نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٧ سبتمبر ٢٠٢٢ 

مقال الاسبوع – مضى على اطلاق الاستراتيجية الوطنية للتعليم (2014-2024) العالي ثمان سنوات، ماذا تحقق منها، هل يقوم مجلس التعليم العالي بنشر ما تحقق من اهدافها وفق المؤشرات التي وضعها. مازلنا نتحدث عن مواءمة المخرجات لمتطلبات سوق العمل. اذا كان الوسط التعليمي نفسه يجهل اهداف هذه الاستراتيجية فمن الصعب القول بان هناك استراتيجية؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1307738

مناقشة الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي

من الطبيعي في هذا الموسم ان يزداد الاهتمام بالتعليم كقضية وطنية لاكثر من سبب اولا افتتاح العام الدراسي والاستعداد لاستقبال عام جديد بعد الخروج من تغيرات فرضتها الظروف التي مرت بالعالم خلال الجائحة في العامين الماضيين وتاثيرها على مستوى التعليم، ثانيا العلاقة الوطيدة بين التعليم وسوق العمل وما تعانيه الكثير من المجتمعات العربية بما فيها البحرين من حاجة ملحة لمواءمة التعليم مع متطلبات سوق العمل، وثالثا ضرورة رفع مستوى التعليم بشكل عام لتواجه الامة التحديات التي تفرضها العولمة، وخامسا ان المجتمعات العربية مجتمعات شابه تصل فئة الشباب فيها الى 50% في بعض الدول وبالتالي ياخذ التعليم اهمية كبيرة في اعداد هذه الفئة العمرية وتسليحها بما يضمن لها عيشة كريمة والارتقاء الاجتماعي والمساهمة في تقدم بلدانها.

وضعت البحرين عدد من الخطط للارتقاء بالتعليم، مما يفرض متابعة حثيثة للنتائج ومحركاتها (وهو الاهم كون جودة التعليم تحتاج الى وقت طويل لظهور اثرها)، من خلال منظومة تقييم وقياس تتابع النتائج والمحفزات. تحدثنا في الاسبوع الماضي عن استراتيجية التعليم 2019-2022، ونستعرض في هذا المقال استراتيجية التعليم العالي 2014-2024 بعد ثمان سنوات من العمل بها.

تُحدد الاستراتيجية في رؤيتها ان “تكون البحرين مركزا اقليميا تقدم تعليما عاليا بجودة عالية يتمتع خريجيها بمهارات ومعرفة وسلوك مطلوبين عالميا للنجاح في اقتصاد المعرفة، والمساهمة في استدامة نمو التنافسية البحرينية”. تركز الاستراتيجية على مسارات رئيسية تكرسها في مناهجها وطرق تدريسها اهمها تحسين الجودة، مهارات المستقبل، المساهمة الاستراتيجية في الرفاه والمساواة وبناء رأس المال البشري، ان تكون البحرين وجهة تعلمية، التكنولوجيا لخدمة التعليم، وريادة الاعمال. وان تساهم كل هذه المسارات في الاولويات الوطنية.

للمضي في هذه المسارات اعتمدت الاستراتيجية اهداف رئيسية اهمها خلق بيئة تعليمية ثقافية تناسب مختلف الطلبة الخليجيين وغيرهم؛ توفير تعليم ملائم يستجيب لمتطلبات مجتمع الاعمال والوسط الصناعي بتسليح الطلبة بمهارات القرن الواحد والعشرين؛ تحفيز مؤسسات التعليم العالي بتوظيف كفاءات تعليمية قادرة على  استدامة الجودة والالتزام بمعاييرها؛ تشجيع المشاركة في توطين التعليم وتنويعه ليتناسب مع متطلبات اقتصاديات المنطقة بمختلف المستويات. وقد تم تكليف امانة مجلس التعليم العالي بجمع البيانات وتقييم ومراقبة النتائج. كما عليها رفع مستوى الالتحاق بالتعليم العالي، خصوصا في مسارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، رفع معدل التحاق الطلبة من المنطقة. بالاضافة الى رفع مستوى المعلمين، تخريج رواد اعمال، واستخدام التكنولوجيا في التعليم.

ان نجاح تنفيذ الاستراتيجية سوف يعتمد على ما يتحقق من نتائج في رفع مساهمة الخريجين في سوق العمل وفي رفاهية المجتمع وتقدمه في مختلف المجالات. وهذا ما اشارت له الاستراتيجية في وضع “النتائج المتوخاة” الطموحة التي تساهم في خلق مجتمع الرفاه، وتكافؤ الفرص، ونمو التنويع الاقتصادي والريادة في اقتصاد المعرفة، البناء على تقاليد الانفتاح، والاستدامة المالية.

