نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

7 فبراير ٢٠٢٢

بدل التعطل … حماية للمجتمع ودعم للاقتصاد!

تشغل قضية البطالة والتعطل المجتمع البحريني بشكل كبير، ولاهميتها يتوقع المجتمع مناقشتها في الاعلام وبيان حجمها ومخاطرها. البطالة او التعطل هي معاناة للشخص ولعائلته وللمجتمع، وخسارة اقتصادية لطاقات شبابية كامنة وممكنة. يمثل صندوق التامين ضد التعطل آلية مهمة في تخفيف عواقبها الانسانية والاجتماعية.

في الوقت الحالي تُناقش في المجتمع والمجالس البرلمانية قضيتيان تتعلقان بالتعطل. الاولى تحديد مدة استلام بدل التعطل او استمرارها، والقضية الثانية كيفية تمويل هذا الصندوق. الرأي الرسمي حول استمرار البدل يقول بضرورة وقفه بعد مدة (تسعة اشهر في الوقت الحالي) لكي لا يتكل عليه العاطل ويتوقف عن البحث عن عمل. والرأي المطروح في المجلس النيابي يطالب باستمرار صرف بدل التعطل لحماية المواطن من ذل السؤال وتمكينه لاعادة التاهيل واستمرار البحث عن عمل مناسب له. ونرى في استمرار صرفها فوائد تعود على المجتمع والاقتصاد.

قبل مناقشة هذه القضية نعرج على القضية الاولى المتعلقة بتمويل الصندوق. يمول الصندوق من استقطاع 1% من رواتب الموطفين واجور العمال. هذا الاجراء يُحمِّل الموظف والعامل مسئولية تعطل زميله واخيه. بينما المسئولية في حقيقتها مسئولية المجتمع وبالتالي الدولة وهي جزء من الضمان والتكافل الاجتماعي. ولكي يتحمل المجتمع المسئولية، بجميع فئاته وكياناته، لا بد من تمويل الصندوق من الميزانية العامة، وفي حالة العجز، فرض ضريبة تصاعدية على الشركات والطبقة الغنية، وليس استقطاع من الموظفين والعمال. فالقضية تكافل وليست عقاب، وعلينا دراسة كل ما يتعلق بها من اصلاحات متعددة الاوجه لتكون الضرائب ممكنة وهي مطبقة في دول الخليج.

فيما يتعلق بالقضية الثانية، وقف بدل التعطل، فانه متى ما اقررنا بان صرف بدل التعطل قضية تكافل ومعالجة لمشكلة انسانية اجتماعية يواجهها العاطل وعائلته، فكيف نبرر ايقافها بعد مدة؟ تقول وزارة العمل بان استمرار صرفها يشجع على عدم الجدية في البحث عن عمل. فالى اي حد هذا السبب صحيح وما الادلة التي تدعمه وهل الحل وقف الدعم؟ المجلس صوت لصالح استمرارها، فهل الشورى سيدعم ذلك؟

واذا جادلنا بضرورة وقف الدعم في مرحلة من المراحل بحجة ان العاطل لا يريد العمل، كما تطرح وزارة العمل، نضطر كمجتمع ودولة الاجابة على السؤال: كيف سيعيش الشخص الجاد الذي توقف عنه دعم التعطل ولم يحصل على عمل مناسب؟ ماهي شبكة الحماية في المجتمع التي تمنح المواطن حد ادنى من الدخل يحترم انسانيته وحقه في العيش الكريم، وحماية عائلته، وحماية المجتمع من الاخطار المترتبة على ذلك؟ خصوصا وان التعطل قد يطول ويحتاج الى تدريب. وحسب رأي الحكومة فانه لا تتوفر امكانات مالية لدى الوزارات لتوفير التدريب (الصحافة المحلية ٢٤ يوليو ٢٠٢١)، وتحفظت على مقترح بقانون نيابي يلزم الوزارات بالتدريب.

تمثل قضية البطالة ازمة عالمية، و تشترك مع قضية الفقر وقضية التفاوت الكبير في الدخل لتشكل حالة اجتماعية تؤثر في الاستقرار وفي الاداء الاقتصادي ويدور نقاش عالمي حولها. من يجادل باستمرار صرف البدل يرى انها جزء من شبكة الضمان الاجتماعي. والاهم انها تمثل شبكة حماية توفر دخل ثابت لرواد الاعمال الناشئين الذين تفشل مشاريعهم الجديدة. وبالتالي فهي اداة لداعمة للريادة والابتكار. اي ان الريادة وانشاء اعمال تكون اقل مخاطرة بالاعتماد على البدل والدخل الثابت العام كما يرى داعمي هذ المشروع ومنفذيه من الدول المتقدمة وتلك التي تضمن حد ادنى من الدخل يصرف للجميع. واقتناعا بذلك تناقش على مستوى العالم قضية صرف حد ادنى من الدخل (Universal Basic Pay). تبنت الامم المتحدة مفهوم حد ادنى عالمي للدخل ونوقش في منتديات وكتب واوراق عمل. ويرى البنك الدولي ان حد ادنى من الدخل يقلل التمييز، يحارب التفاوت الكبير في الدخل، يمكن الفئات المهمشة، يحسن ظروف العمل، وينشط الاسواق المحلية بالمساهمة في زيادة الطلب على السلع (زيادة القوة الشرائية). 

من منطلق التكافل المجتمعي، ومنطق المصلحة في تنشيط السوق ودعم الريادة والابتكار، ان تساهم الشركات ومالكيها، والكيانات الرسمية وغير الرسمية وموظفين وعمال واصحاب املاك في صندوق التعطل بنسب تصاعدية (في حالة عجز الميزانية)، على ان يستخدم هذا الصندوق لدعم الاجور والعاطلين والتدريب واعادة التأهيل وخلق شبكة من الضمان الاجتماعي، وان لا يستخدم لاي اغراض اخرى وان تستثمر الاموال لصالح العاطلين والضمان الاجتماعي ويدار لصالحهم.

الحد الادنى من الدخل قضية مهمة وينبغي ان تثار لتكون داعمة للاقتصاد ومساعدة لمن يفقد وظيفته او لا يجد وظيفة في الوقت الذي تحدده وزارة العمل، وكذلك دعم العاملين الذين يقل دخلهم عن حد معين، يحدد مجتمعيا، مع الاخذ في الاعتبار متطلبات العيش الكريم بكل معانيه ومنح الانسان فرصة ثانية في تحسين معيشته.

تثار العديد من الاسئلة حول اهمية صرف الحد الادنى من الدخل وحري بنا كمجتمع ان نطرح بعضها للنقاش؟ القضية الاولى التي تشغل المصلحين الاجتماعيين في الدول المتقدمة هو تاثير الثورة الصناعية والرقمنة على بيئة العمل وفرص العمل. هذه قضية لم نصل انتاجيا الى حد ان تشغلنا. مايشغلنا اكثر هو هل مشروع الحد الادنى من الدخل بديل عن مشاريع الرعاية الاجتماعية والرفاه الاجتماعي؟ وهل يمكن ان تستبدل المشاريع الاخرى بمشروع شامل يضمن حد ادنى من الدخل؟ وهل يمكن تمويله من الضرائب المباشرة التصاعدية؟

دول كثيرة تطبق الحد الادنى من الدخل ومنها الاسكا منذ 1976 (تدفع لكل مواطن 992 الى 2072 دولار حسب اسعار النفط)، الدول الاسكندنافية استفادت من مزاياه، ودول تدرس المشروع. ترى (كندا) مثلا ان اهم ميزاته رفع القدرة الشرائية ورفع مستوى النشاط التجاري والانتاجي مما يرفع مستوى تحصيل الضرائب والقدرة على تمويل المشروع. دول اخرى تمول المشروع من ضرائب على الاراضي البيضاء بنسبة 2.9% (مثل سنغافورا وتايوان وهونكونج والدنمارك). وبما ان منطقة الخليج تفرض ضرائب على الشركات بنسب تتراوح بين 10% الى 25% فان الامر سيكون مناسبا ان تتبنى الدولة هذا المشروع وسيكون داعما للاقتصاد وليس معوقا له.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *