نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٣ يوليو ٢٠٢٢

مقال الاسبوع – العالم الجديد يحتاج الى قيم مشتركة يلتزم بها الجميع للحفاظ قواعد ونظام جديد، حرب اوكرانيا احدى ارهاصاته او نتائجه- احترام الانسان وحريته وقــبــول الـعـلـم الـحـديـث والمنهج العلمي والعقلانية المنطقية اهم هذه القيم المشتركة التي نحتاج تقبلها في وطننا العربي.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1302033

بينت جائحة كورونا والحرب الاوكرانية مدى ما تحقق من اندماج عالمي. تؤثر الاحداث والحروب والكوارث في البشرية جمعاء لكن القيادات السياسية مازالت تتصرف وكانها مستقلة عن شعوبها او منعزلة عن الدول الاخرى. الدبلوماسي السنغافوري كيشور محبوباني في كتابه “التقارب الكبير” يصور عالم الامس على انه مائتي سفينة تبحر في ميحط ولكل سفينة قيادة مهمتها عدم الاصطدام بالسفن الاخرى والمحافظة على سفينتها من الغرق وتتعامل مع بحارتها كما تشاء. والقانون المحلي والعرف كان يساعد القيادات في تأدية هذه المهمة.

اليوم بفعل العولمة والتقارب الكبير اصبح العالم عبارة عن باخرة واحدة عملاقة بها مائتي غرفة. تبحر الباخرة في محيط ويتحدد مصير كل غرفة بما يحدث في الباخرة وما يعترضها من صعوبات. ومع ذلك لا توجد قيادة لهذه الباخرة تعتمد نظرية موحدة. قادة الدول مازالوا يتصرفون على انهم في سفينة منفصلة يتخذون قرارات تؤثر في الاخرين وتضر الباخرة. تهيمن الدول الكبرى على المؤسسات الاممية التي من المفترض ان تكون قيادة العالم، لكنها تتصرف وفق مصالحها الضيقة. ويعطي امثلة على ذلك اتفاقيات الاحتباس الحراري وتاثيره وسلوك الدول الكبرى تجاهه.

يدعو الكاتب الى تعاون الدول الكبرى في وضع نظرية جديدة للعالم تاخذ في الاعتبار التقارب الكبير الذي حدث في العالم. تحتاج البشرية الى نظرية جديدة تفسر العالم وتضع قيم مشتركة يلتزم بها الجميع للمحافظة على الامن والسلم العالمي. الوضع العالمي الحالي تحكمه قيم وقواعد وُضعت بعد الحرب العالمية الثانية لم تعد قادرة على تنظيمه اليوم بعد ظهور قوى كبرى اخرى تحاول ان تاخذ مكانتها في النظام العالمي. وقد تكون حرب اوكرانيا احد ارهاصات هذا الوضع العالمي الجديد.

العالم اليوم يطالب امريكا والدول الكبرى بقبول المشاركة في ادارة العالم، وتقوية المؤسسات الاممية بدلا من اضعافها بسلوكها الانفرادي. وصلت الحضارة الى هذه المرحلة من الامكانات الانسانية، لكن احلامنا المستقبلية على مستوى الفرد والدولة والعالم لا تتحقق الا في عالم يكون المواطن فيها مسئولٌ وحرٌ. امريكا، كاهم القيادات، تخالف القواعد وترفض توقيع بعض الاتفاقيات التي ترى فيها تقييدا لسلطتها وقدرتها على تجاهل الارادة الجمعية، وكانها دكتاتوريات ترفض المشاركة.

الانسان اليوم مدين للاخر بكل شيء، يعيش على انتاج الاخر، الحضارة تراكمية وتعتمد على الاخر. ومع ذلك مازالت الحروب تُشن وخصوصا في الدول الفقيرة والمتخلفة. الحرب الاكرانية قد تكون نتيجة وصول النظام العالمي الى مرحلة لا يستطيع معالجة مشاكل المستقبل. الحاجة للتغيير اصبحت واضحة ولكن تعنت الروح الدكتاتورية الامريكية والغربية والروسية مازالت هي التي تتحكم في السلوك وليس الرؤية المستقبلية التي تعتمد على التعاون وتراكم الخبرات والمعرفة. هذا بالرغم من ان حرب العراق اثبتت ان الحروب لا تعالج شيء.

