نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مقارنة احداث بريطانيا بالاحداث العربية

تاريخ النشر : 22 اغسطس  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

بريطانيا لها تاريخ مع موجات الاحتجاجات منذ القرن الرابع عشر ثورة الفلاحين، وفي القرن الثامن عشر ثورة الحبوب، وفي الثمانينات وفي 2001، في جميع هذه الحالات نزل الناس الى الشوارع، لكن ما حدث مؤخرا كان محيرا. بدأت الاحداث عندما حاولت الشرطة اعتقال شخص فقتلته فانفجر الوضع. وبدأ الاحتجاج على ذلك في 6 اغسطس بزحف على مركز الشرطة سرعان ما انقلب الى فوضى واكتسب زخم واحدث دمارا ليس له علاقة بخطأ الشرطة. والسؤال الذي يحاول المجتمع فهمه هو لماذا يحدث ذلك في مجتمعنا وتتحول مسيرة صغيرة الى مركز الشرطة لا تزيد على 300 شخص الى فوضى عارمة تعم معظم المدن وتخلف ضحايا ودمار يقدر بحوالي 320 مليون دولار؟

ردة الفعل العربية كانت مخيبة ويمكن ان توصف بان “كل اناء بما فيه ينضح”. بلغ التشفي العربي بالقول ان هذه بريطانيا الدولة الديمقراطية العريقة تتعامل مع المحتجين بالعنف والقمع والسجن والملاحقة في حين انها (بريطانيا) تنكر على الدول العربية تعاملها مع احتجاجاتها بنفس الطريقة. نرى ان هذه المقارنة تدل على عدم ادراك بان الوضع مختلف تماما بين ما تقوم به بريطانيا وما قامت وتقوم به الدول العربية اذا وضع في سياقه العام. هناك فرق كبير بين حكومة ديمقراطية تطبق القانون لتحفظ الارواح والممتلكات وبين من يطبق القانون ويستخدم الجيش ليكرس الاستبداد والاستئثار بالسلطة كما هو الحال في سوريا وليبيا.

فخروج المتظاهرين في الدول العربية كانت ضد الاستبداد والدكتاتوريات وتطالب بالديمقراطية والحرية والعدالة وفرص عمل. اما خروج المتظاهرون في بريطانيا وحسب دراسة اجرتها صحيفة الجاردين على البيانات الصادرة من المحاكم تشير الى ان هناك نظريتين لتفسير ماحدث، الاولى انها احباط وامتعاظ متزايد شعرت فيه طبقة بان حقوقها قد انتهكت بسبب خفض مخصصات الميزانية لمراكز الاحداث والتعليم والبعثات، وتخفيض مساعدات الرعاية الاجتماعية مما اثر على مستقبلها. في نفس الوقت يرى هؤلاء تلاعب السياسيين بالفواتير لرفع مخصصاتهم البرلمانية، وكذلك يرون كيف يتلاعب مسئولو البنوك في رفع حوافزهم السنوية التي تقدر بالملايين. نتيجة ذلك شعر هؤلاء بالتهميش والعزلة عن المجتمع فلم يروا غضاضة في نهب المجتمع ومحلات الطبقة الغنية. ومع رفض التبرير الا ان النتيجة هي وجود علاقة بين ماحدث وبين الفقر والبطالة والشباب المهمل.

النظرية الثانية تركز على ان الشرطة تخلت عن دورها المعتاد وانصرفت الى الانخراط في المجتمع وتنظيم الحماية المجتمعية والتعاون معها حتى اصبحت الشرطة تتردد في فرض القانون عليهم، فتركت الشوارع للعصابات والمنحلين اخلاقيا.

ليس المهم صحة هذه النظرية او تلك ولكن المهم هو العملية التي دخل فيها المجتمع من دراسة وتحليل وجدل ونقاش مفتوح على اعلى المستويات وانتقادات متبادلة فيما بين السياسيين وبين الجمهور وحتى بين الشرطة والحكومة. المهم هو كيف تعامل المجتمع مع القضية وشرع في مناقشة مشاكله على المفتوح بكل جرأة وشجاعة لفهم القضية دون قيود او خطوط حمراء. فانعقد البرلمان لمناقشة القضية واستمعت الحكومة الى هجوم المعارضة على وصول الحال الى هذا الوضع وانتقدت سياساتها. وتناولت الصحافة ومراكز الابحاث القضية من جميع جوانبها وحللت الاوضاع وطرحت الاسئلة مستخدمة البيانات التي وفرتها وزارة العدل عن جميع القضايا والاحكام بكل شفافية. 

اما الحكومة البريطانية فقد تصرفت مع الاحداث على انها اعمال شغب وسعت الى التصدي لها باشد الاجراءات. لكن الخبير الامريكي الذي جلبه رئيس الوزراء للمساعدة في التعامل مع الاحداث حذر من هذا المسار، ويرى ان الحل هو مجتمعي ويحتاج الى مساعدة المجتمعات المحلية “لاستئصال ثقافة العصابات من جذورها”. ومع ذلك تصدى رئيس الشرطة ينتقد قرار رئيس الوزراء في الاستعانة باجانب، فهل يجرؤ احد الوزراء في الدول العربية على انتقاد اي قرار ناهيك عن رئيس الشرطة. وفي استقصاء للاراء اجرته جريدة الصن اتهم الحكومة بالبطء فيما فضل اخرون استخدام شدة اكثر، وضَغَط المجتمع على الحكومة لرفع ميزانية الشرطة. فيما يلوم البعض الاخر النظام الاقتصادي الانجلو سكسون الذي خلف طبقة معدومة لا تملك شيئ وركز الثروة لدى قلة من الناس.

هذا النقاش الديمقراطي في جو من الحرية والشفافية هو الذي يرجح التوصل الى حلول لمعالجة القضايا المحورية والهامة في المجتمع دون تغليب رأي على آخر او فرض رؤية رسمية واحدة على المجتمع. مثل هذه المجتمعات لا بد وان تتوصل الى علاج. هكذا حدث في فرنسا قبل عامين وهذا ما يحدث في بريطانيا اليوم وهذا ما سيحدث غدا في اسرائيل التي اجتاحتها مظاهرات تطالب بالعدالة الاجتماعية. ومع ذلك فقد ذهب امثال القذافي واحمدي نجاد وبعض الكتاب يطالبون بريطانيا بضبط النفس ويكيلون لها التهم بانها تاتي بافعال تنكرها على الدول العربية. 

ان المنادين بتطبيق ما تقوم به بريطانيا من تصدي للعنف هو مطلب سليم وضروري ويجب على الدول العربية تطبيقه لحماية الارواح والممتلكات، ولكن هل سيطبقون كذلك النظام الديمقراطي والحرية التي يتمتع بها المجتمع في طرح الاسئلة وتداول المعلومات ومناقشة القضية وتدارسها ومحاولة ايجاد حلول جذريه لاسبابها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟ فالنظام الديمقراطي يُصْلح نفسه ويستمر واذا فشل الساسة في مهمتهم فان صندوق الاقتراع القادم سيعاقبهم ويفقدهم مقاعدهم الرئاسية والبرلمانية ويعطي فرصة لطرف اخر للمحاولة. بينما تزيد الدول العربية من صناديق الذخيرة للفتك بالمجتمع واخضاعه لارادة الانظمة الدكتاتورية والاستبدادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *