- ماذا بعد غزة؟ (1)
تاريخ النشر : 2 يناير 2009
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
يستمر العدوان على غزة وتستمر اعداد الشهداء في الارتفاع ومازال العالم العربي عاجزا عن وقف العدوان ونزيف الدم. في هذه الاجواء اقيمت ندوة بجمعية التجمع الديموقراطي (وعد) حاضر فيها الدكتور علي فخرو وطرَح ست حقائق تبلورت من خلال العدوان. اولها ان الشارع العربي وعلى غير عادته عبر عن غضبه وامتعاضه لما يجري على ارض غزة، واثبت بذلك ان الشعور بالاخوة العربية ونصرة الحق لم تمت وانه مستعدا للخروج اذا ما توفر التنظيم والقضية العادلة. ثانيا تبين ان هناك انظمة عربية مرعوبة من المقاومة وتخشى امتدادها في العالم العربي وبالتالي فانها تعمل على كبحها حتى ولو كان ذلك على يد العدو الصهيوني. ثالثا ان انظمة عربية كبيرة وهامة انتقلت من الفساد والضعف الى الخيانة والتآمر على المقاومة الفلسطينية وهي تعمل مع العدو لتصفيتها. الحقيقة الرابعة هي انه ومنذ مدريد الى اسلو كانت القضية تتقلص من صراع عربي صهيوني الى صراع فلسطيني اسرائيلي الى خلق دويلة منزوعة السيادة الى سلطة ادارية تساعد العدو على حفض أمنه الى ان وصلت الان الى صراع بين اسرائيل وحماس، وتحولت الى قضية انسانية تعالج بادخال الغذاء والدواء والاغاثة ومعالجة المرضى وجمع التبرعات. والحقيقة الخامسة الى تجلت دون لبس هي ان النظام السياسي الامريكي بكل مقوماته العسكرية والاستخباراتية والسياسية والاقتصادية لا يمكن الا ان يكون عدوا للامة العربية ولا يمكنه ان يدعي الصداقة للشعوب العربية بعد اليوم. والحقيقة السادسة هي ان الشعور اصبح اقوى لدى الناس بان مؤسسات المجتمع المدني لم تستطع ان توحد نفسها خلف أي قضية سواء كانت وطنية او قومية او ديموقراطية. وبدوري أضيف حقيقة سابعة تمثلت في حجم المساندة والتعاطف والتفهم للقضية الفلسطينية في العالم، واتساءل كيف يمكن استثمار هذا الزخم الانساني وتحويله الى مواقف سياسية داعمة للقضية الفلسطينية؟
يتساءل الدكتور علي كيف نعيد القضية الفلسطينية الى المربع الاول والى طبيعتها الجامعة للعرب والمسلمين ومحبي العدالة والسلام في العالم ونادى في نهاية حديثة الى وضع أسس وآليات للعمل المستقبلي وتشكيل جبهة مقاومة عربية لاحياء القضية الفلسطينية وتكون مدخلا للتغيير في العالم العربي. لم تكن دعوة الدكتور علي في أهمية العمل الجماعي والمنظم لتغيير الوضع العربي هي دعوته الاولى. فقد دعى الى ذلك في 1995 في ندوة بجمعية وعد وتساءل لماذا لا يمكن للجمعيات السياسية العمل معا في قضايا استراتيجية كبرى، وكذلك طرح القضية في ندوة اخرى في مقر جمعية وعد. وللكاتب مقال حول هذه الندوة (اخبار الخليج 16 اكتوبر 2007) تساءلنا حينها عن أسباب امتناع الجمعيات السياسية من العمل المشترك لخدمة القضايا الوطنية والعربية الكبرى. وبعد كل ندوة يخبو الحماس وتعود الامور كما كانت تنتظر ندوة اخرى لاثارتها.
لكي لا يضيع دم الشهداء ولكي لا تنسى القضية الفلسطينية في الوعي العربي ولكي تعود حقوق الفلسطينيين على الجمعيات السياسية – بالاضافة الى مقترح الدكتور علي – ان تضع الالية المناسبة للاستفادة من الزخم والوعي العالمي بالقضية الفلسطينية. لن يكون ذلك طريقا سهلا، فهناك حقائق تمثل تحديات كبرى على المؤسسات المدنية التعامل معها. الحقيقة الاولى هي التخلف العلمي والتكنولوجي والانتاجي التي تعاني منه الامة العربية مقارنة بباقي الامم مما يضعف قدرتها على تنفيذ اي نوع من المقاطعة الفاعلة. الحقيقة الثانية هي التخلف الديموقراطي الذي يفصل ارادة الشعوب عن حكامها. والحقيقة الثالثة هي التناحر بين الجمعيات السياسية نفسها اما لاسباب مذهبية وطائفية او لاسباب ايدلوجية او لاسباب شخصية.
ان العمل المشترك يجب أن يوجه لتوحيد القوى في العالم العربي للاستفادة من الزخم الذي فرضه دم الشهداء ومعاناة الاطفال والنساء والشيوخ، وخروج الملايين تعبيرا عن غضبهم ضد الظلم والطغيان. فكثير من المؤسسات العالمية مثل الصليب الاحمر وحقوق الانسان ومنظمات دولية اخرى تعاطفت مع معاناة غزة، كما عبر الكثير من كتاب وسياسيين غربيين ومؤسسات مدنية في مختلف بقاع العالم عن رفضهم للعدوان والقتل والاحتلال ابلغها مشاركة رئيس وزراء اسبانيا في مظاهرات احتجاجية. يجب ان نستثمر ذلك لتكون حرب غزة مفصلا في اعادة الصراع الى طبيعته العربي الصهيوني بعد ان حولته المفاوضات والاتفاقيات الى صراع بين حماس واسرائيلي.
ان دور المجتمع المدني في هذا التحول يجب ان يوجه لابقاء استمرار الزخم المحلي والعربي والعالمي على أكثر من مستوى. فعلى المستوى القانوني يجب العمل على مقاضاة الاجرام الاسرائيلي وحشد تاييد المجتمع المدني الدولي لطردها من الامم المتحدة، وسياسي في حشد جهود الجمعيات والمؤسسات المدنية حول العالم لنصرة القضية الفلسطينية، واعلامي لتحويل الوعي العالمي الى فهم وجهة النظر العربية وابراز حقيقة الصراع وتخليصه مما علق به من تشويه بسبب الدعاية الصهيونية والمواقف العربية المتخاذلة، كما يجب ان يشمل دور مؤسسات المجتمع كل ما من شأنه تقوية الدول والمجتمعات العربية اولا بتطوير الديموقراطية في الدول العربية، ثانيا بالعمل على تشجيع البحث العلمي والتطوير التقني على جميع المستويات وثالثا بالعمل على حث الدول الخليجية والعربية على الاسراع في التنمية والتكامل الاقتصادي.