الاستثمارات السياحية وتنويع مصادر الدخل
صدر عن مجلس التنمية الاقتصادية عدد من التصريحات التي تبعث على التفاؤل. فقد عقد المستشار الاقتصادي للمجلس مؤتمرا صحفيا، واستعرض الرئيس التنفيذي للمجلس اداء الاقتصاد البحريني وما يقوم به مجلس التنمية من مشاريع لتنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات. اظهرت هذه التصريحات قوة الاقتصاد البحريني والنمو الذي تحقق في القطاع غير النفطي. لكننا نتساءل كيف سيؤثر ذلك على حياة المواطن وعلى الميزانية العامة وعلى الدين العام وعلى الرسوم والضرائب التي مازالت تتزايد.
يظهر من التصريحات ان قطاع السياحة من القطاعات الواعدة في كثير من دول المجلس، ويمثل القطاع الرئيس في اقتصاد دبي التي تنفق بسخاء في هذا القطاع لتنويع الخيارات المتاحة للسائح واستغلال السواحل وشق القنوات المائية وتوصيلها الى داخل المناطق التجارية والسكنية لتضفي جمالا ومجالا للترويح وفرصا أكثر امام السائح.
في جلسته بتاريخ 11 فبراير نوه المجلس الاقتصادي عن الجهود المبذولة للمحافظة على ما تحقق من نمو في القطاعات غير النفطية واسهاماتها في الناتج المحلي وخلق فرص عمل وفرص لانتقال التكنولوجيا والخبرة العالمية. بين الرئيس التنفيذي للمجلس ان اجمالي النمو بلغ 3.6% وفي القطاع غير النفطي بلغ 4.8% خلال عام 2017 واستقطب استثمارات بلغت 733 مليون دولار وخلق 2830 فرصة عمل. وان المتوسط السنوي للنمو غير النفطي منذ 2001 الى اليوم بلغ 7.5% سنويا لتصبح المساهمة غير النفطية 80% من الناتج المحلي. واشار الرئيس التنفيذي الى دخول شركات كبرى الى البحرين، ونوه الى التحول الى الاقتصاد الرقمي وتنمية البيئة الداعمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز البيئة الداعمة للقطاع اللوجستي والتصنيع.
على مستوى القطاع السياحي فقد ذكر بان البحرين تهدف الى ان تكون مركزا اقليميا في قطاع السياحة والمعارض وبلغت الاستثمار في البنية التحتية السياحية 48 مليار دولار. وبلغ عدد الزوار اكثر من ثمانية مليون ونصف بزيادة قدرها 12.8% عن العام الماضي 60% منهم من الشقيقة المملكة العربية السعودية، ووصل النمو السنوي في هذا القطاع 3% وهو اقل من متوسط النمو في القطاعات غير النفطية.
هذا الاداء يعبر عن ثقة المستثمر الاجنبي في الاقتصاد البحريني ويعبر عن مدى ارتباط الاقتصاد البحريني باقتصاد الخليج وبالذات المملكة العربية السعودية، وان البحرين قادرة على تقديم خدمات مالية وتقنية وسياحية على مستوى المنطقة. غير ان هناك اشكالية تتعلق بنسبة البحرنة في هذا القطاع. فقد اتضح ان نسبة البحرنة متدنية لا تتجاوز 10%. فماهو السبب وماهي الخطط التي وضعت لزيادة هذه النسبة وهل سيستمر القطاع يعتمد على اجانب؟ وهل السبب هو الثقافة المحلية التي ترفض العمل في الفنادق؟ الاشكالية الاخرى هي الاستنتاج من هذا الاداء بان القطاع الخاص هو المحرك لهذا النمو قد يكون استنتاج في غير محله ومتسرع مالم تساهم رؤوس اموال وطنية في هذا النمو.
يذكر التقرير مثلا بان الاستثمار المباشر بلغ 730 مليون دولار، نستشف من الخبر انها استثمارات اجنبية، فماهي نسبة رأس المال المحلي في هذه الاستثمارات؟ ولماذا لا يساهم التجار ورجال الاعمال والاثرياء في هذا الوطن في هذه الاستمثارات؟ وكيف يمكن الاعتماد على قطاع خاص لا يساهم في مثل هذه الاستثمارات او الاستثمارات الصناعية بشكل عام؟
ثانيا، وفق بعض الاقتصاديين فان الاقتصاد البحريني في طريقه الى التعافي. وان تحسن سعر النفط قد يقلل من الدين العام، مما يدعو الى الاهتمام بالنبية التحيتية وتحسين المناخ الاستثماري لاستقطاب رؤوس الاموال المحلية والاجنبية. لكن ذلك التحسن مرتبط باتخاذ اجراءات تصحيحية في اطار التشريعات الخاصة بالاستقرار الاقتصادي، ووضع خطة بناء لحل المشاكل في اسوأ الظروف.
ثالثا، هناك تفاؤل باننا خرجنا من عنق الزجاجة ويسير الوضع نحو الاستقرار غير ان الاقتصاديون يوصون بضرورة تقنين المصروفات وترشيد الانفاق ووضع خطط اصلاحية من قبل الحكومة. ويحذرون من تأثير الحروب في المنطقة من ناحية، ومن تاثير الاسراف والبذخ في بعض العائلات، ومن تاثير الرسوم والضرائب على المواطن وعلى المؤسسات وخصوصا الصغيرة منها. ويرون عدم التسرع في فرض ضريبة القيمة المضافة قبل استعداد المؤسسات لها.
ماورد في مثل هذه التصريحات والتوصيات والاراء التي يتداولها المجالس والمقابلات الصحفية بها الكثير من المعلومات والمقترحات والتوصيات لكنها لا تمثل منظومة واحدة من الحلول والاصلاحات المتماسكة التي تشير الى تحسن مستقبلي. كذلك لا نرى آلية تبين كيف سينعكس هذا الاداء الجيد على معيشة المواطن البحريني، وكيف يستفيد من فرص العمل الذي بينت الايام انها تذهب الى الاجانب. وبدون استراتيجية للاستفادة من الفرص المتاحة فان تاثيرها على الدين العام والعجز في الميزانية سيكون محدودا وبالتالي فهي لن تؤدي الى تقليل الضرائب والرسوم على المواطن وتعزيز الدعم على بعض السلع او رفع الراوتب وخلق فرص عمل مجزية للشباب.
لا يتضح من التصريحات التي تنشر ان الحكومة سوف تفرض ضرائب دخل على هذه الانشطة الاقتصادية لتحسن من الدين العام وعجز الميزانية، ولا توجد رؤية لتحسين مخرجات التعليم لكي يستفيد الخريجون من الفرص المتاحة، وتعامل وزارة التربية والتعليم مع الاقتصاد الرقمي لا يوحي بنجاح في اعداد الخريجين لهذا التطور.
الشمولية مطلوبة في هذا الوقت. فهناك مثلا توصيات خرجت من وزارة الاقتصاد – دولة الامارات العربية المتحدة في دراسة تتلخص في حزمة من المبادرات مثل تنويع موارد الميزانية وتنويع الصادرات وتوسيع التجارة البينية وتوسيع الاستثمار المتبادل بين دول الخليج وخلق فرص عمل للمواطنين. هذه التوصيات تتطلب عمل خليجي مشترك، وفي ظل الازمة الحالية نرى ان الوقت قد حان لمثل هذا العمل المشترك. والاقتصاديون في البحرين لديهم ما يسهمون به من افكار، لكنها تحتاج الى من يتولى تنظيم نقاش معهم. فهل يبادر مجلس النواب بمثل هذا الحوار؟