نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

9 ابريل 2023

مقال الاسبوع – صدرت الميزانية وسط تفاؤل بتحسن في الاداء الاقتصادي وتقليل العجز بعد الدين العام والسيطرة على التضخم. غير ان المطلوب ان ينعكس هذا على مستوى معيشة المواطن من خلال الميزانية وان توضع خطة لتحسين كفاءة المصروفات المتكررة باعادة النظر في العلاقة بين تحقيق الغاية من الخدمة وكفاءة الوسيلة. اي ليس بالضرورة الحل في زيادة الانفاق بل قد يكمن في تغيير التفكير ومراجعة ماهو سائد في جميع المجالات. كذلك ترشيد مساهمة الشركات الحكومية في الميزانية وضرائب على الشركات والثروات الكبيرة.

قراءة في الميزانية العامة 2023-2024

يتطلع المجتمع البحريني الى الميزانية العامة لعام 2023-2024 بقدر كبير من التفاؤل في معالجة قضايا تحسين المعيشة واقرار زيادة المتقاعدين وتخفيف ارتفاع الاسعار وخلق فرص عمل للبحرينيين لتخفيف ملف العاطلين. التوقعات كبيرة قد لا تكون في قدرة الميزانية تلبيتها. الميزانية كاي ميزانية هي وثيقة تعبر عن سياسات تحمل في طياتها قرارات وتطلعات، وتنفيذا لخطط واستراتيجيات تعبر عن رؤية معينة، في هذه الحالة رؤية الحكومة لكيفية معالجة القضايا ضمن حدود السياسة المالية. وكاي ميزانية هناك عدد من الخيارات والمصالح تفاضل الحكومة بينها لتنتهي الى احدها او مزج هذه الخيارات لتحقيق اكبر قدر من التأثير في الاهداف والغايات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية. وبالتالي فان التفاوض بين مجلس النواب والحكومة ينبغي ان يرتكز على الاسس والسياسات التي وضعت الميزانية بموجبها، والغايات التي تتطلع الحكومة الى تحقيقها من خلال الميزانية والبحث عن بدائل في الوسائل لتحقيق الغايات باقل كلفة لنجيب على السؤال : كيف تتحقق الغايات والاهداف بكفاءة وفاعلية.

وُضعت الميزانية (2023-2034) على اساس سعر النفط ستين دولار للبرميل، واتت على خلفية مشجعة اتضحت في التقرير الاقتصادي لعام 2022. بالنظر الى التقرير الاقتصادي لمملكة البحرين لعام 2022 نجد ان النمو الاقتصادي بلغ 4.9% ومساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الاجمالي ارتفعت وبلغت 83.1% وهذا مؤشر مشجع يشير الى استمرار تقليل الاعتماد على القطاع النفطي. غير ان التداخل بين هذه القطاعت بالنفط بشكل غير مباشر يجعل الاقتصاد يتاثر بتقلبات سعر النفط وبالتالي يؤثر في جهود تقليل الدين العام.

يبين التقرير بان مساهمة القطاع المالي في الناتج المحلي بلغت 17.5% متجاوزة مساهمة قطاع النفط الذي بلغ 16.9% (80% من حقل ابوسعفة و20% من حقل البحرين). كذلك سجل قطاع الصناعات التحويلية مساهمة قدرها 14% من الناتج المحلي. بالنسبة للقضية المركزية وهي خلق فرص عمل فان قطاع الصناعات التحويلة هو القطاع الاكثر قدرة على استيعاب العمالة الوطنية وتوفير فرص عمل مجزية باعداد كبيرة. القطاع الاخر الواعد هو القطاع المالي، بالرغم من ان طبيعة الاستثمار في هذا القطاع محدودة المدة وسريعة الخروج في حالة تراجع الاداء. لكنه في نفس الوقت يوفر فرص عمل باعداد كبيرة وبرواتب مجزية جدا ومناسبة للعمالة الوطنية. ينتظر المجتمع من هذه الميزانية تحسين مستوى المعيشة، توفير فرص عمل في الحكومة وفي القطاعات الواعدة، واعادة النظر في سياسات الضمان الاجتماعي لرفع الدعم المقدم لمحدودي الدخل والتقاعد ومعالجة ارتفاع الاسعار قدر الامكان.

