نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

مقال الاسبوع – ماذا يعني النجاح والفشل في اداء النائب الفردي واداء المجلس الجماعي وهل سيتطور المجلس خلال الاربع سنوات ويواجه التحدي في استعادة هيبته ومكانته ويتمكن من تغيير الصورة السلبية وحالة الاحباط في المجتمع. هذا يتطلب عمل جماعي فهل يتمكن من خلق تكتلات ناجحة هذه المرة تستطيع رفع مستوى الصلاحيات؟ وما دور الجمعيات السياسية في ذلك؟

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الخميس 1 ديسمبر 2022

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1317511

تطلعات مجتمعية للمجلس النيابي 2022

لدى اعضاء مجلس النواب مدة شهر تقريبا من انتهاء الانتخابات الى افتتاح المجلس في منتصف ديسمبر، يفكر خلالها الاعضاء الفائزين في افضل السبل لتنفيذ رؤاهم ومشاريعهم السياسية وكيف ستؤثر النتائج على المجتمع وعلى المجلس، وماذا يعني بالنسبة لهم النجاح او الفشل في اداءهم الفردي واداء المجلس الجماعي، وكيف سيتطور المجلس ككيان بعد اربع سنوات؟

قدم مجلس النواب للمجتمع، في الدورات السابقة، مساهمات في مناقشة كثير من القضايا الهامة، لكنه قدم ما هو اكثر من ذلك. منذ 2014 عمل على توحيد كلمة المجتمع ورفض الانسياق خلف اي طرح طائفي او فئوي وركز على القضايات التي تجمع المجتمع ولا تفرقه، وكان حذرا في لغته وفي اطروحاته وفي مناقشاته، وقد تجلى ذلك بشكل اوضح في اداء عدد من النواب الذين كسبوا احترام وتقدير المجتمع واعتبرهم افضل خمس نواب، وناسف على خسارة اي من الخمسة لمقعده في المجلس ونتمنى له النجاح في المرات القادمة، والمشاركة الفاعلة كعضو في المجتمع في انتظار فرصة اخرى في الانتخابات القادمة.

في نفس الوقت خسر المجلس بعض من رصيده في المجتمع جعل البعض يطالب بحله واعتبره عبءا ماليا على الدولة نتيجة ادائه في قضايا هامة اثرت في مستوى معيشة المواطن بشكل مباشر مثل الضرائب والتقاعد. بعض النواب لم يوفقوا في شرح مواقفهم للمجتمع وتعاملوا مع القضايا من منطلق محاسبي اكثر من كونهم ممثلين عن المجتمع يعبرون عن مصالحه وخصوصا الفئات الضعيفة ومحدودة الدخل والطبقة المتوسطة، فخسروا مقاعدهم النيابية.

التحدي الذي يواجه المجلس اليوم هو كيف يكسب تاييد المجتمع وتغيير الصورة السلبية التي ادت الى المطالبة بحله، عدد من المقالات ابرزت حالة الاحباط من الاداء وتتطلع الى مجلس اكثر تمثيلا لصوت المجتمع وصون حقوقه. بعبارة اخرى كيف يكون المجلس اكثر فاعلية وتاثير وتمثيل لصوت المواطن والمجتمع؟ كيف ينظم نفسه ليكون قادرا على تطوير نفسه واتخاذ مواقف تتوافق مع مصالح من يمثلهم. التحدي الثاني كيف يوضح دوره، بشكل لا لبس فيه، في السياسات الحكومية والمشاريع التي تضعها الدولة. كثير من المواطنين يُحَمِّلون اعضاء المجلس اعباءأ ومطالب ليست في مقدور العضو التصدي لها منفردا. فعضو المجلس ليس بامكانه وضع خطة اقتصادية او تصور تنموي، مثل هذه البرامج، تتطلب عمل مؤسسي مثل الاحزاب او الحكومات بما يتوفر لها من معلومات وقدرات، وفي حالتنا الحكومة مسئولة عن ذلك والمجلس يحاسب الحكومة على النتائج. مطالبة المجلس بمثل هذه المشاريع امر غير واقعي. في 22 ديسمبر تقدم الحكومة برنامج عمل الحكومة، وبعده الميزانية العامة ومن ثم تقرير الرقابة المالية والادارية، هذه فرص المجلس في النقاش والتغيير وطرح البدائل والاولويات. التحدي الثالث كيف يحقق المرشحين والنواب ما طرحوه في برامجهم الانتخابية من الحاجة للتغيير وتصحيح المسار، وتوضيح رؤيتهم حول “تصحيح المسار”.

هذه التحديات وغيرها تتطلب عمل جماعي يقوم على رؤيه وتصورات مسبقة لمسار التقدم الذي ينشده المجلس وكيف سيكون بعد اربع سنوات، ووضع معاييره للحكم عليها بالنجاح او الاخفاق. كثير من المشاريع الحكومية المطروحة في برنامج عمل الحكومة والميزانية تندرج تحت عنوان الاقتصاد السياسي الذي يُقيِّم الخيارات والاولويات، سواء في الانتاج او في التوزيع اوالضرائب، واي الفئات تستفيد ولماذا. هذه القرارات ليست عملية محاسبية او موازنة ايرادات ومصروفات، بل هي خيارات اقتصاد سياسي، وهذا يعنى اهمية الوعي السياسي وادراك مآلات كل من الخيارات والاولويات على المدى البعيد.

مثل هذا العمل يحتاج الى مؤسسات قوية تمتلك معلومات تمكنها من التخطيط ووضع التصورات واقتراح المشاريع والقوانين لمعالجتها. كيف يمكن للمجلس ان يقدم مثل هذا الاداء اذا كان مكونا في معظمه من افراد مستقلين؟ في نفس الوقت لدينا عدد قليل من الجمعيات السياسية التي يمكن ان تكون اكثر قدرة على التخطيط والمتابعة واكثر استمرارية من العضو المستقل، لكن محدودية امكانياتها يؤثر على قدرتها في العطاء والتاثير وبالتالي على نتائج عمل المجلس. التحدي اما المجلس اذا هو كيف يساهم في تقدم المجتمع وتطوير مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني لكي تتمتع بقدر كافي من الامكانيات وتساهم في تطوير العمل الديمقراطي. مثل هذا العمل يحتاج الى تعاون الدولة ودعم من الصحافة والمجالس الاهلية والجمعيات السياسية والحقوقية في ابراز الجوانب المهمة ومناقشتها بشكل مستفيض وبيان ايجابياتها وسلبياتها.

في هذا السياق فان فكرة تكوين تكتلات داخل المجلس هي فكرة في الاتجاه الصحيح لكنها لا تكفي ولا تغني عن وجود جمعيات سياسية قوية داخل المجلس تتمتع بنسبة مؤثرة من الاصوات. تشكيل التكتلات عملية مهمة وضرورية في الوضع الراهن، وعلينا الاستفادة من التجارب السابقة التي لم تكن نتائجها مشجعة، فقد تفككت هذه التكتلات تحت ضغوطات العمل النيابي. قد يحتاج الامر الى دراسة أسباب تفكك تلك الكتل. هل هو راجع الى عدم وجود الرابط الفكري بين هذه التكتلات؛ او وجود المصالح المشتركة الحقيقة التي تربط المجموعة وتحول دون تفككها؛ او عوامل اخرى لها علاقة بالتوازنات في المجلس؛ او ان اجراءاتها في العمل لم تكن منظمة بما يكفي. مهما كانت الاسباب ينبغي الاستفادة من التجارب السابقة.

السؤال الذي يتطلب اهتمام جميع الاعضاء، وبصفة خاصة قيادة المجلس، هو ماهي العوامل التي سوف تؤثر في اداء المجلس وتقويته؟ وماهي التعديلات المطلوبة والممكنة سواء كان في اللائحة الداخلية او الدستور، او في العلاقة بين المجلس والرأي العام وكيفية التفاعل بينهما وكيف التعامل معها. من حيث التعديلات المطلوبة فهذا من مهمة قيادة المجلس والتكتلات التي تتشكل داخل المجلس. اما ما يتعلق بالتفاعل بين المجلس والرأي العام  فقد عبر اكثر من نائب عن نية تشكيل لجان او مجالس اهلية تتعاون مع النائب في تحديد القضايا الهامة ومناقشتها واتخاذ مواقف منها. مثل هذه المجالس سيكون لها تاثير اذا كان فيما بينها تواصل مؤثر في الرأي العام. لذلك فان ما طرحه بعض النواب من تشكيل مثل هذه المجالس يعتبر خطوة اولى في مشاركة المجتمع للمساهمة والاهتمام المنظم في القضايا المطروحة والتاثير في القرار. علينا جميعا ان ندرك ان تقوية المجلس ومؤسسات المجتمع يصب في مصلحة الدولة والحكومة والصالح العام.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *