- التعديلات الدستورية .. شكرا للمجلس النيابي
تاريخ النشر : 22 فبراير 2012
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
في جلسته الاستثنائية يوم الخميس 16 فبراير الجاري قرر مجلس النواب تاخير البت في التعديلات الدستورية لاعطاء فرصة للمجتمع للنقاش. وهذا يحسب للمجلس كما يحسب له محاولة البعض جعل هذه التعديلات اكثر شمولية تعالج قضايا ومشاكل مجتمعية مهمة حيث لا يوجد مجتمع خال من المشاكل والتناقضات. ومهمة الجمعيات السياسية والمثقفين في هذه المرحلة هي توضيح العلاقة بين التعديلات وقضايا المجتمع الاساسية ومدى قدرتها على وضع الحلول الجذرية لها.
بالنسبة الينا لم تكن التنمية الاقتصادية والبشرية تسيران وفق ماهو مطلوب لانتشال اكبر شرائح المجتمع من العوز والتهميش. لم يكن لدينا خط فقر واضح المعالم، فقد كانت هناك طبقة من المعوزين وطبقة من محدودي الدخل يكاد دخلهم يسد رمقهم وطبقة من المترفين. دخل المجتمع في عدة حوارات لتشخيص مشاكله ومحاولة وضع العلاج في عدة مفاصل من تاريخه السياسي. ولكن يبدو ان بعض هذه المشاكل مازالت مستعصية على السياسيين والاقتصاديين والدستوريين والبرلمانيين.
خلال الفترة الماضية وفي السعي نحو الاصلاح ووضع الحلول حاولت الدولة والعديد من الشخصيات والجمعيات والمنطمات الاهلية والمؤسسات المالية والتجارية وضع مقترحات لمعالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فلم تفلح في معالجة قضايانا وبقيت نتائئجها متجلية في ضعف الاستثمارات وفي تراكم طلبات الاسكان وفي تدني الرواتب والاجور بسبب ضعف الانتاجية والتنافسية والقيمة المضافة، وفي ضعف التعليم وفي غياب السياسة الصناعية والبحثية والتطويرية والتنموية، وفي زيادة اعداد الاجانب مما بات يهدد التركيبة الديموغرافية. فما هي هذه المشاكل والقضايا الملحة؟
من متابعتنا لمجريات الامور يتضح ان هناك ثلاث قضايا رئيسية تجسد الكثير من المشاكل في مجتمعنا. القضايا الثلاث هي واقع الاداء الاقتصادي بشكل عام وان نجحنا في جوانب فان الصورة العامة تشير الى اداء لا يرتقي الى تحقيق طموح الشباب في عمل مجز وتحسين مستوى المعيشة وتحقيق الذات. القضية الثانية والبارزة في المجتمع التي تاخذ حيزا كبيرا من كتابات الاعمدة وشكاوى الجمهور هي قضايا المحسوبية واسناد الامر الى غير اهله “اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة” حديث شريف. القضية الثالثة التي لا يخلو منها عمود نقدي هو التوزيع العادل للثروة وحسن ادارة املاك الدولة. برز الكثير من مظاهر هذه المشاكل في المجتمع وهناك اسباب دستورية ومنظومية لتكرارها واستمرارها ولا يجدي التصدي لكل واحدة منها على حدة، بل يتطلب الامر حلولا دستورية منظومية جذرية.
هذا يعني ان اي تعديلات دستورية لابد ان تختبر في قدرتها على معالجة قضايانا المهمة والاساسية لكي يتقدم المجتمع نحو الارتقاء بالتجربة الديمقراطية. واذا كنا نؤمن بان الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة التي توصل اليها الانسان لنظام الحكم المستقر، ويبدو ان البحرين ارتأت ذلك منذ بداية المشروع الاصلاحي، فان واجبنا ان نعالج مشاكلنا دستوريا من خلال التقدم في المسيرة الديمقراطية بخطى مرحلية منتظمة حسب اولويات تتماشى مع تطور المجتمع من دون الاخلال بجدوى الحلول ونجاعتها. الان يبدو ان لدينا فرصة سانحة وكبيرة في تصحيح الكثير من القضايا العالقة.
