1. عودة إلى المراجعات.. ظاهرة الاستهلاك غير الضروري 8-3-2017

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٨ مارس ٢٠١٧


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- احد اسباب الاسراف في الانفاق هو الضغط الاجتماعي من علية القوم الى القاعدة مما يؤكد الحاجة الى مراجعات مجتمعية لمعرفة اين تكمن المشكلة واين تكون المسئولية

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14229/article/66120.html
انتهينا في مقال الأسبوع الماضي بطرح سؤال حول التحديات في منطقة الخليج الناتجة من تدني أسعار النفط وخياراتنا التنموية للمعالجة.
 والسؤال الذي تم طرحه والذي نرى ضرورة تداوله وتعميق النقاش حوله على مستوى البحرين وعلى مستوى مجلس التعاون هو: هل الحل لتدني سعر النفط هو اقتصادي بحت، أم أن الوضع الراهن يدعو إلى حلول شاملة تطول المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. وما دور الدولة والمجتمع والمواطن والمجالس المنتخبة في هذا النقاش؟ 
 إذا كان النشاط الاقتصادي يقرر عمليات تكوين الثروة وكيفية توزيعها في المجتمع. فهذه عمليات ليست مستقلة بل لها علاقة وطيدة بحالة الأمن والاستقرار في البلاد والتي بدورها تعتمد على مستوى الحريات ومستوى المشاركة السياسية في صنع القرار وفي تحمل المسؤوليات والعدالة في توزيع الثمار. لذلك نرى أن الحلول الشاملة والمراجعات العميقة لمسيرتنا القطرية والخليجية تكتسب أهمية كبيرة بعد أن أصبحنا على المحك ومستقبلنا مرتهن بقدرتنا على إيجاد البدائل للنفط وخلق البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المناسبة للتنمية.
 من هذا المنطلق نرى أن الوقت قد حان لإجراء مراجعات عميقة في مسيرتنا منذ بداية الألفية الثالثة. المراجعة لا بد أن تستند إلى ثوابت وأسس ننطلق منها والواقع يحتم علينا (نحن في البحرين) أن نعتبر الميثاق الوطني هو نقطة الانطلاقة ونقطة المراجعة كونه يمثل إجماعا وطنيا.
 يمكن تناول المراجعات هذه من خلال ثلاث محطات رئيسية في مسيرتنا الإصلاحية. المحطة الأولى هي الميثاق الوطني، والمحطة الثانية هي الرؤية الاقتصادية 2030, والمحطة الثالثة هي أحداث فبراير 2011. 
 هذه المحطات تمثل فرصة للمراجعة والاستفادة من الدروس التي خرجنا بها. كما أن المراجعة ينبغي أن تكون على مستويات مختلفة، على مستوى الدولة وعلى مستوى المجتمع ومكوناته من جمعيات سياسية ومؤسسات المجتمع المدني وعلى مستوى مجلس النواب وعلى مستوى المواطن.
 تحدثنا في مقال سابق عن ضرورة المراجعة لحصاد الميثاق ومبادئه وهل نحن فعلا نسير في المسار الذي رسمه لنا؟ وماذا تحقق حتى الآن وماذا ينتظر في هذه المسيرة؟ كذلك تحدثنا عن ضرورة مراجعة أحداث فبراير 2011 ولماذا حدث ما حدث وما هي الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من التجربة. كما دعونا الجمعيات السياسية الى أن تطرح نفس التساؤلات فيما يتعلق بدورها في أحداث 2011 وأن تبدأ التفكير في الانخراط في العملية السياسية من دون تحفظات وأن تعمل بجهد مضاعف لتطوير المجلس النيابي من الداخل بخطوات صغيرة ومتراكمة تتفادى القضايا الخلافية وتركز على القضايا المشتركة. 
