الوضع الاقتصادي في انتظار الانتعاش الموعود
منذ اسبوع اتصل بي شاب أسس مشروعا صغيرا خدميا قبل سنتين مستعينا بقرض مصرفي، اليوم يعاني هذا الشاب من تراكم الايجارات ورواتب العمال بالاضافة الى قسط البنك ويفكر هل يغلق المحل ويخسر كل شيء ام ان هناك في الافق ما يجعله يصمد حتى يتغير الوضع الاقتصادي. تذكرت حينها حوار دار مع احد رجال الاعمال يقول بانه اغلق مشروعا صناعيا كان واعدا لكن لم يحصل على الدعم والمساندة من السلطات مما جعله يغلق المشروع. وحديثا مع رجل اعمال اخر يفيد بان كثير من المشروعات الصغيرة والمتوسطة مهددة وقد اغلق كثير منها؟
هذا يقودنا الى تقرير (اخبار الخليج 14 يناير 2018) حول “المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تحتضر”. تقول السيدة افنان الزياني في هذا التقرير ان “زيادة الرسوم على السجلات سوف تثقل كاهل المؤسسات وخاصة المتوسطة والصغيرة منها”. ويرى اخر بان زيادة الرسوم هذه سوف تؤثر على التاجر وعلى المستهلك. فالتاجر سوف يظطر الى رفع السعر مما يؤثر على المستهلك. واذا اضفنا الى ذلك تاثير ضريبة القيمة المضافة فان القدرة الشرائية سوف تتاثر وخصوصا في السلع الكمالية، وهذا قد يؤدي الى اغلاق بعض محلات تجارة السلع الكمالية. كبار التجار قد لا يتاثرون بنفس القدر بسبب تنوع تجارتهم على عكس صغار التجار الذين يتركز نشاطهم في تجارة محددة.
تكرر هذه الحديث والمخاوف من ارتفاع الاسعار في مقابلة لعدد من رجال الاعمال. فما تاثير كل هذه على الوضع الاقتصادي؟ يقول التجار في هذه الحديث ان الاقتصاد حلقات مترابطة ولا بد لهذه الزيادة من تأثير على المستهلك في جوانب اخرى. فالمحروقات والرسوم سوف تؤثر بالضرورة في مجمل الاسعار. احد اثار هذه الرسوم والضرائب هي ضعف القوة الشرائية لدى المواطن وتاثيرها على السوق. واذا اضيف الى ذلك انخفاض الانفاق الحكومي فان ذلك يؤذن بانخفاض في الحركة التجارية في السوق. معالجة ذلك قد يكون من خلال زيادة نسبة الدعم للمواطن ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، هذا الدعم اذا كان مجزيا سوف يرفع من زيادة الطلب على السلع وينشط من الحركة التجارية في البلاد. فماهو المعدل المجزي لكي يكون التأثير فعالا؟
القضية الثانية التي تطرق لها رجاال الاعمال هي العمالة المتضخمة في وزارات الدولة (البطالة المقنعة) وما تشلكله من ضغط على الميزانية، لكن معالجة ذلك لن يكون سهلا، حيث ان تسريح هؤلاء غير مقبولا وتحويلهم الى القطاع الخاص غير ممكنا في وقت معقول، لذلك فهناك حاجة لمعالجة طويلة الامد تحد من الاثار السلبية على المجتمع. احلال العمالة الوطنية محل العمالة الاجنبية في القطاع الخاص يجب ان يكون مشروع وطني يحتاج الى خطة متكاملة تشمل الجانب الثقافي والاقتصادي والتدريبي والتعليمي. وفي ضوء ما نراه من تباطؤ في وزارة التعليم فان مواجهة ذلك سوف لن يكون قريبا.
القضية الثالثة التي برزت من حديث التجار هي ارتفاع الرسوم على السجلات ورسوم مختلف الهيئات وارتفاع تكلفة الكهرباء والماء وفي نفس الوقت ضعف القوة الشرائية التي سوف تواجه المواطن. هذه الشكاوى تكررت من العديد من صغار التجار الذين يطالبون الجهات التشريعية والحكومة بايجاد حل مناسب لها. النتيجة هي ان معدل الاغلاق قد ارتفع بين صغار التجار نتيجة لسوء اوضاع السوق. تاثير ذلك على الاستثمار هو ان عدد السجلات الجديدة في 2017 هي سبعة آلاف سجل مقارنة بستة وعشرين الف سجل في 2106 (وفق نفس تقرير اخبار الخليج). هذا الانخفاض الكبير في عدد السجلات لا بد وانه انعكس بانخفاض في مستوى الاستثمار المحلي في الاقتصاد وهذا مؤشر غير صحي.
يرى رجال الاعمال (سمير ناس) ان الاسلوب المتبع في فرض الرسوم على القطاع الخاص “يؤدي الى خسائر تخرج بسببها شركات ومؤسسات من السوق نهائيا”. وتابع بان “فرض الرسوم لا يعدو ان يكون مسكنا لازمة اقتصاية تستفل يوما بعد يوم”. يرى السيد ناس بان الرسوم التي تؤخذ مقدما من القطاع الخاص هي غير سليمة وتؤدي الى زيادة كلفة الخدمات والسلع. يحذر السيد ناس من تضخم مستقبلي في حال استمر فرض الرسوم بهذه الصورة، واستمرت الحكومة في اعتماد سياسة التقشف وتقليل الانفاق على المشاريع لمعالجة العجز.
الخلاصة هي ان غياب رؤية اقتصادية سليمة تضع في الاعتبار امكانية هبوط سعر النفط وانخفاض ايرادات الدولة. لذلك تعرضت الحكومة الى هذه الهزة جعلتها تلجأ الى فرض الرسوم وتطبيق الضرائب. بالاضافة الى ان هذه الضرائب ادت الى تذمر المواطن، ويرى ان تاثير هذه جعل كثير من الشركات تتكبد خسائر قد يخرجها من السوق. من ناحية اخرى يرى ان تقليص الانفاق الحكومي على المشاريع سوف يضر بالاداء العام للاقتصاد ويضر بمؤسسات الانشاءات التي تعتمد على مشاريع الدولة بشكل كبير.
يرى عدد ليس قليل من التجار بان الحل ينبغي ان يكون في فرض ضرائب ارباح على الشركات الكبرى والبنوك. ويدعو التجار والمصرفيين الى الاستعداد لهذا الارتفاع والتخطيط له لتحقيق اقتصاد مستدام يستفيد من تحسن اسعار النفط التي بدأت في الارتفاع. هذا يتطلب وضع استراتيجية طويلة المدى وتنفيذها بصرامة. لذلك نكرر مطالبتنا بعقد نقاش مجتمعي لتدارس مثل هذه الاستراتيجيات وآليات تنفيذها. هذه مسئولية تقع في المقام الاول على الحكومة وعلى مجلس النواب في تبني مثل هذا النقاش المجتمعي لمعالجة الاقتصاد بشكل شامل وجذري وانقاذ صغار التجار والرواد من مرارة اتخاذ قرار الاغلاق وتكبد خسائر يمكن تجنبها.