رفع مخصصات الضمان الاجتماعي يتطلب عمل توازنات بين مختلف المصروفات المتكررة وفق ما يمليه مبدأ تحقق الغاية من الخدمة. فمن الصعب اتخاذ اي قرار حول تخفيض او زيادة اي بند من المصروفات المتكررة من خلال تحليل بنود الميزانية العامة فقط، لانها تعبر عن مصاريف تشغيلية للوزارات كي تؤدي مهامها بكفاءة وفاعلية وجودة. وهذا يعني تحقيق الغاية من الخدمة باداء المهام الموكلة الى هذه القطاعات باقل تكلفة وباعلى قدر ممكن من الكفاءة والفاعلية والجودة. وبالتالي مهمة عضو البرلمان الاجابة على السؤال: الى اي حد تلتزم الميزانية بهذه المعايير في اداء مهام القطاعات؟ هذا السؤال لا يمكن الاجابة عليه دون طرح اسئلة مبدأية، وهو لماذا نقوم بالعمل بهذه الطريقة؟ وهل هناك بدائل ووسائل اخرى واكثر كفاءة وفاعلية لتحقيق الغاية؟ وكيف تتحقق الغاية من المهمة الملقاة على عاتق القطاع او الوزارة او الخدمة؟ فالاهم هو تحقيق الغاية وليس التمسك بالوسيلة الاكثر كلفة.

هذه الاسئلة تحتاج الى دراسة استراتيجيات القطاعات كل على حدة وتقييم التفاعل بينها، واعادة هندسة العمليات للتوفيق بين الغاية المطلوب تحقيقها وما يقوم به القطاع والجهة المنوط بها المهمة. قد يكون هناك وسائل وطرق وبدائل افضل لتحقيق الغاية من الخدمة التي يقدمها القطاع. الادوات هنا ليس فقط مبادئ ومفاهيم اعادة هندسة العمليات ولكن كذلك استحضار اهمية التنمية الشاملة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) ورفع مستوى المعيشة والمساواة في تقديم الخدمات وتكافوء الفرص كادوات لتقليل كلفة اهداف القطاعات المختلفة. وبما ان هذه القطاعات متعددة وكثيرة فينبغي ان تحدد الاولويات وفق نسبة المصروفات من الميزانية العامة لكي تتحقق بعض المكاسب بسرعة اكبر؟ اي ان طرح الاسئلة المبدئية المتعلقة بتحقيق الغاية والهدف باقل تكلفة ممكنة هو المفتاح لمراجعة المقاربات والاستراتيجيات واعادة هندسة العمليات ومهام هذه القطاعات وبالتالي اعادة النظر في مخصصات القطاعات والوزارات.

هذا العمل يتطلب جهد، واذا تعذر العمل به في هذه الميزانية يمكن الاستعداد له في المستقبل. السؤال الاخر الاقرب الى الواقع الحالي هو: على اي اساس تم وضع مساهمة الجهات الاستثمارية في الميزانية العامة؟ مثل ممتلكات والشركات التابعة لها. وكذلك الايرادات المختلفة من الجهات والقطاعات والوزارات؟ فمثلا لماذا تكون مساهمة شركة النفط القابضة 66 مليون، وشركة ممتلكات البحرين القابضة 40 مليون، وليس اكثر او اقل. على اي معايير تم تقدير المساهمات وهل نتفق مع هذه المعايير؟

 الاجابة على مثل هذه الاسئلة يبنغي ان يكون نتاج ورش عمل وحوار ليس فقط بين المعنيين في القطاع او الوزارة ولكن كذلك مشاركة الجهات المعنية من المجتمع وعلى رأسهم المجلس النيابي والشورى. نامل من الحكومة الموقرة قيادة هذا الحوار للمستقبل بالتعاون مع مجلس النواب والمجتمع المدني.

في الوقت الحاضر السؤال الاكثر الحاحا هو ما كيف سيؤثر الاداء الاقتصادي الجيد الذي برز من التقرير في تحسين مستوى المعيشة؟ وهل سينعكش هذا الاداء على مستوى المعيشة من خلال الميزانية؟

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *