د. محمد عيسى الكويتي
25-12-2022
مقال سابق – البرنامج 2023-2026 لم يضع عرض لما تحقق في السنوات السابقة من البرنامج السابق، لتكون بداية نقيس عليها الانجاز من البرنامج الحالي. ولم يحدد اسباب العجز في الميزانيات السابقة وتراكم الدين العام. عرض قضايا هامة لكنه لم يحدد حلول لها مثل البطالة ومستوى المعيشة وتطوير المجتمع المدني ورفع قدراته. فهل الميزانية ستعالج ذلك؟
صدر برنامج عمل الحكومة للاربع سنوات القادمة، وشمل اولويات واهداف ومحاور تتعرض الى قضايا هامة ومحورية تشغل المواطنين بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم. استقبل المجتمع هذا البرنامج ببعض من الترحيب بشموليته وكثير من التساؤلات حول ماذا تريد الحكومة تحقيقه بعد الاربع سنوات من القضايا المطروحة وماهي آليات وسياسات التنفيذ؟ وكيف سيعرف المجتمع والحكومة ومجلس النواب ماذا تحقق، وماذا بقي والى ماذا يحتكم المجلس والمجتمع في غياب معايير ومؤشرات ومدد زمنية للتنفيذ؟ للاسف لم يُجب البرنامج على مثل هذه التساؤلات وغيرها وربما قد تتضح بعض الامور بعد مناقشات النواب وطرح استيضاحاتهم.
صدر برنامج الحكومة وكان بودنا لو انه بدأ بتلخيص الواقع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والسيادي، وفَصَّلَ ماذا تحقق من الاهداف التي وضعت في الخطة السابقة، وتحديد الامور التي اثرت في الاداء ايجابا او سلبا، وكيف سيتم معالجتها، وربط ذلك باهداف ومبادرات الخطة الحالية. كان هذا سيخلق سياق للخطة الجديدة واستمرارية في التقدم نحو اهداف الرؤية 2030. فمثلا شملت الخطة السابقة في مقدمتها ملخص لاهم المؤشرات الاقتصادية الكلية مثل مساهمة القطاعات في الناتج المحلي على مدى السنوات الاربع السابقة؛ مستويات البطالة مثلا وكيف تطورت؛ والتضخم وماذا حدث له وكيف تاثر؛ مستوى العجز في الميزانية واسبابه. في حين لم تشمل هذه الخطة مثل هذه التفاصيل مما يجعلها تبدو منفصلة عن الخطة السابقة وليست استكمالا لما سبق تحقيقه. كذلك تطرقت الخطة السابقة الى “تعزيز سبل التعاون مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول الشقيقة والصديقة”. لم يتضح موقف هذه الخطة من التعاون والتكامل مع دول مجلس التعاون ومع الدول العربية ضمن مشروع التكامل العربي؟ ولا كيفية الاستفادة من السوق السعودي والاماراتي. تحقيق التنوع الاقتصادي والتنمية المستدامة سيكون صعبا دون الاستفادة من التكامل الخليجي والعربي الذي يعتبر من ركائز التنوع الاقتصادي والاستدامة؟
لدى المجتمع قضايا هامة وردت في تصريحات المسئولين في الحكومة، وتكررت في البرامج الانتخابية للنواب، ويتم الافصاح عنها في التواصل الاجتماعي، اهمها قضية البطالة وقضية المتقاعدين ومستوى المعيشة، والدين العام والعمالة الاجنبية وتجويد التعليم والصحة وطلبات الاسكان. كل من هذه القضايا له تاثيره الكبير على الاستقرار الفردي والاسري والمجتمعي والسياسي. فلو ان البرنامج فصل في كل من هذه القضايا وحدد المؤثرات الداخلية والخارجية عليها، وبين مخاطرها واثرها على الاستقرار المجتمعي والسياسي. ومن ثم بين كيف سيتعامل معها هذا البرنامج وماهو المنتظر تحقيقه في الاربع سنوات القادمة ونتائجه المتوقعة محددة بارقام ومدد زمنية. مثل هذه المقاربة الواضحة تخلق بيئة تتعاون فيهت جميع الجهات، تعاون يقوم على بينة تحد من الاختلافات في التفسير. يعلق احد المغردين بالقول ان “التعاون بين السلطتين يقتضي ان يكون البرنامج واضحا قابلا للمحاسبة والمساءلة، يخلق حالة توازن بين المجلس والحكومة”.
صدر برنامج الحكومة في ثلاث اولويات، الاولى تتحدث عن الامن والاستقرار والعدالة. الثانية تتعلق بالتعافي الاقتصادي والتنمية المستدامة، والثالثة تتطرق الى الخدمات الحكومية وجودتها وتنافسيتها. تتحقق هذه الاولويات الثلاث من خلال عشرة اهداف عامة اقتصادية واجتماعية ومالية وبيئية، تناولت قضايا معيشية وتنموية وامنية وطبيعة التغيير في الخدمات الحكومية وشملت الشباب والمرأة والقطاع الخاص، بما فيها امن المجتمع وحفظ الثروات والموارد، وتطوير اداء الحكومة وخلق فرص عمل نوعية. تتحقق الاهداف العشرة من خلال خمس محاور هي المحور السيادي والتشريعي، محور البنية التحتية والبيئة، محور التعافي الاقتصادي والاستدامة المالية، محور الخدمات المجتمعية، محور الاداء الحكومي والتحول الرقمي. تنبثق من هذه المحاور 106 بنود. في هذا المستوى فان الخطة تتسم بالشمولية لكنها تخلو من مبادرات واضحة المعالم ومحددة.
بعض الاهداف العشرة عبارة عن تصور عام من الصعب تحديدها دون ربطها بسياسات ومعايير ومؤشرات اداء توضح وتحدد مستوى الانجاز المتوقع فيها، وماهو موقفنا منها اليوم. فمثلا لو اخذنا الهدف الاول المتعلق ب “خلق المزيد من فرص العمل النوعية للمواطنين في مختلف المجالات”، نرى ان تحقيق هذا الهدف يحتاج الى تحديد ابعاد البطالة وطبيعتها ومراجعة العلاجات السابقة والحالية لمعرفة التغييرات المطلوبة في سياسات سوق العمل، وقد يقتضي الامر سن تشريعات وتخصيص ميزانيات للتدريب، وقد يتطلب احداث تغيرات في المنظومة التعليمية، والسياسة الصناعية الخ. اي ان الخطة تكتمل بوضع سياسات مرتبطة مباشرة بالهدف تمثل آلية تنفيذ وتحدد المستوى المستهدف. كذلك الهدف الرابع “دعم مساعي التنمية الشاملة بالتحول الى اقتصاد انتاجي مزدهر”، ماذا نعني بالضبط بعبارة “اقتصاد انتاجي مزدهر”، وكيف سيتحقق وماهو المستوى الحالي للاقتصاد الانتاجي وما هي السياسات وبرامج التحول التي سوف تطبق، وكيف سيؤثر ذلك في الميزانية؟ كذلك لا تتضح في الخطة سياسات تربط الاهداف هذه بالاولويات والرؤية العامة. جوانب من الاهداف يمكن ان تتحقق من خلال تشريعات، لكن غالبيتها تتطلب انفاق مالي لا بد ان تتضح كلفته ضمن الخطة لكي توضع الميزانية معبرة عن هذه الكلفة. بدون هذه التفاصيل سيكون من الصعب على مجلس النواب والمجتمع متابعة التقدم التنموي والانجاز في المحاور والاهداف الاخرى.
خطة الحكومة تمتد اربع سنوات وهي فترة ليست بالقصيرة، وهناك امثلة لدول خليجية وضعت خطط خمسية شملت اهداف واضحة ومحددة بمدد زمنية ومؤشرات يمكن مقارنتها ومساءلتها ومعرفة مستوى الانجاز فيها. فمثلا نجد ان الخطة العاشرة في المملكة العربية السعودية تضع 24 هدفا يرتبط كل منها بسياسات، ومن ثم اهداف فرعية مزمنة ومحددة بمعايير تمثل في مجموعها عناصر تحقيق الهدف العام المرتبطة به. تفتقر خطة الحكومة الى مثل هذه الالتزامات التي يمكن ان تبين مستوى التنفيذ وتوقيته، وتتيح المساءلة الموضوعية من قبل مجلس النواب والمتابعة من المجتمع.