- اذا كان الحوار على الابواب فما هي التطلعات؟
تاريخ النشر :19 ديسمبر ٢٠١٢
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
عصفت بالبحرين احداث ادت الى احتقان سياسي واجتماعي يصعب ادراك ابعاده على المدى البعيد ويحتاج الى علاجات لتجاوز تأثيره. في محاولة لتهيئة الاجواء اقيم في البحرين حوار “تجريبي” حول حقوق الانسان نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والطاقة. وشارك فيه معظم الجمعيات السياسية وتخلف البعض لاسباب سفر القيادات.
يقول المساهمون في الحوار انه كان مناسبة طيبة لتبادل الاراء وجس النبض والتعرف على وجهات النظر والتقريب بينها. يبدو انه حقق نجاحا في هذا الاتجاه وكان الانطباع العام ايجابيا ويبعث على التفاؤل. واذا سادت هذه الاجواء في الحوار الذي دعا اليه سمو ولي العهد فان الوضع يبشر بخير في تحقيق انفراجة تصل بالبلاد الى حل سياسي يعالج الازمة التي ادت الى هذا الاحتقان ويعالج تداعيات الاحداث على المجتمع ولو على مراحل طويلة الامد.
شكك البعض في الجدوى من الحوار او في ضرورة قيامه او في الحاجة اليه. لكن المشككين لم يطرحوا بديلا عنه. ان رفض الحوار كما ينادي البعض لا ينم عن ادراك لعمق الازمة التي تمر بها البحرين وتاثيرها على الاقتصاد وحياة الناس وما نتج عنها من فقدان عمل الكثير من العاملين في القطاع الخاص الذي يعتمد بدرجة كبيرة على الاستقرار السياسي وعلى الامن. هذا بالاضافة الى المعاناة التي يتعرض لها المواطن العادي من شحن الاجواء وفقدان الثقة بين مكونات المجتمع التي قد تحتاج الى سنوات لاستعادتها. من يرفض الحوار عليه ان يقدم البديل لمعالجة الوضع. لا يكفي الرفض دون الاقرار بوجود مشكلة تتطلب الحل وهذا ما قصده سمو ولي العهد حين قال ان “ماحدث في بحريننا الحبيبة قسم المجتمع ومازالت هناك الكثير من الجراح للتعافي منها”. لذلك نقول ان دعوة ولي العهد يجب ان يستجيب لها الجميع. وان تضع الجمعيات السياسية نصب اعينها اهداف ونتائج لا بد ان تتحقق من خلال الحوار لكي تخرج البلاد من الازمة ونضع حدا للتجاذبات السياسية والعقائدية ومسلسل التجاهل والتخوين والتسقيط الذي اضر بالمجتمع.
قد نختلف كمجتمع على اسباب الازمة. فهناك من يرى انها مشكلة داخلية بسبب المطالب المشروعة. كما ورد في مقال جلالة الملك في واشنطون بوست. والتي تمثلت في المشاركة السياسية والصلاحيات الكاملة للبرلمان واستقلالية القضاء والتوزيع العادل للثروة. وهناك من يرى ان الازمة خارجية ليس لها علاقة بالاحوال الداخلية وهذه المطالب. وهناك من يرى انها مزيج من الاثنين. اي ان القوى الخارجية استغلت الوضع لكي تدخل باجنداتها الخاصة. غير ان مالا نختلف عليه كمجتمع هو اننا تاخرنا كثيرا في التوصل الى حل ينهي الازمة ويعيد للمجتمع استقراره وحقوقه وفرصته في النمو. ونرى انه من الضروري طرح السؤال التالي: ماذا تريد الاطراف من الحوار؟ وهل ستتفق على اهداف مشتركة تسعى الى تحقيقها؟ وما هو المطلوب من المشاركين للخورج من الازمة والجميع يشعر بانه ربح شيئا يمكن ان يبني عليه نجاحات تعود على المجتمع بالخير؟
الاجابة عن هذه التساؤلات جعلتنا ننظر الى السياق الذي تم طرح مبادرة الحوار في خطاب سمو ولي العهد. اولا طرح سموه الدعوة في سياق الامن القومي الخليجي الذي يقول ان التوافق الوطني واللحمة الوطنية التي ستنتج عن الحوار هي ضرورة امنية. ثانيا تحدث سموه عن منع الانتشار النووي ومنع استخدام الاسلحة الكيماوية والبيولوجية، وامن النفط. وثالثا ربط سموه ذلك باهمية تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون. هذا يعني ان الاستقرار يتطلب بناء ديمقراطية راسخة تهيئ المناخ للمشاركة السياسية الحقيقية والمشاركة في الثروة وفي تنمية المجتمع. ويؤكد سموه على اننا نرتكب حماقة اذا لم نسع الى التغيير في هذا الواقع ومتطلبات التنمية وحقوق الانسان وحق الشعوب في المشاركة. لذلك علينا ان نحدد مصالحنا الوطنية والخليجية والعربية بشكل واضح وجلي لكي نصل من خلال الحوار الى ما ينفع المواطن والمجتمع والدولة. فاين تكمن مصالحنا؟
ان ابلغ ما يمكن طرحه هنا هو ما تفضل به سمو ولي العهد الذي وضع اهم اهداف الحوار حين قال “ان الامن ليس هو الضامن الوحيد للاستقرار، من غير العدل لن يكون هناك حرية، ومن دون الحرية لا يمكن ان يكون هناك امن حقيقي”. مقولة سموه تسهل على المجتمع مهمة وضع تطلعات للحوار وهي تحقيق العدل والحرية ومن خلالها يتحقق الامن والاستقرار والتنمية. ومن هنا ندعو الى حوار يهيء الاجواء لتحقيق اهداف متمثلة في:
- تحقيق المشاركة في اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي.
- عدالة توزيع الثروة وشافية في الدخل القومي.
- حفظ كرامة المواطن وحريته ورفع مستواه المعيشي.
- ايجاد منظومة متكاملة تحارب الفساد وتخلق بيئة تحاصره.
- تحقيق استقرار سياسي طويل الامد يخلق بيئة مناسبة للتنمية المستدامة.
يواصل سمو ولي العهد بالقول ان طريق الاصلاح في البحرين مازال يحتاج الى “المزيد من العمل خاصة في طريق الاصلاح وتطوير القدرات في السطلة القضائية”. نعم، هناك حاجة الى تعزيز القضاء ومحاربة الفساد لكن ضمن مشروع سياسي متكامل يساهم في تحقيق تطلعات المجتمع حول المشاركة في السلطة والثروة ومحاربة الفساد و”تطبيق نظام قضائي عادل ومنصف ورفض التطبيق الانتقائي للقانون”. على الجميع ان يدرك ان الغالبية العظمى من المجتمع تريد انهاء هذه الحالة من التوجس والجمود. وعلى القيادات في مختلف المستويات والمواقع ان تدرك ان الوصول الى الحل يتطلب تهيئة الاجواء لكي يبدأ حوار مثمر يقوم على الادراك بان الاهداف التي يتطلع لها المجتمع لا تختلف بين مكون واخر.