 أما على مستوى المواطن، شاء أم أبى، فإن ملف مراجعة عاداته في الإنفاق وسلوكه الاقتصادي أصبح موضوعا للنقاش وقد تم فتحه في الندوة التي أقامتها جمعية الصحفيين، وعلى لسان معالي رئيس مجلس الشورى. تبعتها جريدة «أخبار الخليج» بمقابلات أجرتها مع نواب ورجال أعمال واختصاصيين حيث تم طرح سؤال حول ترشيد الإنفاق في المجتمع البحريني والحد من القروض الشخصية التي بلغت 3.6 مليارات. 
 اتضح من المقابلات أن هناك نوع من الإجماع على تفشي الإسراف والتبذير, بدأت الظاهرة مع الطفرة النفطية في الثمانينات مدفوعة بتسابق الأسر على تقليد بعضها بعضا. وان شيوع هذه الثقافة هو نتيجة ضغوط اجتماعية، فيبدأ الإنفاق غير الرشيد من الأسر في قمة الهرم الاجتماعي والأسر الميسورة ويشكل ضغطا على من هم دون ذلك. ثانيا إن ثقافة التبذير هذه هي تخالف الموروث من الثقافة الدينية والتقاليد المجتمعية التي سادت قبل الطفرة النفطية. ثالثا أن الإسراف يأتي من غياب الوعي بعواقب الاقتراض والاستهلاك غير العقلاني. رابعا إن الإسراف يشترك فيه المواطن والحكومة على السواء. وطالب المتحدثون بضرورة التصدي لهذه الظاهرة باستراتيجية طويلة المدى تشترك فيها الحكومة من خلال وزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام بإشاعة ثقافة الإنتاج والحد من الإسراف. وكذلك تكريس مفهوم التخطيط الأسري للميزانية وجعل التوفير عنصرا أساسيا في هذه الميزانية.
 كمساهمة في المراجعة والنقاش نورد أهمية الثقافة المجتمعية في تغيير النمط الاستهلاكي ومصدره. نرى أن المساهمة في تفشي هذه الظاهرة تأتي من عدة جهات. أولا أن هذا السلوك له أساس في القيادات والنخب في المجتمع التي تقود هذا السلوك، وفي مجتمع صغير مثل البحرين فإن الضغط الاجتماعي كبير ويشجع التقليد والصرف الزائد عن القدرة المالية للفرد. 
 من الموروث الثقافي في الخليج والناتج من الطفرة النفطية هو أولا: أن الكسب لا يربط بالعمل. تعودت فئات من الناس على الكسب من دون جهد (عدم الربط بين الإنتاج والكسب). فالجهد والاجتهاد لا يحقق النجاح المادي بالضرورة. فهناك الكثيرون في المجتمع صعدوا سلم التقدم الاجتماعي من دون أي مساهمة في الإنتاج. ثانيا: الدين الإسلامي يحث على الجهد والعمل لكن التقاليد فصلت بين العمل والكسب وجعلت التحصيل منفصلا عن الاجتهاد، والتوفير لم يعد الوسيلة الوحيدة للثراء.
 ثالثا هناك مفهوم مجتمعي له أصل ديني وهو أن الرزق بيد الله ولا يعتمد على الجهد المبذول. هذا المفهوم يمكن أن يؤدي إلى التواكل أو يؤدي إلى فتور في السعي. 
وهنا لا بد من استدراك وهو أن التعميم في اتهام الموطن بالتبذير ليس دقيقا. فوفق وزارة العمل هناك 455 ألف أسرة تعيش على أقل من 300 دينار في الشهر، ويوجد 120 ألف أسرة تستلم المعونة الاجتماعية. ولا أعتقد أنه من الإنصاف إشراكهما في التبذير. ولكن يمكن القول إنهما يقعان في دائرة المتأثرين بالضغط الاجتماعي.
 وهناك أيضا تساؤل: إلى أي مدى هذا التشخيص دقيق؟ وهل وجود السيولة بالضرورة يؤدي إلى الإسراف في الإنفاق؟ أم أن الإسراف هو عادة (وثقافة) يكتسبها الإنسان من البيئة المحيطة به وأن الضغط الاجتماعي يأتي من المستويات الأعلى؟

mkuwaiti@btelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *