نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. هل نحتاج الى قانون لرعاية المخترعين 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تاريخ النشر 17 اغسطس 2007 

في يوم الاثنين الموافق 6 اغسطس 2007 نشرت اخبار الخليج رد جامعة البحرين حول مشروع قانون لدعم المخترعين تقدم به النواب ويشمل تشكيل ملجس اعلى لدعم المخترعين الذي تم عرضه على عدد من الجهات المختصة. تناول تعليق الجامعة تعريف المخترع، وكيف يتم تقييم المخترَع وكيفية توزيع عائدات البراءة، واخيرا اهمية اشراك الجامعات في المجلس الاعلى وعملية تقييم الاختراعات.

هذه نقاط مهمة لكي يكون القانون شاملا. غير ان الهدف من هذا المشروع كان غائبا. فيما نشر، يمكن استنباطه من فحوى الكلام وهو “تشجيع الابتكار والاختراع للاستفاده منه اقتصاديا في دفع عجلة التنمية المستدامة”. والسؤال” هل يساهم هذا القانون في ذلك؟ اتذكر عندما كنا صغارا نعلب الكرة كان اهم ما نحتاج اليه هو وجود الكرة والباقي نستطيع ان نوجده. وفي هذا المجال اين الكرة؟ اللاعب مستعد للتمرين والمدرب موجود والملعب حشيش واللباس مكوي، لكن لا توجد كرة!

ان وجود القوانين ووجود لجان التقييم ومجلس اعلى كلها امور مساعدة ومهمة للابداع، كما توجد الصناعات المتمثلة في الالمنيوم والبتروكيماويات والحديد والنفط والثروة السمكية والمائية وغيرها. ولكن الاهم في الموضوع هو وجود مراكز الابحاث التي تهتم بتطوير هذه المجالات وانتاج تكنلولجيا وطنية. 

من يصنع المخترعين؟ هل هو المجتمع ام الجامعة ومراكز الابحاث ام الحاجة ام الامكانات المتاحة ام الصناعات القائمة ام الفرص والصدفة؟ كل هذه مجتمعة تشكل منظومة مساندة. المخترع يصبح مخترعا والباحث يصبح باحثا والمبتكر مبتكرا، والعالم عالما عندما يمارس المهنة في بيئة صالحة ومساندة توفر له متطلبات البحث والابتكار والاستفادة من نتائج الابحاث في خلق صناعات ومنتجات تعود على الاقتصاد بالنفع وتترجم الى فرص عمل وتصدير ورواتب مجزية ودخل للدولة وناتج قومي ، والا ما فائدة الاختراع وبراءة الاختراع اذا بقي في درج مغلق من دون تحويله الى منتج يستفاد منه او علم ينتفع به؟

تنتج جامعة البحرين ما يقارب 80 مشروع بحثيا في فصل دراسي واحد، والسؤال كم من هذه المشاريع يجد طريقه الى التنفيذ او يلقى الاستخدام الاقتصادي ويتحول الى منتج او تحسين في منتج قائم؟ كثيرا ما نقرأ ان عالما عربيا حصل على جائزة علمية رفيعة او ساهم في اختراع معين او اكتشاف مهم. لكن للاسف عندما نواصل قراءة الخبر نجد انه يعمل في مركز ابحاث اجنبي. ولو بقي هذا العالم في بلده لما تعدى كونه استاذا في جامعة مضطهد لمجرد انه سيحاول ان يفكر بحرية ويتنفس الابداع. كل ذلك يدل على ان الخلل ليس في الافراد ولكن في المنظومات السياسية والاجتماعية.

ان ما نحتاج اليه اكثر من قانون تشجيع المخترعين هو ايجاد القاعدة البحثية والصناعية الانتاجية التي تهيئ المناخ المناسب للفكر الحر الخلاق ليحاول ويخطئ ويصيب. ان موهبة البحث والاختراع والابتكار ليست حكرا على الغرب، فهي تنمو بالتدريب والممارسة والقائدة المادية التي تعود على المخترع، وهذه منظومة متكاملة. فالذي يخلق الباحث ليست القوانين والجوائز التشجيعية وانما ايجاد هذه البيئة المناسبة مدعومة بميزانية حقيقية وخطة استراتيجية باهداف اقتصادية تنموية قائمة على الاستفادة من العلم والمعرفة. واذا كان لا بد من قانون دعم المخترع ارى ان يضاف اليه قانون اخر للبحث العلمي يفرض على المؤسسات ضريبة بحث علمي. وهي عبارة عن نسبة من الارباح ومن المخصصات ان كانت وزارات او مؤسسات في الدولة ودواوين وهذا اقل ما يمكن عمله لاقامة قاعدة بحثية تشكل البيئة المناسبة للمبدعين والباحثين بان يعملوا بشكل مؤسساتي وليس بجهود فردية.

الى متى تبقى الدول العربية والخليجية والبحرين بصفة خاصة تتجاهل اهمية البحث العلمي في انتاج المعرفة؟ وبودي لو تطالعنا وزارة المالية بجدول  يوضح نسبة مساهمة الدولة في البحث العلمي من عام 1973 (الطفرة النفطية) الى اليوم مقارنة بما انفقته على المؤتمرات والاجتماعات والاعلانات والاشادة والتهاني التي تتحدث عن التنمية الاقتصادية. فقد تظهر الارقام ان ما انفق على دراسة مكنزي ونتائجها قد يفوق ما نفتقه الدولة على البحث العلمي منذ تاسيس الجامعة ومركز الدراسات والبحوث.

ان الاقتصاد المعرفي ليس تمنيات وانما هو عمل وجهد وتخطيط ورؤية واضحة تساهم في وضعها الجهات المختصة ويتم تنفيذها بشفافية ووضوح ومثابرة من قبل مواطنين مؤهلين. عندما قررت العراق الخوض في مجال التسليح ارسلت الالاف من الطلاب الى الجامعات الغربية واقامت مراكز الابحاث وانفقت عليه يسخاء ولولا رعونة القيادات العراقية والامريكية وتخاذل العرب لكان لها شأن آخر. كذلك الحال بالنسبة الى ايران فقد ارسلت الطلبة وعملت على اقامة المراكز البحثية وطورت الصناعات العسكرية وها هي اليوم تنتج الطائرة المقاتلة. هذا يدل على ان الارادة السياسية هي المفتاح في التقدم العلمي وليست القوانين المشجعة, فهل تملك قياتنا الرغبة الاكيدة في اخذ البلاد الى مجال ارحب من التقدم والابداع والابتكار؟ كلنا امل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *