- احمد زويل واستراتيجية التعليم في العالم العربي
تاريخ النشر : 2 مايو 2011
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
يقف الاخفاق في التعليم وراء ما يحدث في العالم العربي من ثورات للشباب الذي فقد كثيرا من الامل في مستقبل افضل، هذا يحتم على الحكومات العربية البدء في اصلاحات كبيرة في التعليم. هكذا يرى الاستاذ احمد زويل – الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999- الاحداث التي اجتاحت العالم العربي منذ بداية العام ومازالت مستمرة. يربط زويل الاحداث بتدني التعليم في العالم العربي ويعتبرها نتيجة مباشرة لفقدان الامل لدى الشباب. ( موقع الشئون الدولية 24-3-2011).
في هذا المقال يقترح الدكتور زويل خطة لتحسين التعليم الابتدائي والعالي ومجالات البحث العلمي والتطوير ومراكزه. ويؤكد بانه لا يمكن معرفة الداء قبل التشخيص وفي المحصلة النهائية فان التعليم يقف خلف النهضة العربية المرتقبة وهو العامل الاساس في تعافي العالم العربي. لذا فقد اصبح الاهتمام بالتعليم واصلاحه اولوية وطنية وقضية أمن القومي. وتتكون خطته من ست نقاط اولها القضاء على الامية؛ زيادة الانفاق؛ تغيير طرق التدريس؛ نظام تقييم المعلمين يقوم على الكفاءة والقدرات؛ هيكلة التعليم العالي في مستويات متعددة سواء في التعليم الخاص او العام؛ ورؤية وطنية وزيادة ميزانية لانشاء مراكز أبحاث للتميز. ويقول بان المتتبع لتقدم الشعوب من اوروبا الى اسيا حديثا يجد التعليم في المركز ويقتنع بالعلاقة الطردية بين التعليم وبين التقدم والتنمية المجتمعية.
يواصل زويل بانه لا يمكن لاي دولة ان تتجاوز متطلبات التنمية او الالتفاف حولها، وان التغيير لن يكون فاعلا ومؤثرا ولن يبدأ مالم توضع رؤية سياسية وارادة من اعلى المستويات في الدولة. فالدول العربية بحاجة الى نهضة مبنية على قاعدة علمية وتعليمية حديثة تقوم على ثلاثة اسس هي الابحاث الاساسية؛ توطين ونقل التكنولوجيا؛ والمشاركة المجتمعية. ان الامة العربية لديها الفرصة اليوم اكثر من اي وقت مضى ولكن لا يمكن التقدم بذهنية الماضي والتشبث بذهنية المؤامرة الغربية على الامة. علينا اولا ان نعالج مشاكلنا الداخلية لنضيئ المستقبل.
هذه المقدمة تطرح سؤال عن ماذا حدث للتعليم والبحث العلمي في العالم العربي؟ وبسبب البون الشاسع مع الغرب نقتصر المقارنة مع تركيا وايران وماليزيا واسرائيل. في 2009 اصدرت تركيا اثنان وعشرون ورقة علمية وايران انتجت خمسة عشرالف، في حين انتجت مصر في نفس الفترة الفين فقط. كذلك نجد ان الناتج القومي المصري يقتصر على السياحة والغاز ومدخول القناة، وكلها ثروات هبة من الله، بينما 90% من الناتج القومي الاسرائيلي ياتي من الصناعة والخدمات ذات المحتوى المعرفي العالي. وعلى مستوى الانفاق على التعليم الابتدائي فان مصر تنفق ما قدره 2.4% من الدخل القومي (250 دولار للطالب سنويا، في حين تنفق اسرائيل 1500 دولار). ونتيجة لهذا القصور فان المناهج اصبحت غير مناسبة لعصرنا مع تدني كبير في مكانة المعلمين الاجتماعية، وتحولت مهمة المعلم من جذب الطالب الى آفاق المعرفة والفكر الجديد الى تحضيره للامتحانات. اما لغة التعليم فقد اصبحت اجنبية في كثير من المدارس مما ينذر بتشرذم المجتمعات وافتقارها ثقافيا. وتزداد اهمية التعليم كون العالم العربي مكون من طبقة شبابية كبيرة غير مستغلة بلغت فيها البطالة 20%.
وللاجابة على السؤال على ماذا حل بالتعليم في العالم العربي فانه يرى بان المشكلة تكمن في قضيتين الاولى اقحام الدين والمذاهب في الحياة السياسية، والسياسة في الدين مما خلق الكثير من المشاكل وحوَّل طاقة المجتمع الى قضايا جانبية وهامشية وتصنيفات مجتمعية تقوم على العصبية والطائفية والقبلية. والقضية الثانية هي تراجع سيادة القانون والحقيقة في الذهنية العربية واقترانه بالقوة والسلطة، فتلاشت قدرة الفرد على البحث عن الحقيقة والتحليل المعمق لمعرفة اسباب المشاكل. وساهم في ذلك الاعلام العربي غير المهيئ لتنوير المجتمع في اهمية العلوم والتلعيم والبحث، فعطل بذلك مناقشة القضايا بالعمق الكافي والتحليل الموضوعي.
هذا يعيدنا الى نقطة البداية بان التعليم بحاجة ماسة الى اصلاح جذري. يبدأ هذا الاصلاح اولا بانفاق حكومي كبير في التعليم الاساسي وليس لبناء المنتجعات الفاخرة. الامر الاخر هو رفع مستوى المعلمين المعيشي والاجتماعي، وثالثا جهد مشترك بين الوزارات واولياء الامور ومجتمع الاعمال. اما فيما يتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي فان الامر لا يقل سوءاً. ففي بعض الدول المتقدمة اوجدت مستويات متعددة للتعليم العالي يصل في القمة الى تعليم النخبة والمتفوقين وقبلها درجات للتعليم الجامعي العادي والفني بما يناسب قدرات الطلبة. ففي امريكا مثلا هناك الكثير من معاهد الابحاث غير الربحية تحصل على تمويل من الدولة ومن القطاع الخاص عن طريق المؤسسة الوطنية للبحث العلمي. وتقوم المؤسسة العسكرية بدور كبير في تمويل البحث الاساسي. وفي تركيا هناك معهد جامعت بلكنت للابحاث، وتمكنت اسرائيل خلال عشرين سنة ان تكون قوة عالمية في مجال العلم، والان توجهت الى مجالات نماء مستقبلي مثل الطاقة البديلة والثروة المائية والزراعة وبطبيعة الحال الصناعة العسكرية.
يستنتج زويل بان ماجعل هذه الدول تنمو علميا هو اولا تركيزها على انتاج المعرفة وثانيا والاهم فهم واحترام الحقيقة. تكمن اهمية ذلك ليس في التعليم فقط بل في تحقيق اللحمة الوطنية والتفكير السوي السليم الذي يَنْسُج في الثقافة المجتمعية تقدير قيمة العدالة والحرية والتنمية.