نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

التعليم وحقوق الإنسان في التنمية المستدامة 

  تاريخ النشر :١١ نوفمبر ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع – التنمية المستدامة في ضوء انخفاض سعر النفط يصبح التركيز على التعليم وتغيير توجهاته من التلقين الى بناء شخصية قوية ناقدة

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13746/article/52047.html

مقال الأسبوع-التنمية المستدامة تعني حقوق الانسان وحرية التعبير وحق التعليم لبناء الشخصية الناقدة المشاركة في القرار
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13746/article/52047.html

 اتفقت دول العالم على أهداف تنمية مستدامة لما بعد 2015 ولخصتها في سبعة عشر هدفا تناولت الإنسان في سعيه لتحقيق السعادة والكرامة الإنسانية. في مقال سابق لخصنا هذه الأهداف في ثلاث قضايا رئيسية وهي محاربة الفقر بجميع أنواعه ومحاربة المرض لرفع المستوى الصحي للمواطن وثالثا محاربة الجهل والارتقاء بالفكر والاهتمام بشخصية الإنسان. هذه العناصر الثلاثة تندرج تحت مظلة حقوق الإنسان وبالذات في التعليم وفي الصحة وفي الكرامة الإنسانية. وبينا ان التوجه السليم في هذه المسيرة نحو التنمية المستدامة هو التركيز على التفاصيل المتعلقة بحياة المواطن من مستوى الدخل ومستوى التعليم وجودته ومستوى الخدمات الصحية ومدى توفرها للجميع، وليس على عموميات ومتوسطات تخفي وراءها مآسي ناتجة من انتهاك حق الإنسان في التعليم والصحة والكرامة الناتجة من غياب العدالة والمساواة والحرية. هذا التوقيع والاعتماد يفرض على الدول وضع خطط واستراتيجيات تترجم هذه الأهداف على المستوى الوطني وتلتزم ببرنامج لتحقيق تقدم فيها.

 أهداف التنمية المستدامة هذه متكاملة مع بعضها لتكِّون منظومة تسعى إلى الارتقاء بالإنسان وتشكل مع العهد الدولي لحقوق الإنسان ضمانا لتقدم الشعوب وحماية الأوطان من الانزلاق في متاهة الصراعات التي نشهدها اليوم في عالمنا العربي، لذلك نرى ان العمل على تحقيق هذه الأهداف هو وسيلة لتحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي واللحمة الوطنية والسلم الاجتماعي. هذا يعني ان الواجب يحتم علينا كحكومات ومؤسسات العمل على وضع الخطط والبرامج والاستراتيجيات لتحقيق هذه الأهداف. بحلول السنة الجديدة (2016) سوف تبدأ المرحلة الجديدة وسؤالنا: هل هناك استعداد لدى الدولة أو رؤية لوضع خطط لتحقيق أهداف التنمية؟ وهل شاركت منظمات المجتمع المدني المعنية في وضع هذه الخطط والاستراتيجيات؟ 

 إذا نظرنا إلى هذه الأهداف مع الواقع الجديد المتمثل في خفض أسعار النفط وانحسار الإيرادات والحاجة الملحة إلى بناء اقتصاد متنوع منتج مبدع مبتكر يصبح بناء الإنسان هو الأساس ويكون القاطرة لذلك هو التعليم أو في لغة حقوق الإنسان هو «الحق في التعليم». ونتساءل كيف تعاملت وستتعامل حكومة البحرين ممثلة في وزارة التربية مع هذا الجانب المهم من حقوق الإنسان؟ وكيف سيختلف التعليم في نهاية 2030 عما هو عليه اليوم؟

