بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ١٧ ٢٠٢٢
مقال الاسبوع – اهمية #التعليم في #بناء_الانسان والمجتمع ينبغي ان تكون قناعة راسخة تخضع لها جميع السياسات والقواعد المنظمة للمجتمع. ندوة شارم الشيخ اثارت الكثير من التساؤلات. الى اي حد نجحت في توجيه الموارد نحو التعليم وماذا كانت نتائجها؟ مازالت غير واضحة.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1305588
تستعد الاسر البحرينية لاستقبال العام الدراسي الجديد وتستعد الاسواق لتحضير ما يتطلبه هذا الموسم. وتستعد الوزارة لتجهيز مستلزمات المدارس والفصول والمدرسين لهذا الاستقبال. اما بالنسبة للمجتمع فان همه الاكبر ماذا بعد التخرج؟ وقد عبر عدد من الكتاب عن هم جودة التعليم واقيمت الندوات تناقش التعليم وسوق العمل ليس في البحرين فقط وانما في الوطن العربي بشكل عام، فالهم يكاد يكون واحدا.
لا يخلو اي مجتمع من التحديات، والمجتمعات العربية ليست استثناءا، فهي تعاني من تحديات عدة، منها تحدي البطالة وتدني مستوى وجودة التعليم بشكل عام، وتناقش قضايا التعليم في اكثر من مناسبة واهمها قضية العلاقة بين التعليم وسوق العمل. لا يرتبط التعليم فقط بسوق العمل، وانما بمستقبل الامة وقدرتها في المنافسة، وبدوره الحضاري والانساني ومساهمته في التقدم البشري. فالتعليم لا يقتصر على تهيئة الشباب للوظائف، لكنه يشكل وعي الامة وفكرها وتعاملها مع الحياة ومع المتغيرات، ويخلق لديها القدرة على التحرر من قيود الماضي وتوظيف الفكر في نقده وتحليله وتجاوزه نحو الابتكار والابداع والتجديد. وهكذا تكون الامة حيوية متفاعلة مع الحاضر، قادرة على تخريج قيادات وقدرات ومهارات تعمل على تطوير المؤسسات (من محفزات وقيود وكيفية توظيفها). وقادرة على الانتاج العلمي والفكري لبناء انسان لمجتمع المستقبل.
من هذا المنطلق نرى استرجاع الذاكرة الى ندوة حول التعليم في شارم الشيخ (23 إلى 24 أبريل)، تحت شعار “تحالف عاصفة الفكر 8” بتنظيم من مركز الشيخ عيسى بعنوان “مستقبل التعليم والبحث العلمي في العالم العربي”. شارك في الندوة، بالاضافة الى مركز الشيخ عيسى، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، جامعة الامام محمد بن سعود بالمملكة العربية السعودية، ومحافظة جنوب سيناء وكلية العلوم الاجتماية بجامعة الكويت. وبحضور عددا من المسئولين من سلك التعليم والمفكرين والخبراء والباحثين في مجال التربية والتعليم على مستوى الوطن العربي.
هدف المؤتمر الى ايجاد صيغة مبتكرة لفهم احتياجاتنا حول مستقبل التعليم والبحث العلمي العربي، وان يكون فرصة لوضع اطر فكرية وثقافية واجتماعية وتخصصية، لجعل التعليم “مهنة نبيلة لها ابعادها في رسم المستقبل”، ويكون الجميع، دون استثناء، مساهما في تلوينها. وكذلك ايجاد معادلات الربط بين مخرجات التعليم واحتياجات الثورات الصناعية والرقمية، وماهية مناهج المستقبل المناسبة، وتأثير مفاهيم المدارس الذكية والعولمة التعليمية على تشكيل قيم وملامح مجتمعاتنا العربية ومستقبل أجيالها.
في افتتاح الندوة تفضل د.الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة (نائب رئيس مجلس الأمناء المدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي)، بالقول ان التطورات التقنية والمعربية تحتم علينا التحول في آليات التعليم بعالمنا العربي نحو الابتكار والإبداع. وان يكون التعليم قوة دفع لتنمية المجتمع العربي ويطرح الشيخ خالد السؤال: “ماذا حقق التعليم في العالم العربي بعد 100 عام؟”.
تحدث المنتدون عن دور التعليم في تكوين شخصية الفرد العربي. فيقول محافظ جنوب سيناء ان اهم القضايا هي تكوين شخصية الفرد العربي، واعداد العنصر البشري من سن مبكرة اعدادا علميا وعمليا واخلاقيا ليستطيع التفاعل مع البيئة والمشاركة الفاعلة في إحداث التغيرات الايجابية في مجتمعاتنا. ويضيف ان التعليم هي اللبنة الاولى لتقدم الامة، وعلينا ان نبدأ بمنظومة التعليم فهو طريق التقدم والنهوض بالشعوب.
يقول عميد كلية الاعلام بجامعة الامام محمد بن سعود، ان الجامعات العربية تخلفت عن المراكز ال 200 الاولى على مستوى العالم، وان المهاجرين من المتعلمين العرب يفوق نصف مليون. ويرى ان هذا يستوجب اعادة التفكير في التعليم ودوره في المجتمع. اعادة التفكير سوف تتطلب دعم القيم التي تحث على البحث والتطوير وما يترتب عليها من حاجة لتنمية القدرات التحليلية والنقدية وحل المشاكل والابتكار. ويوكد د. جمال السويدي (رئيس رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الامارات) على اهمية تطوير التعليم المدرسي ليكون اكثر ابداعا وابتكارا، بالاضافة الى وضع مقررات جامعية تهيء المواطن العربي للمنافسة في الاقتصاد العالمي وتلبية متطلبات سوق العمل، وجعل الجامعات تساهم في تنمية المجتمعات ودفعها نحو المستقبل.
فيما يتعلق بمناهج المستقبل فقد استغرضت د. سهام القبندي (كلية العلوم الاجتماية بجامعة الكويت) استراتيجية التعليم العام في الكويت (2005-2025) والتي تقوم على “المساهمة والتفاعل مع العصر وما يتطلبه من حرية فكرية وتجاوبا مع المتغيران”. وما يتطلبه من اعادة تقييم المسيرة التعليمية في كل من دول المنطقة. وتضيف بانه “لا مكان لتعليم يكرس ملكة الحفظ لدى الطالب دون ان يفكر، ولا جدوى من معلم بعقلية موظف وليس صاحب رسالة، وادارة مدرسية لا تقدر المسئولية الكبيرة والوعي بدورها في تقدم الامة. وادارة تكبل نفسها بقيود الماضي، وتشريعات تسيس التعليم لا تطوره، ورقابة تهتم بالقشور وتتجاهل الجوهر والمضمون”.
طرحت الندوة الكثير من الاسئلة كما طرحت عددا من التوصيات. فمثلا تطرح تساؤلا حول ماهي مناهج المستقبل المناسبة وكيف يتم تشكيل قيم مجتمعاتنا ومستقبل اجيالنا، واي القيم التي نسعى الى غرسها في شبابنا؟ ومتى؟ كما تحدث المؤتمر عن تكوين “شخصية الفرد العربي” واعداده علميا وعمليا واخلاقيا وفكريا. هذا يستوجب معرفة الشخصية العربية وتحديد ملامح المجتمع العربي، وماهي الخصائص التي نريد ان يتحليا بها؟ وكيف نؤسس لهما من خلال التعليم. وهل التعليم لوحده قادر على خلق مثل هذه الشخصية وهذا المجتمع ام نحتاج الى تحولات فكرية تعزز الفكر النقدي والابتكار والابداع وما يتطلبه من توسيع مجال الحريات. وما هي الادوات الفكرية والاخلاقية والقيمية التي تؤهل الشخصية العربية لتكون عنصرا ايجابيا مشاركا في القرار ومجتمع حيوي مساهم في صناعة المستقبل؟ وهل التعليم لوحده قادر على خلق مثل هذا الفرد والمجتمع ام نحتاج الى تحولات سياسية فكرية تعزز الفكر النقدي والابتكار والابداع وما يتطلبه من توسيع مجال الحريات.
هذه التساؤلات تدخلنا في ضرورة تشريح كل ماهو قائم لمعرفة اسباب تراجع انتاجنا المعرفي والعلمي وموقعنا الاقتصادي والسياسي والحضاري بين الامم. هذا يدخلنا في دائرة مغلقة: سنحتاج الى الحرية الفكرية التي نحاول تكريسها من خلال التعليم الجديد، ولن يتحقق التعليم الجديد دون هذه الحرية الفكرية التي تمكننا من تشريح الحاضر وقيوده على التقدم العلمي والحضاري. كيف نعالج هذه المعضلة هي احد التحديات التي تواجهه الامة العربية.