المالكة الثقة بان موقعها ليس مهددا بهذا التوجه، بل يزيده صلابة وقوة وثبات. ان ثبات الانظمة وخصوصا في دول الخليج فيه مصلحة وطنية تتمثل في تفادي الصراع على السلطة. فلو نظرنا الى الدول الغربية نجد انها خليط من جمهوريات وانظمة ملكية، يجمع حكامها وشعوبها الايمان بالديموقراطية لحمايتها من الانزلاق في اتون الصراعات المسلحة او النزاعات الطائفية. كذلك تقع مسئولية كبيرة على رجال الدين في توحيد الامة والتسامي فوق الخلافات المذهبية التي ساهمت في اضعاف الموقف العربي.
ان الصراع مع العدو الاسرائيلي هو صراع مصيري طويل ومتعدد التوجهات السياسية والعلمية والاقتصادية، ولن تتحدد نتائجه في معركة واحدة. لذلك فان التحرك على المدى القصير هو في مساندة قوى المقاومة العربية وجميع قوى الممانعة بكل الوسائل، وعلى المدى الطويل التحرك داخليا لتعزيز الديموقراطية والعلم والمعرفة والقدرة التنافسية في كل من الدول العربية والاسلامية والاستعداد للسلم بعزيمة صادقة للجهاد.