بالنسبة الى القضايا الرئيسية الثلاث فهي ليست منفصلة عن بعضها واي تعديل عميق قد يؤثر فيها جميعا من حيث قدرته على انشاء مؤسسات تجارب الفساد وترشيد القرار الاقتصادي وتحاسب على حسن ادارة الثروة واستثماراتها في الجوانب الاقتصادية. نرى مثلا في الجانب الاقتصادي اننا نحتاج الى ان نتاكد من ان التعديلات المطروحة، او التي يضيفها النواب او سوف تناقش من خلال اي حوار، يجب ان تضع حلولا مرحلية تمثل الارادة الشعبية وتوجد منظومة لاصلاح وحوكمة القرار الاقتصادي وتعزيز مفهوم التنمية وكيف تدار وعلى من تعود نتائجها ومردودها ولمصلحة من تتم في التطبيق العملي وكيف ستؤثر في حياة الناس؟ ونحتاج الى منظومة اخرى من التعديلات والتشريعات المساندة تعالج قضية الفساد وتتصدى له. فمداخلات النواب تشير الى نقص في هذا الجانب. وفي اعتقادنا فان النقص يتجاوز ما ورد في المداخلات، اذ يحتاج الى استكمال تشريعي يشمل تحرير الاعلام وايجاد هيئة مكافحة الفساد. ومنظومة من التشريعات تجعل المشاركة السياسية فاعلة في وضع علاج جذري فاعل لحسن ادارة الثروة وتوزيعها والتصرف بها في صالح المواطن والمجتمع. وهذا يتطلب تشريعا يعطي حق الحصول على المعلومات يتيح للمجتمع القدرة على مناقشة القرارات الاقتصادية مناقشة نقدية من دون تاثير من مقدم المشروع او شخصنة وتمجيد المشاريع في ظل غياب المعلومات الموثوقة.
نجد في مداخلات بعض النواب ادراكا لاهمية التفكير الجذري المنظومي في التشريعات ودورها في معالجة القضايا الرئيسية في المجتمع. يقول النائب الدكتور على احمد “ان الشفافية واجبة في مناقشة التعديلات الدستورية والمشاركة واجبة من المجتمع والحصافة. ويواصل ان هناك تعديلات تختص بالذمة المالية ومحاربة الفساد لم يشر اليها في التعديلات”. وفي مداخلة النائب محمد بوقيس يقول “نحن نريد مجلسا نيابيا كامل الصلاحيات” ويشاطره الرأي النائب اسامة مهنا (اخبار الخليج 17 الجاري). والسؤال لماذا لم يقم النواب الافاضل باضافة مثل هذه التعديلات او غيرها لاكمال المنظومة التشريعية؟
كثيرون يفكرون في تعديلات دستورية ويناقشونها في معزل تام عن ماذا تعالج هذه التعديلات، سواء في مجملها كمنظومة تشريعية او في تفاصيلها كمواد دستورية؟ وهل تصل الى جذور المشكلة؟ وماهي الاليات التي تتوافر لهذا التشريع لعلاج المشكلة؟ وهل هناك ثغرات في التطبيق تعييق نجاحه؟ اعتقد اذا اخضعنا التعديلات الدستورية في مناقشاتنا الى مثل هذه التساؤلات فان الكثير سيتضح للمواطن الذي قد يجهل اللغة القانونية وعلاقة التعديلا بقضاياه الاساسية في محاربة الفساد والاداء الاقتصادي وضعف المشاركة السياسية التي هي اسباب محورية في تدني المستوى المعيشي ومشاكل الاسكان والمشاكل المعيشية الاخرى التي ترهق المواطن.