توصل المنطق الانساني الى منظور مشترك حول كيف تتطور المجتمعات ودور الديمقراطية في هذا التطور. يقوم هذا المنظور على ان القيم والتقاليد والاعراف الجديدة الايجابية تنتشر في العالم وتؤطر سلوك الافراد والجماعات وتحدد علاقاتها بالسلطات السياسية وبالتعاملات الخارجية. الانسانية اليوم تحتاج الى تكريس هذه القيم والاعراف المشتركة ونشرها في العالم.

يحدد الكاتب خمس اعرفا رئيسية يرى فيها معالجة للصراعات الدائرة اولها قبول العلم الحديث والمنهج العلمي. في مواجهة اي مشكلة تتجه الدولة نحو المعالجة العلمية، وهو ماحدث في مواجهة جائحة كورونا مثلا بالبحث عن افضل علاج علمي. ونفس المنهج يفترض ان يستخدم في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. الانتقال من المنهج التقليدي المعتمد على التراث والمعتقدات الاصولية الى المنهج العلمي لم يكن سلسا بل واجه تحديات كبيرة وكثيرة منذ اول من اعلن ان الارض كروية (كوبرنيكوس) وما تبعها من ثورة علمية وبناء حضارة قائمة على العلم والمعرفة.

 ثانيا سيادة المنطق والعقلانية، ويستدل الكاتب على ذلك باتحاد دول آسيان (دول جنوب شرق آسيا) الذي تأسس عام 1967 والان يعتبر من انجح الاتحادات بفضل قناعته بضرورة اجراء تحليل عقلاني للمكاسب والخسائر، وتغلب بذلك على سنوات من عدم الثقة. حدث ذلك بالرغم من التعددية السياسية والتنوع في الاعراق والاديان والثقافات والمواقف السياسية، اثبتت المنطقة ان صراع الحضارات ليس امرا محتوما. العرف الثالث هو اقتصاديات السوق الحر. تعددت في الماضي منظومات التنمية الاقتصادية لكنها تتفق على ان اليد الخفية (ادم سميث) تدفع الانسان نحو العمل على مصلحته والتي في نهاية المطاف تدعم مصحلة المجتمع. مع وضع قيود وضوابط لمنع الاحتكار وتحرير المعلومات وحماية المستهلك للحد من هيمنة الشركات الكبرى وتحمل الحكومات توفير الخدمات العامة التي يعجز عنها القطاع الخاص.

العرف الرابع العقد الاجتماعي والذي يعبر عن الاتفاق بين الحاكم والمحكوم. انطلقت اوروبا لانها اول من تخلص من النظام الاقطاعي الذي جعل الناس مساءلين امام المالك الاقطاعي وليس العكس. اخترع الغرب النظام الديمقراطي المطبق في اوروبا. احدث هذا تحولا في التاريخ الانساني. ادركت الدول جميعها بانها مساءلة امام الناس وشرعيتها تعتمد عليهم. العرف الخامس التعددية المؤسسية والعمل الجماعي، احد مظاهره زيادة عدد المنظمات الاممية التي تشترك فيها اكثر من دولة والاتحادات الاقتصادية والسياسية والمنظمات الخيرية المشتركة كل هذه مؤشرات على قبول العمل المشترك واهمية التعاون لمواجهة مشكلات الحاضر والمستقبل. نتيجة لذلك قلت معدلات الحروب والصدامات المسلحة في العالم وضحايا الحروب. حدث هذا نتيجة التواصل والحوار بين الدول.

بالرغم من شيوع هذه القيم والاعراف الا ان العالم مازال يعيش صراعات مزمنة، استمرارها يعني ان هذه الاعراف الخمس لم تتجذر بنفس القدر في انحاء العالم كما انها مازالت تعاني من الانتقائية في التطبيق. الامثلة كثيرة حول العالم من انظمة سياسية ترفض حقوق الانسان والحريات العامة الى دول غربية ترفض الاعتراف بحقوق الاخرين. وقد يكون من اهم الامثلة على هذه الانتقائية ما يحدث للقضية الفلسطينية من نكران من قبل السلطات الامريكية ورفض الاعتراف بحقهم الانساني والسياسي والاخلاقي.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *