عدم معالجة القضايا المتعلقة بفرض الرسوم والضرائب خصوصا فيما يتعلق بالعدالة في فرضها وتوزيعها قد تؤدي الى ازمات سياسية واقتصادية اكبر بكثير مما شهدناه.
http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1087767
تصدرت قضية الرسوم والضرائب أحاديث العيد (أعاده الله على الامة العربية والإسلامية وهي في حال أحسن). منحت المهلة التي تم الاتفاق عليها بين وزارة التجارة وغرفة الصناعة المجتمع التجاري فرصة لمعالجة آثار هذه الرسوم وكيفية التعامل معها. السؤال الذي يطرحه هذا الاتفاق هو لماذا لم يتم التشاور والاتفاق قبل صدور القرار؟ هذا يقودنا إلى حديثنا حول الضرائب وكيفية التعامل مع فرضها وهل ستخضع لنقاش وحوار يطرح التساؤلات والمخاوف ويضع الحلول التوافقية الملائمة قبل اتخاذ القرار أم انها ستفرض بشكل فوقي كما هي الحال مع الرسوم؟
تحدثنا في مقال سابق عن التحديات التي تواجه البحرين ومنطقة الخليج بشكل عام نتيجة الحاجة إلى فرض ضرائب بعد ان اثبتت التجارب ان الاعتماد على النفط لم يعد خيارا آمنا. قد لا تكون الضرائب على الأبواب ولكن خلال السنوات العشر المقبلة قد تكون واقعا حتميا اضطراريا. كذلك فإن الضرائب ليست سيئة أو حسنة في حد ذاتها، لكن يعتمد الأمر على كيفية التعامل معها والاستعداد لها ومدى تحقيقها اولا لشروط العدالة في الفرض وفي التوزيع والمبادئ التي تحكمهما، وثانيا في اليقينية وفق قانون يسري على الجميع من دون استثناء، وثالثا ان تكون ملائمة لتمكن المواطن من دفعها في وقت مناسب.
بدأنا مقالنا السابق (أخبار الخليج 30 أغسطس الماضي) بطرح أهم التحديات والمتمثلة في مناقشة اسباب عدم نجاح مساعي تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل ومنح هذا النقاش كل ما يستحقه من انفتاح وشفافية وحرية تعبير تيسر التوصل إلى الاسباب الحقيقية وتضع حلولا عملية.
نتحدث في هذا المقال عن تحدٍ ثانٍ هو ان فرض الضرائب سواء كانت ضريبة دخل أو ضريبة رأس مال أو اي ضريبة ثروة، سيحتاج فرضها إلى قدرة ادارية تمكن الدولة من جباية الضرائب بكفاءة مقبولة. فمثلا الدول الغربية المتقدمة هي اقدر على فرض ضرائب لعدة اسباب منها ان هناك مشاركة مجتمعية في صنع القرار ومستوى عال من الشفافية والافصاح عن المعلومات يوفر للمجتمع مستوى عاليا من الثقة في ان ما يدفع من ضرائب يستخدم في اوجه معلومة ومنشورة ويمكن لاي مؤسسة ان تدقق في هذه الحسابات. كذلك هناك ثقة تامة بان الجميع يدفع هذه الضرائب وفق القوانين المعمول بها وان التهرب من الضرائب مجرم وملاحق وتنشر نتائجه. التحدي هو خلق مثل هذا المناخ الذي يغرس الثقة لدى المجتمع في انظمة الضرائب عند فرضها.
تحد ثالث هو التوصل إلى آلية تحديد ما هي الضرائب التي ستفرض وعلى من ستفرض وبأي قدر ومن الذي سيتخذ مثل هذه القرارات وكيف ستؤخذ؟ فمثلا هل ستفرض ضريبة دخل فقط؟ ومن الذين ستشملهم؟ هل ستكون على الموظف والعامل والتاجر الذين يسهل تحديد دخلهم، وهل سيجبر الاخرون على الافصاح عن دخلهم داخل البلاد وخارجها؟ أم اننا سوف نعمد إلى فرض ضريبة رأس مال وضريبة ثروة وضريبة على انتقالها من يد إلى اخرى؟ وهل سيشمل ذلك الثروة في البلاد والثروة المودعة خارج البلد؟ وكيف ستكون آلية الافصاح عن الارباح والثروة وحصرها لاغراض الضرائب وهل سيشمل ذلك الايرادات الاخرى مثل الهبات والعطايا والهدايا؟ وهل نمتلك القدرة على فرض كل ذلك؟ كل هذه الاسئلة هي قرارات سياسية تخدم مصالح وتضر مصالح اخرى. فكيف سيكون القرار فيها وهل المجتمع منظم بما يكفي لإدارتها ومتابعتها؟
تحدٍ رابع ينبغي معالجته قبل فرض الضرائب هو قضية التعامل مع المال العام وما يتعرض له من تجاوزات أو ملاحظات وفق تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية وما يوجد من شبهات فساد وخلافه. مثل هذه الحالات في ظل وجود ضرائب تصبح مصدرا للقلق. قد لا تؤثر هذه الحالات اليوم لكون الاموال نفطية لا يرى البعض انها اموال عامة ترتبط مباشرة بالمواطن. هذا الشعور سوف يختلف في حالة ادرك المواطن ان هذه الاموال التي تتعرض لمثل هذه المعاملة هي امواله الخاصة التي تقتطع من معيشته ودخله وارباحه وثروته، هنا ستكون ردة الفعل اكثر رفضا. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى كيف ستبرر السلطات بعض السلوكيات البذخية والصرف غير المبرر للمجتمع الذي يريد ان يعرف اين تذهب امواله.
تحديات عديدة اخرى تفرض ايجاد اجابات متفق عليها اما بين الدولة والمجتمع أو بين دول المنطقة. فمثلا هل يمكن فرض ضرائب في معزل عن التوافق في الخليج لتفادي هروب الثروات والاعمال إلى الدول المجاورة؟ وهل يمكن تنسيق جميع سياسات الضرائب في المنطقة والتوفيق بين المصالح المختلفة بقدر من العدالة والكفاءة التي تضمن التعامل العادل والشامل. هل ستتمكن الدولة من توفير المعلومات التي يتطلبها فرض الضرائب ومناقشتها على مستوى المجتمع؟ فإن المعلومات المتاحة في الوقت الحالي غير كافية من حيث الكم والنوع والتفاصيل.
ان فرض الضرائب يمثل توازنات بين مختلف فئات المجتمع وطبقاته. فالتجار ورجال الاعمال لهم مصلحة في تقليل الضرائب على الارباح بينما الموظف له مصلحة في تقليل الضرائب على الدخل. والثري له مصلحة في تقليل الضرائب على الثروة وعلى انتقالها من يد إلى اخرى في حالة الوفاة. هذه المصالح لا بد ان تمثل سواء كان في فرض الضرائب أو في توزيع الايرادات. هذا يطرح تساؤلا حول آلية اتخاذ قرار التصرف في المال العام وهل مجلس النواب بوضعه الحالي وصلاحياته وتركيبته الحالية سوف يتمكن من التعامل مع مثل هذه القضايا؟
ان عدم معالجة مثل هذه القضايا قبل فرض الضرائب ينطوي على مخاطر اجتماعية اعمق من اي وقت مضى واكثر ضررا. لذلك لا بد ان نعمل على إعادة الثقة بين المجلس النيابي وبين المجتمع لكي يضمن الدفاع ان هناك من يمثل مصالحه ويدافع عنها عند فرض الضرائب. تحقيق ذلك يتطلب التوصل إلى صيغة من الإصلاحات تضمن مشاركة الجمعيات السياسية في الانتخابات بشكل مكثف وان تكون غالبية أعضاء المجلس من الجمعيات السياسية وان تكون هذه الجمعيات ممثلة حقيقية للمجتمع وليست خاضعة لآيديولوجيات دينية.
المرحلة المقبلة تتطلب كذلك من المجتمع التجاري والقوى الوطنية الليبرالية تنظيم نفسها واستعادة حيوية وفاعلية الجمعيات المهنية واستقلاليتها استعدادا لحقبة جديدة من العلاقة بين الدولة والمجتمع. اي بمعنى آخر اصبح من الضروري تقوية المجتمع لإحداث التوازن بينه وبين مؤسسات الدولة لتكون العلاقة صحية وقادرة على التأثير. الوضع الحالي يقول ان المجتمع ضعيف وان المجلس تراجع قدرته على التعامل مع قضايا المجتمع الحالية ناهيك عن تلبية متطلبات ظروف مقبلة تتعامل مع مصالح مالية واقتصادية تؤثر على مستوى معيشة المواطن وفي الوقت نفسه تجعله شريكا في تحمل تكاليف ادارة الدولة.