- المصارحة قبل المصالحة
تاريخ النشر :13 اغسطس 2011
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
في المحور الحقوقي في الحوار الوطني كان هناك توافق على تشكيل “هيئة للعدالة والانصاف والمصالحة الوطنية” واعتقد بان هذه قد تكون اهم افرازات الحوار اذا ما تم تفعيلها وتشكيلها على غرار لجنة تقصي الحقائق ولا يمنع ان تكون وطنية وليس اجنبية وان تقدم تقريرها الى جلالة الملك ليكون الحكم بين اطراف النزاع. ولكن نجاح هذه اللجنة يتطلب ان يكون هدفها التصدي للتصعيد الطائفي في المجتمع واعادة اللحمة الوطنية وان تبدأ بالمصارحة قبل المصالحة بمعنى ان يقر كل طرف بما اقترفه من تجاوزات واخطاء وتاثيرها على المجتمع.
مناسبة هذه المقدمة هي انه في ندوة في مقر جمعية المنبر التقدمي بعنوان “دور الجمعيات السياسية في الوحدة الوطنية”. قدمت جمعيات التيار الديمقراطي رؤيتها حول تحقيق الوحدة الوطنية واعادة اللحمة في المجتمع وبينت ان مطالبها كانت وطنية ومشروعة وقد وردت في مبادرة سمو ولي العهد. ونتساءل هل يكفي ان تقتنع الجمعيات السياسية بمشروعية المطالب ام يجب ان يقتنع المجتمع بانها مناسبة اليوم او بعد فترة من التهدئة. ان الاصرار على الاستمرار في المطالب قد لا يكون مناسبا الان كون المجتمع في هذه الظروف التي افرزتها الاحداث غير مستعد لتقبل اصلاحات جذرية. فهناك اولويات على رأسها اهمية العمل على ازالة آثار ما حدث في المجتمع من شرح عميق يصعب تجاوزه دون عملية مصارحة قبل المصالحة. من الندوة ظهر بان المعارضة الى الان لم تدرك ان المشكلة ليست في المطالب بل في كيفية المطالبة وما نتج عنها من صدام في المجتمع نتيجة المغالات في الشعارات المرفوعة والتي مثلت تعدي على ثوابت المجتمع وبعثت فيه الخوف والفزع. التحدي الكبير الذي يواجه الجمعيات السياسية اليوم هو كيفية معالجة هذا الخوف والتوجس وعدم الثقة الذي نتج عن الاحداث وعن التدخلات الخارجية والمغالاة الداخلية والذي ساهم في رفض الكثير من المطالب الديمقراطية المشروعة والتي وردت في مبادئ سمو ولي العهد.
من الجوانب الايجابية التي وردت في الندوة هو اقرار باخطاء ارتكبت ونبرة تصالحية ايجابية صدرت من المتحدثين تدل على وعي بان المشكلة التي يعاني منها المجتمع أكبر من أي مصالح. كما يبدو أن هناك رغبة في أن يكون للجمعيات دور في إحداث مثل هذه المصالحة بدليل انهم عقدو مثل هذه الندوة. نتفق مع ماجاء في كثير من الاراء حول كيفية تخطي هذه المرحلة ولكن الذي لم يُذكر هو اننا قبل المصالحة نحتاج الى مصارحة ومكاشفة وانتقاد الذات من الجميع.
للانصاف يجب ان نقر بان الجميع ارتكب اخطاء بما فيه الحكومة، وقد عبر عن ذلك سمو ولي العهد بقوله ان التباطؤ في الاصلاح كان أحد أسباب الاحداث. ولكن لا يكفي ان نقر فقط بالاخطاء بشكل خاطف بل نحتاج الى ان تكون المكاشفة والمحاسبة علنية ومؤسسية وان تبدأ من نقطة يرتضيها الجميع. ونرى ان يكون اول اعمال “هيئة المصالحة” هو ادارة مثل هذه المصارحة والحث عليها وتوجيهها بحيث تكون فاعلة في تخفيف حالة التوتر في المجتمع ومن ثم تضع خطة لمعالجة تأثير الاخطاء وانصاف المتضررين على هذا الاساس.
ان اولى خطوات العلاج هو الاقرار بوجود المرض الذي يتحمل مسئوليتة جميع مكونات المجتمع، واول من يتحمل المسئولية هي الفئة الصامته الكبيرة التي صمتت وتقاعست طوال السنوات التي سبقت الاحداث، وسكتت عن تجاوزات كثيرة من الحكومة ومن المعارضة ومن الجمعيات المحسوبة على المولاة ورضيت بان تقف موقف المتفرج او المناصر للاخطاء في بعض الحالات.
ثانيا الجمعيات السياسية (والمستقلين) التي دخلت المجلس الوطني منذ 2002 الى 2010 مسئوليتها في انها رضيت بان تحصل على مزايا خاصة ومكاسب مادية ومراكز في السلطة فسكتت عن الكثير من الفساد الذي ورد في تقارير هيئة الرقابة واهملت في متابعة تقارير اللجان التي شكلها المجلس للتحقيق في التأمينات الاجتماعية واملاك الدولة وفي التجريف والدفان وعجزت عن تحقيق مكاسب دستورية بسيطة كان يمكن لو انها ادركت المخاطر التي قد تحدث نتيجة الاحتقان والمناكفة الطائفية التي اذكتها بوعي مرات وبدون وعي مرات اخرى.
ثالثا المعارضة تتحمل مسئولية فشلها في اقناع المجتمع بان مطالبها وطنية واصرارها المستمر على القاء سبب هذا الفشل على المجتمع وليس على اساليبها وسلوكياتها وتحالفاتها التي اقل مايقال عنها انها لا تبعث على الطمأنة وزرع الثقة في المجتمع.
رابعا مسئولية الحكومة تتمثل في اولا ان مشاكلنا السياسية لها علاقة بكيفية ادارة المؤسسات واجهزة الدولة من اسكان وصحة وتعليم، ثانيا ان هذه المشاكل لها علاقة بمفاهيم الحرية والمشاركة السياسية والتوزيع العادل للثروة، وثالثا ان جانب كبير من المشاكل يتعلق بمفاهيم التنمية وخلق اقتصاد منتج يستوعب الشباب ويهيئ لهم فرص عمل واعدة. في جميع هذه الميادين كانت هناك اخطاء وتجاوزات وفساد ينبغي ان نراجع انفسنا ونتدارس تاثيرها وعلاقتها بما حدث. نتج عن تقاعس الاطراف الاربعة انقسام طائفي والكثير من الضغائن والجروح العميقة التي تحتاج الى علاج والاقرار بالخطأ هو اولى خطواته.
مطلوب من كل جهة ان تنظر الى تاريخ ادائها وتحركها وتنظر بعين الناقد لمعرفة اين اخطأت وماهي نتيجة اخطائها. الشجاعة في المصارحة والبحث عن القواسم المشتركة مع الاخرين هو ما يتطلبه الموقف الحالي من اجل المصالحة واعادة اللحمة أكثر من الدفاع عن المواقف. فالغالبية لم تختلف على الاصلاح ولكنها رأت ان يتم تأجيله الى مابعد معالجة الجرح الغائر في المجتمع.
والان نتسائل هل يمكن لتجمع الوحدة الوطنية (الفاتح)، المولود الجديد من رحم الاحداث، العمل على جعل مسار المصارحة والمصالحة ممكنا ويكون بمثابة الميسر لعملية المصارحة والمصالحة؟