 تقرير التنمية الصادر من الدولة في منتصف 2015 يقول إن البحرين تجاوزت الأهداف الثمانية وبالتالي لم تعمل الدولة على وضع أهداف وطنية تترجم روح أهداف الألفية وترتقي بالمواطن. فمثلا فيما يتعلق بالتعليم فقد اهتم التقرير بإظهار ان البحرين تمكنت من بلوغ نسبة 98,2% في معدل الإلمام بالقراءة والكتابة، ونسبة 98,6% في نسبة التلاميذ الذين يلتحقون بالدراسة وينهون المرحلة الابتدائية، وثالثا صافي نسبة القيد في التعليم الابتدائي 99,8%. الجميع يعلم ان مثل هذه المؤشرات لا تعتبر إنجازا للبحرين كوننا حققناها حتى قبل البدء في أهداف الألفية (2000-2015) السابقة. ويبقى السؤال الذي بودنا ان نطرحه على الوزارة: كيف ساهمت هذه الأرقام التي أبرزتها الوزارة في الارتقاء بالتعليم وكيف تحقق هدف خلق مجتمع أخلاقي يتمتع بالنزاهة والمثابرة والجهد والإنتاج؟ وفوق ذلك كيف تمكنت الوزارة من خلق وتكوين شخصية المواطن الصالح بالمفهوم الحديث الذي تسعى إليه الدول في تنافسها المحموم مع باقي دول العالم؟ هل تم تكوين المواطن القادر على المساهمة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويكون فاعلا ومؤثر وناقدا وبعيدا عن المجاملات والنفاق والتزلف والاصطفاف كما يحضنا ديننا الحنيف ومتطلبات التنافس العالمي؟ 

 بالنظر إلى الأهداف التي وضعتها الوزارة في التقرير السابق نجد أنها تتركز في تحسين أداء المدارس، تحديث المناهج، تعزيز الدور التنموي للمدرسة، تعميم استخدام التكنولوجيا الحديثة في المدارس. لم يرد في التقرير كيف أسهم ذلك في تغيير واقع الطالب المشغول بالحفظ والتكرار وفاقدا لقيم النقد وحرية النقاش والمشاركة في إدارة شؤونه المدرسية. أليس من الأجدر ان يركز الدور التنموي على تنمية شخصية الطالب ورفع قدراته الاجتماعية والقيادية وتعزيز قيم النزاهة والدفاع عن الحق المجرد؟ كلنا يعلم ان التعليم هو العمود الفقري للتنمية المستدامة لكن مازالت وزارة التعليم لم تقتحم بالقدر المنشود التعليم النوعي القادر على معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي وإخراج البلاد من أزمتها المالية على المدى البعيد.

 في المدارس الحكومية في بريطانيا والتي تعتبر من الدول المتقدمة تعليميا تتبنى الوزيرة الجديدة برنامج «تنمية شخصية الطالب» (Character Building) لتقوية قدرات مثل الخطابة والحوار والمناظرة والمجادلة وطرح الرؤى والأفكار والدفاع الموضوعي عنها والعمل الجماعي والمثابرة والإصرار على النجاح. تسعى الحكومة البريطانية من هذا البرنامج إلى خلق قيادات للمستقبل وتعزيز الصفات المطلوبة للنجاح في الحياة وتجعل الفرد يعمل دائما ما هو «صحيح في الوقت الصحيح وبالطريقة الصحيحة» والقدرة على الدفاع عن الحق ونبذ الانهزامية والتردد ورفض التراجع والخذلان. 

 أهداف الألفية في حلتها الجديدة، والمتعلقة بالتعليم تقول «ضمان تعليم نوعي شامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة». هذا الهدف يمنح الوزارة فرصة أخرى وفترة كافية لكي تضع خططا لتحويل التعليم من وضعه الحالي والذي لا يخدم التنمية بالقدر الكافي إلى حالة تناسب المرحلة المقبلة من التقشف وخفض إيرادات النفط التي سوف تحدث تحولات مجتمعية تحتاج إلى عقلية وشخصية قادرة على المنافسة وقادرة على تحمل خوض التجربة وتحمل الفشل والنهوض منه، تعزز الاعتماد على النفس والريادة في الأعمال والبحث عن الرزق في كل مكان من دون الاعتماد على الدولة ورعايتها الأبوية التي سوف تنحسر تدريجيا حتى عن الجهات التي تنعم الآن بالامتيازات والمخصصات المجانية. ان المرحلة تتطلب تعليما يبني الإنسان المواطن القادر على التمييز بين الحق والضلال، بين الصواب والخطأ، مواطن قادر على قول الحق والإصرار عليه، مواطن قادر على بناء أوطان وبناء حياة تقوم على التسامح والتعاون والجد والاجتهاد والمثابرة. هذا يحتاج إلى قدوة حسنة وإلى رؤية تعليمية ترتقي بالمجتمع نحو مجتمع أخلاقي مبني على الحق والعدل والدفاع عن الضعفاء.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *