تعزيز الاستقرار المالي .. شكرا للاشقاء
نتقدم بالشكر الجزيل الى الاشقاء المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة ودولة الكويت على ما تقدموا به لتعزيز التوازن المالي. لا شك ان هذه دفعة سوف تسهم في زيادة ثقة المستثمرين في الاقتصاد البحريني ونتمنى ان تؤدي الى تحفيز الحكومات الى النظر من جديد في سبل تعزيز نمو الاقتصاد الخليجي ودعوة المستثمرين الى إقامة مشروعات إنتاجية في البحرين والمنطقة وتوطين المعرفة والتكنولوجيا وتحقيق التكامل بين الأسواق لما فيه خير الجميع. كما اننا من ناحية نرجو من الحكومة تطمين المواطن على ان المبادرات المقرة لن تكون على حساب الطبقة الضعيفة وان ترشيد الدعم وزيادة إيرادات الحكومة غير النفطية لن تؤثر على مستواه المعيشي.
يتساءل المواطن اليوم عن طبيعة هذا التمويل وكيف سوف يسهم في تحقيق اهداف التنمية المستدامة وتنفيذ مشروعات استراتيجية تعمل على تحسين مستوى المعيشة وفتح فرص عمل، خصوصا وانه منذ 2002 الى 2017 كان متوسط النمو الاقتصادي كما تذكر الحكومة 7.5% ومع ذلك حدث العجز في الميزانية وتزايد الدين العام. هذه التساؤلات والهموم لدى الشارع البحريني تحتاج الى توضيحات خصوصا في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن تقليص بعض من امتيازات التقاعد وارتفاع الأسعار.
طرحت الحكومة مؤخرا ست مبادرات بهدف موازنة الوضع المالي، ومن شأنها ان توثر في حياة المواطن في هذه المرحلة من التحولات في طبيعة الاقتصاد والعلاقة بين المواطن والدولة والمجتمع. والتساؤل يدور حول ماهي المبالغ التي سوف يتم توفيرها من كل مبادرة.
غير ان هناك تحديات لا بد ان نواجهها ومنها ان النمو الاقتصادي الذي استمر عقودا يتراوح بين 6% الى 3% لم يترجم الى زيادة في إيرادات الدولة ولم يرفع مستوى معيشة المواطن، ولا بد ان يفسر ذلك للمواطن، خصوصا وان الأرقام مازالت تنشر بوجود نمو يتراوح بين 3% الى 4%. فما هي المعالجات التي تنوي الحكومة اتخاذها لربط هذا النمو بحياة المواطن وايرادات الدولة؟
المعالجة قد تكون صعبة أولا كون نمو الدين العام يزيد عن النمو الاقتصادي، التحدي الثاني ان المواطن يريد شرح الفائدة التي عادت عليه من خلال مسيرة التنمية المستدامة التي سلكتها البحرين والتي تحدث عنها التقرير الطوعي حول التنمية المستدامة الذي بين ان البحرين أنجزت اهداف التنمية. ويتساءل المواطن لماذا لم يشعر بهذا الإنجاز في معيشته وفي دخله وفي تحسين مستوى معيشته. كما يتساءل صغار التجار وبعض كبارهم عن أسباب عدم انعكاس ذلك على تجارتهم؟
التحدي الثالث يتعلق بفتح فرص عمل وزيادة اعداد الوافدين الذين يستحوذون على ما يتوفر من فرص عمل، فمثلا أعلنت وزارة التجارة والصناعة انها منحت 50 ترخيصا صناعيا باستثمارات بقيمة 71 مليون دينار تخلق 3800 فرصة عمل، لكن مقدار فرص العمل التي سوف يستفيد منها البحريني تعادل 20% فقط من هذه الفرص! والسؤال لماذا؟ .. التحدي الرابع هو تزايد السكان غير المنتظم والذي يثقل على الميزانية من حيث زيادة تكاليف التعليم والصحة والإسكان والبنى التحتية ناهيك عن التنافس غير المتكافئ على الوظائف.
هذه التحديات تحتاج الى معالجات جذرية تنقل الاقتصاد من حالة الركود الى حالة مختلفة تقر بان الاعتماد على النفط لم يعد ممكنا حتى وان ارتفع سعره (اليوم سعر النفط تجاوز 80 دولار للبرميل). فمثلا في تقرير نشر مؤخرا يقول الدكتور جعفر الصائغ ان “الحل لا يكمن في سياسة التقشف وانما في تصحيح المنهج الاقتصادي بحيث يتحول اقتصادنا من الاعتماد على القروض والمنح والمساعدات والاعتماد المفرط على النفط، الى الاعتماد على الذات والإنتاج المتنوع والاستثمار المحلي معتمدا على قدراتنا الفكرية والبشرية”. هذا هو طريق النمو المستدام وخلق فرص عمل لشبابنا وليس للعمالة الوافدة.
الى ان نصل الى هذه الرؤية فان الخيار الذي اتخذته الحكومة لتحقيق التوازن خلال الأربع سنوات القادمة وكما اعلنه وزير المالية، يقع في ست مبادرات هي: تقليل المصروفات التشغيلية الحكومية، زيادة كفاءة هيئة الكهرباء والماء، تعزيز كفاءة الانفاق الحكومي، طرح برنامج التقاعد الاختياري لموظفي الحكومة، تعزيز كفاءة وعدالة الدعم الحكومي المباشر لمستحقيه من المواطنين، وتسهيل إجراءات الحكومة وزيادة الإيرادات غير النفطية.
معالجة حالة عدم التوازن في الميزانية العامة تتم اما بزيادة الإيرادات الانتاجية او بتقليل النفقات وهذه المبادرات تشمل الحالتين. من حيث النفقات فإنها في معظمها رواتب من الصعب تقليله على المدى القصير. ثانيا من الصعب تقليل نفقات المشاريع الحكومية فكثير منها بنى تحتية يحتاج اليها الاقتصاد كما ان السوق البحريني يعتمد على هذه المشاريع في تحريكه، تقليها قد يزيد من حالة الركود. الخيار الثالث ليس متاح لأنها مصاريف استراتيجية قد لا ترى الحكومة إمكانية التقليل منها في الوقت الحاضر.
من حيث الإيرادات فان الخيارات على المدى القصير محدودة ايضا وتنحصر في زيادة الرسوم والضرائب الاستهلاكية. الواضح الان بان الحكومة تفضل هذا النوع من الرسوم والضرائب لأنها الاسهل ولا تحمل كلفة سياسية باهضه، ولكنها في نفس الوقت تُحمل الطبقة الفقيرة والمتوسطة ومحدودة الدخل والعاطلين والمتقاعدين أعباء اكبر بكثير من الأثرياء والميسورين الذين يمثلون كلفة سياسية اكبر. أي ان الخيارات اما ان تتحمل الطبقة الضعيفة أعباء العجز في الميزانية او ان يتحمل ذلك العبء الطبقة الغنية وعالية الدخل والشركات المربحة.
المواطن البحريني قد لا يمانع في ان يساهم في جهود التنمية اذا ما توفرت له الفرص والمعلومات الموثوقة لتقييم الوضع، المواطن لا يريد ان يكون المجتمع متفرجا في الوقت الذي تحتاج البحرين الى تكاتف الجميع لكنه يطالب الانصاف في تحمل الأعباء وتحديد نوعية مساهمته بما يناسب دخله.
هذا يقودنا الى استنتاج بان الأفضل استخدام التمويل او جزء منه في تنويع القاعدة الإنتاجية (تنويع الاقتصاد) وفرض نوع من ضرائب ترتبط بهذه القاعدة الإنتاجية لتنعكس على الوضع المالي للحكومة. الأفضل ان تكون الضرائب على الطبقة الغنية وعلى الثروة بشكل او بآخر لتحقيق التوازن في الميزانية العامة دون الاضرار بالطبقة الضعيفة في المجتمع.