قبل ان نعرض ملاحظاتنا لا بد من القول بان عدم مواءمة التعليم مع سوق العمل مسئولية اكثر من جهة، وزارة التعليم ومجلس التعليم العالي من حيث توفير متطلبات السوق، ووزارة العمل من حيث اصلاح سوق وما احدثته العمالة الوافدة من تشوهات في السوق وبشكل خاص تدني الاجور والمنافسة غير المتكافئة وعلاقتها بالبطالة وعدم مواءمة المخرجات، ومن جهة ثالثة سياسات التنمية وتنويع الاقتصادي وبطء التكامل الخليجي الذي مازال في بداياتها. ففرص العمل المتاحة وظروف العمل وفرص الريادة والاستثمار جميعها يتاثر بواقع المنطقة.

ومع ذلك، اليوم وفي عصر التكنولوجيا، ليس من الصعب متابعة الطلبة بعد تخرجهم لمعرفة مدى نجاحهم في التوظيف، ومتابعة استمرارهم في الوظيفة او التوجه للدراسات العليا، واعداد احصائيات تبين نسب الحاصلين على عمل في الستة اشهر الاولى وما بعدها، والمتوجهين للدراسات العليا، ومن اختار العمل الخاص. مثل هذه البيانات تفيد في وضع الخطط المستقبلية، وينبغي ان تكون مادة “للمشاورات الوطنية” التي يطالب بها بعض مسئولي الجامعا. لا ندري ان كانت الجهات المعنية تجمع مثل هذه البيانات ام لا ونامل ان تنشرها ان وجدت.

بالنظر الى هذه الاستراتيجية يتبين انها شاملة وطموحة واستمرت ثمان سنوات، وهناك نبرة متفائلة لدى  القيادات بان الوضع في تحسن. هذا يدعو الى ضرورة نشر مقارنة الوضع في 2014 مع ما تحقق اليوم وما سوف يتحقق في نهاية 2024. في نفس الوقت نلاحظ ان هناك مسئولون في الجامعات والمدارس الخاصة يقدمون مقترحات ومطالبات (على انها جديدة) بالرغم من  ورودها في الاستراتيجية، مما يوحي بعدم اشراكهم في عملية التخطيط، او عدم اطلاعهم على النتائج المتحققة، او ان هناك اشكالية في التواصل وتنفيذ الاستراتيجية.

فمثلا، تقول احدى المسئولات ان الطلبة بحاجة لاكتساب مهارة كيفية التعلم المستمر، ومهارة التعلم والتحليل، وهذه من المهارات التي وضعتها الاستراتيجية في برنامجها. فلماذا تطالب بها مديرة جامعة؟ هل لعدم اطلاع، ام هي صعوبات في تنفيذ الاستراتيجية وتحقيق نتائج. والحالتان تشيران الى اشكالية تواصل واشراك الجامعات والمعاهد.

كذلك يفيد احد المسئولين في حديث له، ان الخريجين في كثير من الحالات يتمتعون بالمهارات الاساسية ولكنهم يحتاجون الى تدريب عملي على رأس العمل، وهذا قد لا يكون متوفر لدى الشركات مما يوسع الفجوة بين المخرجات والمتطلبات. واخر يطالب باضافة تحسين موقع الجامعات البحرينية في التصنيف العالمي كهدف استراتيجي لاستقطاب طلبة من خارج البحرين. ويطالب اخر برصد نسبة من ميزانية الجامعات للبحث العلمي. ويقترح اخر بالابتعاد عن المحاضرات واعتماد طرق جديدة للتعليم اكثر التصاقا بالواقع العملي لمعرفة تحديات سوق العمل. كذلك تشير رئيسة جامعة بوجود فارق بين التعليم في الفصول الدراسية وتعليم القوى العاملة والموظفين، مؤكدة الحاجة الى اكتساب مهارات التعلم والتحليل وحل المشاكل.

ويقترح بعض المسؤولين “الحاجة الى العمل الجماعي والتنسيق بين الجامعات والوزارة ومجلس التعليم العالي للعمل كمنظومة واحدة لتحويل البحرين لمركز للتعليم الجامعي واستقطاب طلبة مجلس التعاون والعالم، بما يجعل البحرين مركزا للتعليم العالي المتميز”.

معظم المقترحات والملاحظات التي قدمها المسئولون في الجامعات الخاصة وردت في اهداف الاستراتيجية وكان المفروض ان يجري الحديث عن ماذا تحقق خلال الثمان سنوات الماضية، وماهي التحديات التي واجتهم وكيف التغلب عليها، اما طرحها كمواضيع جديد وفي حوار مع نائب رئيس مجس الوزراء يوحي باشكالية في اما في تنفيذ الاستراتيجية وتحقيق نتائج او قصور في التواصل بين الجامعات الخاصة ومجلس التعليم العالي.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *